السبت 27 آب (أغسطس) 2011

ماذا بعد هزيمة القذافي؟

السبت 27 آب (أغسطس) 2011 par د. عصام نعمان

لعل أحرار ليبيا يدركون حقائق الوضع الليبي والتحديات التي تواجه الشعب بعد هزيمة المستبد الظالم والشروع في عملية تنظيف البلاد من مخلّفاته ومظالمه تمهيداً لمباشرة مرحلة البناء والإنماء.

أول التحديات إقامة قيادة وطنية وبالتالي حكومة وطنية لليبيا ما بعد القذافي. قد يكون المجلس الوطني الانتقالي هو القيادة الوطنية المنتظرة أو قد تتطلع مختلف القوى والفصائل التي أطلقت الانتفاضة وحققت الانتصار على نظام «الاخ القائد» إلى الاتفاق على إقامة مجلس وطني موسع وبالتالي حكومة ائتلافية تتمثل فيها جميع مناطق البلاد وقواها الوطنية الرئيسة. المهم أن يصار إلى حسم مسألة القيادة والسلطة كي يسارع العهد الجديد إلى تصفية آثار الماضي البائس والمباشرة في بناء حاضر البلاد ومستقبلها باستقلال عن القوى الخارجية الطامعة.

ثاني التحديات فراغ البلاد من الدولة . لا دولة البتة في ليبيا القذافي، بل شبكة ضبط وربط لحماية أمن «الأخ القائد» ومصالحه وأفراد عائلته والمقربين من أعوانه. بعد هزيمة قائد الشبكة المتسلطة، لم يبقَ من آثارها شيء يحاكي مظاهر الدولة المعاصرة وأجهزتها. المطلوب، بادئ الأمر، بناء دولة جديدة من الصفر. يجوز الاستعانة ببعض الخبراء والفنيين الشرفاء ممن خدموا في الهامش المحدود الذي أتاحه «الأخ القائد» عبر شبكته المتسلطة. غير أن ذلك لا يكفي للنهوض بمهمة البناء العظيمة الأهمية. لا بد من الاستعانة بكفاءات ومهارات من خارج ليبيا. الخارج يجب ألاّ يعني الغرب الأطلسي وحسب. ثمة «خارج» على مستوى العالم برمته يضج بالكفاءات والمهارات المطلوبة. يستحسن، والحالة هذه، اللجوء إلى عملية استدراج عروض، إن صح التعبير، للكفاءات الليبية ثم العربية وبعدها للكفاءات الأممية تجريها قيادة سياسية وإدارية متخصصة. إن بناء الدولة يجب أن يكون مهمة وطنية، تنهض بها أدمغة وطنية، وتهدف إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

ثالث التحديات استعادة ثروات ليبيا المنهوبة ومئات مليارات الدولارات من أموالها المجمدة في الخارج. لا يمكن الآن تحديد حجم الأموال المودعة في الخارج والأخرى المجمدة رسيماً لدى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وسويسرا وغيرها من الدول والمؤسسات.

يمكن إعطاء فكرة بسيطة ولافتة عنها. قال أحد الصحافيين إن وزير النفط الليبي السابق أكد له أن سيف الإسلام القذافي حوّل بإسمه إلى أوروبا مداخيل بقيمة 250 مليار دولار. هذه «حصة» أحد أولاد «الأخ القائد». ماذا عن «حصته» و«حصص» سائر أولاده؟

إن أهمية تحديد قيمة الأموال المنهوبة والأخرى المجمّدة في الخارج، توازي أهمية توفير الأموال اللازمة للسلطة الليبية الجديدة، سواء المجلس الوطني الانتقالي أو غيره، كي تنهض بمسؤولياتها. ذلك أن دول الغرب الأطلسي تعتزم، على ما يبدو، عدم إعادة الأموال الليبية بالسرعة المتوخاة بدعوى أن الوضع الأمني لم يستتب بعد، بل إنها تفكر بإرسال قوات برية إلى البلاد بصفة مستشارين وفنيين لـ «التدريب»! أكثر من ذلك، تحاول ألمانيا إيجاد موطئ قدم لها في ليبيا بطريق توقيع اتفاق ائتمان مع المجلس الوطني الانتقالي لتمكينه من الحصول على 100 مليون يورو. الحقيقة أن ليبيا ما بعد القذافي ليست بحاجة البتة إلى الاستدانة من أجل تسديد المصاريف العاجلة أو الآجلة. فهي تملك، باعتراف المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فكتوريا نولاند، مبلغ 30 مليار دولار جمدتها الولايات المتحدة في وقت سابق هذا العام. إن عُشر هذا المبلغ، أي نحو ثلاثة مليارات دولار، أموال سائلة. فلماذا لا تفرج عنها الإدارة الأمريكية فوراً؟ هل نغالي إذا قلنا إن تحرير أرض ليبيا وأموالها من وصاية الغرب يساوي في القيمة، إن لم يكن يفوق، تحرير البلاد من استبداد «الأخ القائد» وشبكته المتسلطة؟

رابع التحديات إعادة إنتاج النفط وتصديره بالسرعة الممكنة، شريطة أن تبقى الثروة النفطية ملكاً للشعب الليبي وألا يصار إلى خصخصتها أو تخصيصها (بمعنى تمليكها إلى القطاع الخاص). ذلك أن إخراج النفط من ملكية الدولة يفسح في المجال أمام دول الغرب الأطلسي لإملاء اتفاقات جديدة وإمرار صفقات خيالية لمصلحة شركاتها العملاقة الطامعة. نعم ، يجب عدم تكرار مأساة العراق حيث استغلت أمريكا وضع البلاد في ظل الاحتلال لفرض اتفاقات نفطية جديدة عليها، مجحفة ومذلة. فقد كشفت جريدة «غارديان» البريطانية قبل أسبوعين أن الشركات النفطية المحظوظة التي فازت بالعقود الجديدة تمكّنت من تضمينها بنداً يقضي بإلزام الحكومة العراقية تسديد الشركات المستثمرة حصتها المقررة حتى لو توقف العمل (أي الإنتاج والتصدير) أياً كانت الأسباب!

خامس التحديات إعادة ليبيا إلى أمتها وعروبتها وعالمها المعاصر. ذلك أن غرابة أطوار «الأخ القائد» وأحلامه المجنونة ونزواته الفظة أدت جميعاً إلى إخراج ليبيا القذافي من الأمة، وتنكرها للعروبة، وفك ارتباطها بقضية فلسطين بدعوى العمل لتوحيدها مع «إسرائيل» في كيان هجين غريب عجيب اسمه «إسراطين»، ومناكفة العالم المعاصر بدعاوى ومظاهر وتقليعات تستحضر الماضي الغابر لتغرزه في قلب الحاضر المتفجر. المطلوب من قادة ليبيا الجدد المبادرة إلى مصالحتها مع أمتها، وإحياء التزامها بعروبتها، وتأكيد انخراطها في الكفاح من أجل تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، وإعادة التواصل بين ليبيا والعالم المعاصر ولاسيما في حقول المعرفة والفنون والتكنولوجيا.

أنظار أحرار العرب والعالم شاخصة اليوم إلى أحرار ليبيا. حذارِ تخييب الآمال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165385

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165385 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010