السبت 20 آب (أغسطس) 2011

المخادعون

السبت 20 آب (أغسطس) 2011 par عوني صادق

الجلبة العالية التي تحدثها سلطة رام الله، منذ أسابيع عديدة، حول قرارها الذهاب إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 1967، تزداد علواً في كل يوم. ويسهم في رفع وتيرتها قادة الكيان الصهيوني بما يقدمون من مساعدة «مشكورة»، مرة من خلال ما يظهرونه من خوف، وأخرى من خلال ما يعلنونه من إجراءات، دبلوماسية وأمنية وعسكرية، لمواجهة هذا «الحدث الخطير» الذي كما يبدو، إن تحقق، لا بد أنه سيقلب الأوضاع رأساً على عقب.

فالرئيس محمود عباس وكبير مفاوضيه صائب عريقات، يصوران الأمر على أنه معركة «كسر عظم» مع الكيان الصهيوني، والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً. أما رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، فيصورانه حرباً، بل هو الحرب بعينها. مع ذلك، هناك ضمن القيادات «الإسرائيلية» من كان له رأي آخر في الموضوع، مثل وزير الدفاع «الإسرائيلي» إيهود باراك الذي قلل من احتمالات نشوب مواجهة مع الفلسطينيين في سبتمبر/ أيلول، ورد على سؤال لراديو الجيش «الإسرائيلي» بقوله إن الأمر سيمر بهدوء حسب «تقديري وأملي». أما نائب رئيس الحكومة، موشي يعلون، فليس قلقاً البتة، حتى إنه قال لصحيفة (يديعوت): «بحسب رأيي، ما سوف يحدث في أيلول هو أن تشرين سوف يعقبه».

ألا يفرض ذلك على المراقب أن يتوقف ويسأل: هل هذه الجلبة حقيقية، أم هي مجرد «مؤثرات صوتية» ضمن جملة من الحيل السينمائية التي يقتضيها مشهد سياسي مغرق في الفانتازيا؟ الخبير القانوني الفلسطيني، أنيس فوزي القاسم (وهو أحد مؤسسي م.ت.ف)، بعد أن استعرض وفند كل الأطروحات المتداولة في هذا الإطار، انتهى إلى القول إن الاعتراف بلا جدوى، لأنه لا يغير واقعاً، وشدّد على الخلاصة الآتية: «الخلاصة هي أن الأراضي الفلسطينية أراض محتلة بموجب القانون الدولي، كما أكدته محكمة العدل الدولية في قرارها الاستشاري (بخصوص الجدار العازل) الصادر عام 2004، مضافاً إليه مجموعة القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، والتقارير الدولية ومواقف الدول على نحو منفرد. وهذا الوضع يحرم على «إسرائيل» القيام بأي عمل من شأنه تغيير وضع هذه الأراضي، بل إن قيامها بخلاف ذلك يهددها بارتكاب جريمة حرب. كما أن هذا الوضع يجعل السيادة للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، حتى لو كانت هذه السيادة (نائمة) بسبب السيطرة الفعلية لسلطة الاحتلال». الرئيس عباس يوشك أن يقطع نصف الكرة الأرضية سعياً وراء هذا الاعتراف، لكنه أثناء سعيه يؤكد أن الاعتراف ليس بديلاً عن المفاوضات، ولا يتناقض مع «عملية السلام»، ولا بد من العودة إلى المفاوضات عاجلاً أو آجلاً. الإدارة الأمريكية، تهدد عباس إن أصر على التوجه للأمم المتحدة، وتؤكد موقفها القائل إنها «ضد أي خطوات أحادية الجانب» أياً كان الجانب الذي يتخذها، متناسية تراجع الرئيس أوباما أمام نتنياهو وخطواته أحادية الجانب أكثر من مرة حتى إنه لم يستطع أن يفرض عليه وقف عمليات الاستيطان لفترة ثلاثة أشهر. في الوقت نفسه تؤكد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن «المفاوضات المباشرة هي السبيل الوحيد لتحقيق حل الدولتين وتحقيق السلام». أما نتنياهو، فيكثف الاستيطان في القدس والضفة الغربية كرد أولي، ويهدد بالويل والثبور إن ذهب عباس إلى الأمم المتحدة، ويتهمه بأنه «يتجنب المفاوضات مع «إسرائيل»»، مشيراً إلى أنه (نتنياهو) لا يزال يؤمن أن «طريق الحوار المباشر هو الوحيد الكفيل بدفع عملية السلام ...».

اتهامات نتنياهو للرئيس عباس بتجنبه المفاوضات مع «إسرائيل»، تضمنها بيان صدر عن مكتب نتنياهو في الوقت الذي كان عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، يؤكد فيه أن عباس عقد عدة اجتماعات مع (الرئيس «الإسرائيلي») شمعون بيريز في الأشهر الأخيرة لبحث استئناف المفاوضات، وأن القيادة الفلسطينية لا تعتبر الذهاب إلى الأمم المتحدة بديلاً عن المفاوضات.

لا شك أن نتنياهو لن يخدع أحداً وهو يؤكد الحرص على «الحوار المباشر»، وأن المفاوضات هي «الطريق الوحيد الكفيل بدفع عملية السلام». وأيضاً، لن تستطيع الإدارة الأمريكية أن تخدع أحداً وهي تصر على المفاوضات و«عملية السلام» و«حل الدولتين»، وما يلحق بهذه المنظومة من أكاذيب. وكلاهما لن يستطيع أن يخدع الشعب الفلسطيني، وهو من يصرون على خداعه، حتى لو ردد وتمسك بعض الفلسطينيين بمنظومة الأكاذيب نفسها، ذلك لأن تفكيك منظومة الأكاذيب هذه ليس أمراً صعباً بل هو لا يحتاج إلى جهد بالمطلق، والمطلوب هو إلقاء نظرة على تاريخ مكونات المنظومة منذ أيلول 1993 والتوقيع على «اتفاق أوسلو»، ليثبت أنها لم توضع في الأصل إلا بهدف الخداع والتضليل والضحك على الذقون. فإلى ماذا أوصل «الحوار المباشر» وأوصلت «المفاوضات المباشرة» بعد أكثر من ثمانية عشر عاماً؟ هل تحقق «حل الدولتين»؟ هل تكللت «عملية السلام» بالنجاح؟ واضح أن كل تلك السنوات لم تستطع أن تدفع «عملية السلام» خطوة إلى الأمام، بل أدت إلى نفي إمكانية تحقيق «حل الدولتين» بسبب إجراءات تكريس الاحتلال والاستيلاء على أراض جديدة وتقطيع أوصال ما سيبقى للدولة الفلسطينية العتيدة.

قالوا : حبل الكذب قصير، لكنه طال أكثر مما يجب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165626

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165626 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010