الثلاثاء 23 آب (أغسطس) 2011

عملية «إيلات» .. تذكير بالثوابت

الثلاثاء 23 آب (أغسطس) 2011 par عوني صادق

عملية فدائية واحدة تكفي لتحرك كل المياه الساكنة في المستنقع الآسن الذي تعفن وكست سطحه الطحالب. عملية فدائية واحدة تكفي لتهز وتربك هذا الكيان المتغطرس فيبدو أوهى من بيت العنكبوت. عملية فدائية واحدة تكفي لتجبر كل من يهمه أمر المنطقة، بل أمر السلم والأمن الدوليين في العالم أن يصحو من غفوته وأن يعيد النظر ويراجع الحسابات التي سبق وجرى تزويرها مراراً وعقوداً طويلة. عملية فدائية واحدة تكفي لتظهر حقائق كثيرة أهالوا عليها التراب وجرى طمسها بالقهر حيناً، وبالكذب والتزوير، وبالانحياز والتضليل أحياناً.

بداية لا شك أن عملية «إيلات» التي نفذها مقاتلون فلسطينيون، ظُهر يوم الخميس الماضي، كانت عملية نوعية بكل المقاييس، تميزت بالدقة والفاعلية وأيضاً الشجاعة في التخطيط والتنفيذ، وأظهرت قدرة المقاومين الفلسطينيين على الفعل وتوجيه الضربات الموجعة للعدو الصهيوني، وتحديداً ضرب صلفه وغطرسته. لقد مثل نجاح العملية فشلاً أمنياً ذريعاً لأجهزة العدو الأمنية المغرورة، وهو ما اعترف به الخبراء والمعلقون العسكريون الصهاينة، وإن حاولوا إلقاء اللوم على المصريين. أما أهم ميزة تحققت من ميزات هذه العملية فجاءت من خلال عامل خارجي عنها لم يكن في حساب من وضعوا خطتها، وهي أن تكون «وسيلة تذكير» بثوابت الصراع العربي - الصهيوني المنسية.

لقد أصابت العملية القيادة «الإسرائيلية» بالإرباك الشديد، وكان متوقعاً أن تغطي على فشلها الأمني بضربة لغزة، تحاول أن تجعلها قاسية لترضي ذئابها الجريحة. هكذا تحرك سلاح الجو وقدم الرد «الإسرائيلي» على العملية فكان سلسلة من الغارات وصل عددها بعد ثمان وأربعين ساعة إلى عشر غارات وأدت إلى استشهاد خمسة عشر فلسطينياً، بينهم الأمين العام للجان المقاومة الشعبية كمال النيرب واثنان من مساعديه، واستشهاد ضابط وأربعة جنود مصريين (داخل الأراضي المصرية)، مما شكل اعتداء على السيادة الوطنية لمصر، وانتهاكاً لاتفاقية كامب ديفيد، الذي اعترف المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» أمير أورن بأنها «أصيبت بجروح بالغة». لقد اعتذر وزير الدفاع «الإسرائيلي» إيهود باراك شفوياً عن «الحادث»، وأشاد بـ «تعقل وحكمة القيادة المصرية»، وقال إن تحقيقاً سيجريه الجيش «الإسرائيلي» لمعرفة كيف وقع هذا «الخطأ». وهنا لا بد من التأكيد أن قتل الجنود المصريين لم يكن «خطأ»، بل عمل مقصود ومتعمد، بغرض إجراء «اختبار» ضروري لمعرفة ما طرأ على الموقف المصري بعد ثورة 25 يناير وسقوط نظام حسني مبارك.

لقد سارع البيت الأبيض إلى شجب العملية الفدائية، وكذلك الاتحاد الأوروبي، بينما طالب الأمين العام للأمم المتحدة الأطراف بضبط النفس، في وقت يتم فيه تجاهل التهديدات بل الاعتداءات «الإسرائيلية» على قطاع غزة، فضلاً عن تجاهل العدوان المستمر المتمثل في الحصار المفروض منذ سنوات. وقبل فترة قريبة ذكرتنا وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بجوهر السياسة الأمريكية قائلة : «إن أمن «إسرائيل» هو حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية في منطقة «الشرق الأوسط»»، وسيبقى الأمر على حاله ربما طويلاً.

ولعل أهم الأمور التي على المراقب أن يراها في المشهد الذي رسمت تفاصيله عملية «إيلات» بكل أطرافها، هو التذكير بثابتين :

- أن القضية الفلسطينية هي الثابت الأول في معادلة الحرب والسلام في المنطقة، عبرها يتقرر ما يمكن أن تذهب إليه الأوضاع أو تؤول إليه المصائر. إنها المحرك الأهم للسياسات العربية، إيجاباً وسلباً، وهي موجودة دائماً، صراحة أو ضمناً، في قلب الواقع العربي، السياسي والاجتماعي والوجداني، أراد الحكام ذلك أو لم يريدوا.

- أن مصر هي الثابت الأول في معادلة الصراع العربي - الصهيوني ومكونات ميزان القوى، وهي «الثقالة» العربية التي في استطاعتها أن تجعل من هذا الميزان مصطلحاً واقعياً قابلاً للتعامل به ومعه. وموقعها فيه يقرر إلى حد بعيد نتائج أي حرب واحتمالات السلام.

فبالنسبة للثابت الأول، المتعلق بموقع القضية الفلسطينية في حاضر ومستقبل المنطقة، وما ينتظر المنطقة على صعيدي الحرب والسلام، يكفي أن نذكر أن كل الحروب التي شنها الكيان الصهيوني منذ إقامته في مايو/ أيار 1948 كانت، إضافة إلى شهوته التوسعية وحب قادته للسيطرة، كانت بسبب عدم حل القضية الفلسطينية «حلاً عادلاً» يعيد الحقوق الوطنية كاملة إلى الشعب الفلسطيني، صاحبها الذي وقع عليه الظلم واغتصبت حقوقه وشرد من وطنه. بالطبع لم يتوافر هذا الحل العادل ولن يتوافر، لأنه يتناقض مع الوجود الصهيوني في فلسطين، ولأنه لا وجود لحل عادل يقبل بقاء هذا الكيان العدواني التوسعي باستمرار. وسيظل أمن المنطقة وسلامها، وربما أمن العالم وسلامه، مخطوفين ومرهونين ببقاء هذا الكيان.

أما بالنسبة للثابت الثاني، المتعلق بموقع مصر في معادلة الصراع العربي - الصهيوني ومآلاته، فيكفي أيضاً أن نذكر ما حل بالوضع العربي وما انتهى إليه من انحطاط ثم انهيار بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد. لقد تحولت هذه الاتفاقية بكلمات أحد المعلقين العسكريين الصهاينة إلى «العمود الفقري لأمن «إسرائيل» في الثلاثين سنة الماضية» من حكم حسني مبارك. وبسببها توفرت للكيان الصهيوني حرية الحركة لتوسيع عمليات استيطان وتهويد فلسطين، والاحتفاظ بهضبة الجولان السورية، وتهديد البلدان العربية من لبنان إلى السودان.

والأمل كبير بأن دور الشعوب العربية، الذي كان مغيباً طيلة العقود الماضية، سيظل حاضراً ولن يغيب بعد الآن في تقرير كيف سنواجه المرحلة الجديدة من هذا الصراع التاريخي، صراع وجود وبقاء الأمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165655

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165655 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010