الثلاثاء 23 آب (أغسطس) 2011

وانتصرت ثورة الشعب في ليبيا

الثلاثاء 23 آب (أغسطس) 2011 par منير شفيق

لقد فرض معمر القذافي على الثورة الشبابية الشعبية في ليبيا أن تنتقل من سلميتها إلى ثورة مسلحة.

نعم تحوّلت ثورة الشعب في ليبيا إلى ثورة مسلحة وليس في هذا ما يُعيبها، ولا ما يجعلها شاذة ما بين ثورات الشعوب.

صحيح أن ما من أحد فضّل الثورة المسلحة على الثورة السلمية فما من ثورة سلمية تختار الانتقال، برغبتها، إلى ثورة مسلحة. بل أن ما من ثورة مسلحة إلاّ وأعلنت أنها امتشقت السلاح اضطراراً وبسبب سياسة القوّة المسيطرة التي أغلقت كل الأبواب أمام ثورة سلمية يمكنها أن تنتصر.

على أن الانتقال إلى السلاح ليس له من مسوّغ، مهما فعل الطرف الآخر، إلاّ إذا حمل درجة مقدّرة من إمكان الانتصار. وقد ذهب كبار المنظرين للثورات المسلحة إلى اشتراط النجاح إلى حد بعيد، ورفض الانجرار إلى السلاح تحت عوامل اليأس أو انسداد أبواب العمل السلمي. لأن من غير المسموح به المقامرة بالدماء ما لم يكن النجاح ممكناً في الأصل. وهذا ما ذهب إليه الكثيرون من علماء الإسلام. بل أن المسيرة النبوية المُعّلِّمة مرّت في المرحلتين السلمية والمسلحة. ولم يؤذن بالقتال واللجوء إلى السلاح إلاّ بعد توفر شروط النجاح فيه وانسداد أبواب العمل وفقاً للمرحلة الأولى -المكيّة.

الذين لاموا، أو خطّأوا، انتقال الثورة السلمية في ليبيا إلى ثورة مسلحة هم الذين أخطأوا في موقفهم بدليل انتصار الثورة المسلحة في ليبيا.

الإشكال الأهم والأخطر الذي صاحب مرحلة الانتقال إلى المستوى المسلح جاء من خلال التدخل العسكري الأميركي - الفرنسي - البريطاني ثم تحوّله إلى تدخل أطلسي - حلف الناتو. وقد صحب ذلك هجمة سياسية واسعة من بعض ممثلي الأجهزة الصهيونية والأمنية المخابراتية، ممن سعوا إلى حرف الثورة الشبابية الشعبية عن أهدافها، ومحاولة استتباع بعض القيادات والنخب ليصبحوا أدوات بيد الصهيونية وأميركا وبعض الدول الغربية.

أدى اجتماع التدخل العسكري بمرحلتيه المذكورتين، واللقاءات التي عقدت بين قيادات من المجلس الانتقالي والمتدخلين السياسيين آنفي الذكر، إلى انتقال البعض من تأييد الثورة إلى إدانتها بسبب تأييد المجلس الوطني الانتقالي للتدخل الخارجي كما بسبب تلك اللقاءات أو عدم إغلاق الأبواب في وجه متدخلين أمثال برنار ليفي الصهيوني المعروف. ودعك من الذين انتقلوا إلى تأييد القذافي بسبب هذيْن العامليْن.

على أن ما كان يجب أن يُلاحظ وقد أثبتت التجربة صحته حتى الآن، وهو الآتي.

1- بقي الشعب متمسكاً بالثورة واتجاهها الأساسي وراح يقدّم الدم في مواجهات عسكرية غير متكافئة خاضها مع قوات القذافي التي استمرت في العمل بكل حرية وقسوة تحت قبة الطيران الأطلسي (التدخل العسكري). ولم يشذ عن ذلك سوى منع طيران القذافي من العمل، وسوى دحر آليات القذافي العسكرية خلال بضع ساعات من حول بنغازي. أما ما عدا ذلك فقد تصاعد قصف مصراتة والزنتان وحتى إعادة احتلال عدد من البلدات والمدن التي تحرّرت قبل التدخل العسكري الخارجي.

بكلمة الموقف الشبابي الشعبي من مواصلة الثورة وانتقاله إلى السلاح إلى التضحيات كان بمثابة المضاد الحيوي الذي راح يبطل فعل التدخل الخارجي ومبعوثيه في حرف الشعب عن أهدافه التي أطلق ثورته على أساسها.

2- صحيح أن عدداً من القيادات أبدى تجاوباً مذلاً أمام التدخل الخارجي من خلال دفاعه عن الناتو، وهو يتآمر ضدّ الثورة من خلال إطلاق قوات القذافي من أجل السيطرة على المجلس الانتقالي وعدد من كوادر الثورة. وإلاّ كيف كان من الممكن أن تستمرّ قوات القذافي بالتحرك المكشوف للطيران وتعمل صواريخه ومدافعه وبوارجه في القصف وهي تحت مرمى نيران الطيران الذي انشغل طوال أشهر في قصف مواقع مهجورة لا معنى عسكرياً لها في طرابلس بدلاً من أن يضع حداً للقوات العسكرية الضاربة والمتحركة للقذافي.

لكن هذا التجاوب، وربما كان هنالك ما هو أكثر من تجاوب، لم يقنع قيادة الناتو الأميركية-الأوروبية بحسم المواجهة مع قوات القذافي، أو يوقف قتل المدنيين الذي تضاعف أضعافاً بعد التدخل العسكري. وذلك لأن القوى المقاتلة العاملة في صفوف الثورة والشعب بقيت بعيدة من الاحتواء لا سيما مع استمرار انضمام قوى شعبية شابة إلى القتال في صفوفها.

3- الثورات التي تعرضت، في التاريخ، لتدخل خارجي مشبوه في دعمها أكثر من الثورات التي لم تتعرض لمثل ذلك. بل أن أكثر الثورات اتهمت من قبل خصومها بالتعاون مع قوى خارجية بهدف تشويهها ومحاصرتها. بل يمكن القول أن القائمة طويلة قديماً وحديثاً، عالمياً وعربياً. ولكن هذا لم يسمح للثوريين الذين أيّدوا تلك الثورات، أو كانوا في قلبها، بأن ينقلبوا عليها. ويصبحوا من خصومها. ولكن مع بقاء اليقظة والعمل لمواجهة محاولات الاختراق الخارجي للثورة وحرفها بحجة دعمها.

4- إن الإنجازات العسكرية الميدانية التي حققها الثوار خلال شهر رمضان ثم الأهم انتفاضة طرابلس وحسم الصراع بإنزال هزيمة ميدانية بالقذافي وقواته ونظامه، أعادا المبادرة للثورة وراحا يقزمان دور أميركا وحلف الناتو إذ أخذت الأحداث تسبق ما كانا يخططان له من نهاية للصراع.

لقد صرحت إدارة بوش من خلال كبار العسكريين والسياسيين وكذلك قائد حلف الناتو: «أن لا حل عسكرياً للصراع في ليبيا وأن لا بدّ من الحل السياسي». والمقصود الحل الذي تريد أميركا فرضه على الطرفين.

ولكن ما حدث جاء عكس التقديرات والتخطيطات الأميركية والأطلسية. وإذا بالشعب هو الذي يقرّر النهاية ويجترح الانتصار، فيما راحت أميركا تلهث وراءه كما حدث لها في تونس ومصر. وذلك حين أفلت الزمام منها وأصبحت لاهثة وراء الأحداث تتصيّد في الماء العكر، وليست صانعة لها.

استعادة المبادرة من قبل الشعب في الشهر الأخير من الصراع ثم في انتفاضة طرابلس لا يترك مجالاً للشك في أن الطبيعة الشعبية للثورة لم تتغيّر نتيجة التدخل الخارجي العدواني أو محاولات الاختراق من قبل الصهيونية والمخابرات الدولية.

جاءت انتفاضة الشعب في طرابلس يوم 21/22 رمضان/آب/أوت 2001 لتؤكدّ بصورة حاسمة على الطبيعة الشبابية الشعبية للثورة وتوجهها الحاسم لإسقاط القذافي الذي جمع بين الاستبداد والفساد والتبعية لأميركا (لا سيما منذ 2003)، فضلاً عن دوره المشبوه في تقسيم السودان. (ولم يقصّر ابنه سيف الإسلام في مدّ الخطوط مع أطراف صهيونية. وهذا يفسّر لماذا أعلن القذافي «أن أميركا خانته» عندما تغيّر موقفها اضطراراً في الأسبوع الثاني من اندلاع الثورة).

مع هذا الانتصار العظيم الذي حققته ثورة الشعب طوال سبعة أشهر من القتال الدامي غير المتكافئ، (يكفي قصة مصراتة) ثم تتويجه بانتفاضة طرابلس دخلت ليبيا عهدها الجديد كما حدث مع تونس ومصر من قبل.

إن العامل الحاسم في تحقيق هذا الانتصار يعود، بعد مشيئة الله، إلى الشعب وشبابه ومقاتليه، ولا يجوز أن يُعْزى إلى التدخل الخارجي الذي كان وجهه الرئيس سلبياً وكارثياً ومعادياً للشعب والثورة، وللمستقبل الذي ينشده الشعب واستهدفته الثورة والتضحيات الغالية. فمن يدقق في الخطة العسكرية الأميركية-الأطلسية يلحظ أنها استهدفت ضرب الطرفين والسيطرة على الحل السياسي.

والآن ما الموقف في مواجهة الصراع الذي سيفتح سريعاً حول تقرير مصير ليبيا ومستقبلها؟ إنه صراع سيكون في جوهره ضدّ أميركا والناتو وضدّ الذين سيعملون على تجيير مستقبل ليبيا للتبعية لأميركا والغرب والصهيونية.

باختصار يجب دعم الأطراف التي لعبت دوراً أساسياً في الميدان، وفي صمود الثورة واستمرارها، وفي انتفاضة طرابلس. وذلك من أجل ليبيا المتحرّرة من التبعية والاستبداد والفساد، ليبيا المتمسكة بهويتها العربية - الإسلامية، والمعادية للصهيونية، والداعمة للقضية الفلسطينية.. ليبيا التعدّد الحزبي والحريات والمحتكمة لصناديق الاقتراع. ليبيا الخارجة من قوقعة القطرية في التنمية والخارجة من أجندة العولمة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165975

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165975 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010