الخميس 18 آب (أغسطس) 2011

هل نحن في قرن الجوع؟

الخميس 18 آب (أغسطس) 2011 par الياس سحاب

القرن العشرون، كان قرن ظهور وغروب النازية والفاشية، وشهد حربين عالميتين: الأولى والثانية، وشهد ولادة منظمتين دوليتين كبريين: عصبة الأمم التي غرقت في أتون الحرب العالمية الثانية، وهيئة الأمم المتحدة التي ولدت من رحم تلك الحرب، وما زالت تتخبط في حروب فرعية تعطلها.

القرن العشرون عربياً، هو قرن اغتصاب فلسطين وتأسيس دولة «إسرائيل»، وقرن تأميم قناة السويس وبناء السد العالي (في مجال الاستقلال الاقتصادي). إنه أخيراً قرن شهد ظهور وغروب منظومة الاتحاد السوفيتي، والمعسكر الاشتراكي.

إنه قرن وجد حلولاً لمعظم المشكلات التي ولدت فيه، عدا قضية فلسطين، لكنه أورث القرن اللاحق الذي دخلنا عقده الثاني، سلسلة من مشكلات تفرد الامبراطورية الأمريكية في سلسلة من الحروب الصغيرة، التي يكاد الإنفاق عليها يضعها على شفير الإفلاس الاقتصادي.

لكننا ما زلنا في العقد الثاني من القرن، ومع ذلك فإن سلسلة من المشكلات الدولية تطل بأعناقها، تتسابق في إلقاء أثقالها وأوزارها على هذا القرن الجديد.

لكن المجاعة التي تغطي في هذه الأيام بدرجة مأساوية القرن الإفريقي، ودولة الصومال بشكل خاص، تبدو لي المشكلة الأكثر ترشحاً للانتشار على مدى الكرة الأرضية، وعلى مدى هذا القرن الحادي والعشرين.

فعدد سكان الأرض مرشح للارتفاع بعدة مليارات جديدة، من الآن حتى نهاية القرن، وهي زيادة تهدد بمشاكل تعم الكرة الأرضية، حتى لو كانت هذه الكرة تعيش حالياً في أحسن حالاتها.

ثم إن مشاريع توسيع نطاق نفوذ الدول الكبرى خارج حدودها قد أدخل البشرية في دوامة إنفاق أسطوري، لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، منذ فجره حتى يومنا هذا.

كذلك، فإننا إذا أمعنا النظر في عدد من الدول، حتى ذات النمو الاقتصادي المقبول، مثل البرازيل والهند وسواهما، فإننا نجد أن الصومال ومعه القرن الإفريقي، لا يتفردان وحدهما بمشكلة الجوع بمستويات مأساوية، بل إن هذه المشكلة بدأت تطل برأسها في شتى بقاع الكرة الأرضية، خاصة في القارة الإفريقية، وحتى في بلاد الرفاه الاجتماعي مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وسواهما، وذلك نتيجة أن الطبقات الاجتماعية المرهفة في مثل هذه الدول، تميل منذ مدة الى نمط من الإسراف والتبذير في جميع مستويات حياتها، خاصة في مجال تناول الطعام، حيث أشار عدد من الأبحاث الدولية في هذا الصدد، إلى أن ما يلقى يومياً من بقايا الطعام في حاويات القمامة في دول الرفاه الاجتماعي، كاف وحده لإنهاء مشكلة الجوع في كل أرجاء العالم.

لكن المشكلة القادمة تبقى أبعد من هذه الحدود المنظورة حالياً، ذلك أننا في هذا القرن الحادي والعشرين، مقبلون على تفاوت فظيع بين نسبة تزايد عدد سكان الكرة الأرضية، ونسبة نمو الخيرات الزراعية. هذا اذا وضعنا جانباً الكوارث الزراعية التي يمكن ان ترفع من وتيرتها التغيرات المرتقبة في تحولات البيئة والمناخ.

إن تراكم مثل هذه المشكلات يؤكد أنه حتى لو دخلت البشرية فوراً في نظام العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي بين كل شعوب الأرض (وهو ما يزال حلماً بعيد المنال)، فإن مشكلة التفاوت بين زيادة سكان الأرض من جهة ونقصان مواردها من جهة ثانية، كفيل وحده بأن يهدد بتحويل هذا القرن الحادي والعشرين، في سنواته المتقدمة، إلى قرن الجوع البشري.

هل نطمح إلى ارتفاع الإحساس بالمسؤولية الإنسانية في أروقة هيئة الأمم المتحدة الى مستوى يتصدى منذ اليوم لمثل هذه المشكلات؟ أم أن هذه المشكلات كفيلة بإغراق هيئة الأمم المتحدة، كما غرقت عصبة الأمم من قبلها في لجة المطامع البشرية التي تفجرت في الحرب العالمية الثانية؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2176796

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2176796 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40