الأحد 21 آب (أغسطس) 2011

لا تختبروا مصر

الأحد 21 آب (أغسطس) 2011 par أمجد عرار

باعتدائها على سيادة مصر وجيشها وكرامتها، تكون «إسرائيل» قد أبدعت مرّة أخرى في ارتكاب الحماقة. ومثلما كان درس تموز اللبناني قاسياً ومذلاً، سيكون درس أغسطس/آب المصري أشد قسوة وإذلالاً لقادة أغبى ما فيهم أنهم لا يرون الزمن في سياق الحركة، بل لا يرون إلا أنفسهم ولا يسمعون إلا أصواتهم، كمن يغنّي في الحمّام.

ومثل كل مرّة، تعلّق «إسرائيل» فشلها الأمني والاستخباري على شماعة غيرها، لهذا سارعت فور وقوع الهجمات في «إيلات» لتوجيه التهمة والتهديد إلى غزة وأتبعتها بمجزرة في رفح حيث استهدفت منزلاً ودمّرته فوق ساكنيه، وواصلت في اليوم التالي. ولأنها المدعي والمحامي والقاضي والعالم يربت على كتفيها، أصدرت حكمها القطعي والنهائي بأن مصدر الهجمات غزة. هل عرفت ذلك في خمس دقائق، أم كانت تملك معلومات استخبارية مسبقة مثلما قالت وسائل إعلامها؟

ثمّة افتراض مبني على معطيات من «إسرائيل» ذاتها، بأنها تريد عملية كهذه لكي تنفّذ مخططاً معداً مسبقاً. إنها فرضية لها سوابق، فلقد اعترف رئيس الوزراء «الإسرائيلي» إيهود أولمرت بأن العدوان على لبنان عام 2006، كان محضراً له في سبتمبر/أيلول، لكن عملية خطف الجنديين في يوليو/ تموز، قدّمت موعد العدوان المبيّت. ذلك أمر منسجم مع منطق الأشياء، إذ إنه من غير المعقول أن تشن دولة حرباً شاملة من دون أن تكون أعدت الحد الأدنى من مستلزماتها، وهذا لا يتأتى في ساعات ولا حتى أيام وأسابيع، إن لم نقل أشهراً.

في الحدث الأخير ثمة متغيّر غير مسبوق منذ عقود، إذ إن عمليات أشد قسوة حدثت في الماضي، بما فيها العملية التي أسر فيها غلعاد شاليت وما زال محتجزاً لدى آسريه، ولم تلجأ «إسرائيل» لزج مصر فيها، لا اتهاماً ولا شمولية في العدوان. هذه المرّة تمادت «إسرائيل» وأسالت دماء مصرية من الجيش والأمن المركزي، وانتهكت الأراضي المصرية جواً وبراً. ما الذي تغيّر لكي يتغيّر الأسلوب؟ واضح أن المتغيّر الأبرز هو أن مصر ما بعد ثورة 25 يناير غير تلك التي كانت قبلها، ومن المؤكّد أن «إسرائيل» تريد، أولاً، أن تعاقب مصر الجديدة على حرمانها ممن كان «ذخرها الاستراتيجي»، وتحاول، ثانياً، أن تختبر مصر الثورة وتوجّهاتها حيال الاعتداءات «الإسرائيلية» المقبلة على أكثر من جبهة متوقّعة، شمالاً وجنوباً.

هي بروفة لحرب شاملة ربما، وإلا ما معنى النسخ الخمس من مناورات «نقطة تحوّل»؟

دائماً ما كانت «إسرائيل» ترفد عدوانيتها وتفوّقها العسكري بالعوامل الخارجية التي كانت تصب في مصلحتها، حتى في عهد الاتحاد السوفييتي الذي كان يزوّد حلفاءه بأسلحة دفاعية، فيما الكفّة ترجّحها الأسلحة الهجومية التي كانت «إسرائيل» تحصل عليها من متعهّدها الغربي. لكن مع ذلك، كان الضعف العربي المطعّم بالتواطؤ، العامل الأهم في انتصاراتها إلى ما قبل عقد من الزمن، حيث تبدّلت موازين القوى.

قادة «إسرائيل» الهواة، بعد انتهاء عصر المؤسسين، سيقدّمون برهاناً جديداً على غبائهم وحماقتهم، لأنهم يختبرون مصر وشعبها. سيكتشف هؤلاء أنهم لا يختبرون إلا أنفسهم، ويخوضون هم مغامرة غير محسوبة، كسابقتها، ورهاناً خاسراً بكل معنى الكلمة، وسيعرفون أن مصر ليست تلك التي تطأطئ رأسها، وليعرف ايهود باراك أن مصر ليست حارسة لكيانه ولن تكون سوى رموش تحمي عيون شعبها وأمتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

2165557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 31


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010