الجمعة 19 آب (أغسطس) 2011

هل هناك أملٌ عربيٌ حقاً؟

الجمعة 19 آب (أغسطس) 2011 par راكان المجالي

أكثرُ مِن أيّ وقت مضى، يتجدّد في الضمائر العربية سؤالُ الأمل، الباحث عن خلاصٍ عربي. أملٌ يتوسّلُ خلاصاً من دوّامات التشظّي اللامتناهية، تلك التي تعصف، منذ بداية هذا العام، بالأخضر واليابس، وبكلّ ما راكمته الشعوب العربية من إنجازات وتماسك، على مدار سنيّ استقلالها. وهل خروج الشعوب إلى ساحات حرّيّاتها، الذي تلاه سقوط طواغيت ثمّ توقف، سيوصل الناس إلى الفجر المنشود؟!

ما هو مؤكّد، ولا يحتاج إلى جدال، أنّ شرعيات أنظمة عربية تتهاوى، وعلى نحوٍ واسع، وبدرجات متفاوتة. أما شرعية النظام العربي ككلّ، الذي تمثّله جامعة العرب العتيدة، فهي أيضاً تعاني من تهتكٍ في عمودها الفقري، ما أكّده العجز والخلاف حول عقد الاجتماع الدوري السنوي لقمة العرب، بذرائع أقلّ ما يُقال فيها إنها واهية، ولا تقنع أحداً. ناهيكَ عن العجز في إيجاد تصورٍ معقول، لتعاطٍ عربي جماعي، على مستوى الجامعة، مع الاحتجاجات التي تجتاح المنطقة العربية، وتركها نهباً ونهشاً مباحاً للأطماع الدولية والإقليمية، كلٌّ على هواه ومصالحه ونهمهِ.

ليس صحيحاً أنّ النظام الرسمي العربي، بتنويعاته المختلفة، غبياً، أو يمارس غباءً سياسياً، في تعاطيه مع أزماته الداخلية العاتية. تلك الأزمات، التي تشمل ملفات تبدأ بالأمن والحريّة، ولا تنتهي بالأزمات الاجتماعية الحادّة، والرياح السياسية الإقليمية. بل هو في حقيقته، منشغلٌ حدّ الاستهلاك، باستكشاف خياراته، وهي للأسف محدودة، والبحث عن مخارج لتجديد شرعية متهتكة.

فالتهتك يُفسد الأشياء، على نحوٍ كلّي، ويحيل الإصلاح إلى عملية ترقيعٍ، لا جدوى منها. ذلك أنّ الترقيع يستلزم أطرافاً متماسكة، كي يثبت الجديد المطلوب على القديم الصالح. أما إذا تهتك القديم كنسيج، فهذا ينفي جدوى الإصلاح. وهو بالضبط ما يستشعره المواطن العربي العادي، وهو يشاهد متواليات انهيار الأنظمة العربية، مستخدمة الوسائل والأدوات نفسها، ومكرّرة الخطابات المليئة بالوعود نفسها، ومتذرّعة بنفس الذرائع، عن المؤامرات والتخريب والخدائع، وهو ما ملّ المواطن العربي من تكرار سماعه من المسؤولين، منذ عهود الاستقلال.

لم تعد هناك مرجعيات عربية ضامنة، لا على مستوى الوطن، ولا على مستوى المحيط الأقرب. فهذه مصر، خسرت دورها الأفريقي منذ زمن، ولم تستعده بعد، وكذلك دورها العربي، على نحوه الإيجابي لا السلبي. وها هي سوريا تفقد اليوم، وعلى نحوٍ متسارع، محورية التماسك في «كيانات المشرق العربي».

إنّ حقائق الجغرافيا والتاريخ والمصالح، ناهيكَ عن تجارب العرب أنفسهم، كلّها أكّدت على أنّ الأمن القومي العربي «هو وحدة متكاملة». وبصرف النظر عن رؤية الأنظمة الرسمية لهذا الأمن، فلا قدرة لوطن عربي بمفرده، ومهما تزاحمت أوهام النجاة القطرية عند البعض، بخيارات رسم سياسات وتحالفات خاصة، على القيام بأعبائه، أو تحقيقه بشكلٍ فعلي على أرض الواقع. فلم تزل الأقدار والحقائق والخيارات العربية الممكنة كما هي: إمّا توجّه العرب الجدّي نحو بناء «منظومة إقليمية متعاونة»، أو التشظّي والتهتك والانهيار، تحت وقع أزمات داخلية، وضغوط مطامع دولية ومصالح إقليمية.

وهنا، وعلى وقع الأصوات المدويّة، لهشيم الأنظمة المتهاوية من عليائها، وعلى الرغم من كلّ مراوغاتها، فإنّ شعوب هذه الأرض تثبت، من جديد، أنّ أشياء كثيرة لا تزال متاحة وممكنة. وأنّ الخلق والابتكار لا يزال ممكناً للخلاص، بشرطٍ واحدٍ فقط هو الجدّية والصدق: خطوة حقيقية إلى الأمام القومي، وخطوتان حقيقيتان إلى الخلف الوطني. خطوة الأمام، هي إمكانية صياغة مشروعٍ عربي واحد، بمنهجية واحدة لكلّ الدول العربية، على اختلاف أنظمتها، ينسجم مع طموحات الشعوب، ومع مصالح عربية عليا، لا تزال واحدة ولا تزال مشتركة.

هل هذا ممكن؟ ربما كان ذلك هو الممكن الوحيد، أو قل الممكن الذي يمكن به إقناع الشعوب، التي خرجت إلى ساحات حرّياتها. فكلّ شيء محتدمٌ الآن في بلادنا: مِن جدل التفكك والوحدة، إلى جدل التقدّم والتأخّر، إلى ترويج مشروع يوائم بين الهيمنة الغربية مع «تجديد أدوات سيطرة الأنظمة القائمة»، إلى مشروع محاولة إعادة صياغة نظام عربي، يتعايش ويتعاون سلمياً مع تركيا وإيران، وتحجيم دور الدولة العبرية، وإصلاح النظام العربي بآفاقٍ ديموقراطية حقيقية.

خطوةٌ جريئةٌ مبادِرةٌ، إلى أمام «أمنٍ عربي قومي واحد»، وخطوتان موحّدتان، إلى وراءٍ عربي وطني متشابه الأزمات، تشتبكُان مع إصلاحٍ ديموقراطي حقيقي منظّم، وبلا مراوغات من أحد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165958

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165958 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010