الثلاثاء 16 آب (أغسطس) 2011

العنصرية الصهيونية إذ يتم تشريعها

الثلاثاء 16 آب (أغسطس) 2011 par علي جرادات

باستعداد كاذب للتخلي عن «الأرض مقابل السلام»، في المفاوضات التي أطلقها «مؤتمر مدريد» عام 1991، حصد قادة «إسرائيل» سريعاً، وبعد مرور شهرين فقط على عقد ذلك المؤتمر، أول ثمار كذبة استعدادهم للسلام، فقد تمكنوا في 16-12-1991، بدعم أمريكي، من انتزاع قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ألغت بموجبه، قرارها الصادر في 8-11-،1975 الذي اعتبر «الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». وكان ذلك دليلاً بين أدلة، على أن قادة «إسرائيل» بيتوا نية استعمال ثنائية المفاوضات لسلخ القضية الفلسطينية عن عمقها العربي، ونية استخدام الاحتكار الأمريكي لرعايتها، لتجريد النضال الوطني الفلسطيني من قرارات دولية أحرزها، وأكسبته مشروعية وعدالة إضافية، وكان قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية، (الذي تم التراجع عنه لمجرد بدء تلك المفاوضات)، من أكثر تلك القرارات إيلاماً لقادة الكيان الصهيوني، وأشدها إحراجاً لحليفهم الاستراتيجي، أمريكا.

واليوم، وبفعل الجرعات الزائدة في عنجهية نتنياهو وتطرفه، فضلاً عن اللامعقول في بلطجة شريكه ليبرمان وفاشيته، انكشف طابق عنصرية الصهيونية أكثر، وأزيحت عن وجهها كل الأقنعة، وبضمنها تلك الأقنعة الزائفة والهشة التي كان بن غوريون ببراغماتيته المعروفة، (خلافاً لتشدد جابوتنسكي معلم نتنياهو وملهمه الأيديولوجي)، قد حرص على تغطيتها بها. لقد عرّت حكومة نتنياهو عنصرية الصهيونية وفاشيتها، فكراً وممارسة، من كل غطاء، واتضح لكل ذي عقل سليم وضمير حي أن قرار التراجع عن مساواة الصهيونية بالعنصرية مجافٍ للحقيقة؛ وأن مَن أملاه، أمريكا، معادٍ للقضية الفلسطينية؛ وأن مَن خضع للمشيئة الصهيونية الأمريكية، وصوت لمصلحته، متواطئ.

فحكومة نتنياهو ليبرمان، السائرة على نهج شارون، ومن قبله بيغن وشامير وجابوتنسكي، معلمهم جميعاً، وبعد حثها ل «الكنيست» «الإسرائيلية»، على تشريع عشرات القوانين الفرعية العنصرية، بل، والفاشية أحياناً، يوضع اليوم على جدول أعمالها التصويت على مشروع قانون أساس، تقدم به كلٌ من آفي ديختر، من حزب «كاديما» المعارض، وزئيف أليكن من حزب «الليكود»، ودافيد روتم من حزب ليبرمان، «إسرائيل بيتنا»، بل، وحظي بتوقيع 40 عضو «كنيست» من أحزاب: «العمل»، و«كاديما»، و«الليكود»، و«إسرائيل بيتنا»، و«الاتحاد الوطني»، و«الاستقلال». ووفقاً لنصوص هذا المشروع، المُجْمَع عليه من أحزاب المعارضة والحُكم في «إسرائيل»، يتضح أن هنالك توجهاً صهيونياً كاسحاً، يرمي إلى إعادة صوغ مسلمات أساسية بشأن تعريف طابع «دولة» «إسرائيل»، ويستهدف تحويلها من «دولة يهودية ديمقراطية»، (كما عرفها بن غوريون في ما يسمى بوثيقة «الاستقلال»)، إلى دولة يكون «النظام الديمقراطي فيها متماشياً مع كونها الدولة القومية للشعب اليهودي»، التي «تعمل على تجميع الشتات اليهودي، والاستيطان اليهودي فيها، وتخصص الموارد لهذه الأهداف»، و«تكون اللغة العبرية لغتها الرسمية الوحيدة»، (بدل العبرية والعربية والإنجليزية حالياً)، و«يكون القضاء العبري مصدراً للمُشرع والمحاكم فيها».

بهذا المشروع المُرجح تصويت أعضاء «الكنيست» بأغلبية كبيرة لفائدته، بهدف دعمِ مطلب الاعتراف بـ «إسرائيل» «دولة للشعب اليهودي»، يكون العالم أمام أقبح شكل، عرفه التاريخ المعاصر، من أشكال الإيغال في ترسيم وقنونة وتشريع ومأسسة العنصرية، فكراً وممارسة.

هنا يثور سؤال حول سر تجاسر قادة الكيان الصهيوني، وإقدامِهم على خطوات منقطعة النظير في عنصريتها وفاشيتها وعدوانيتها.

يقول أحد مقترحي هذا المشروع، (زئيف أليكن)، رداً على سؤال: ألا تخشى على صورة «إسرائيل» من سن قانون كهذا؟: «إذا كنا نتحدث عن العالم الذي شبهت فيه هيئة الأمم الصهيونية بالعنصرية، ربما تكون مشكلة، أما اليوم فإن العالم مستعد لقبول ذلك». ما يعني أن التواطؤ الدولي والدعم الأمريكي، هما ما يتيحان لغلاة التطرف الصهيوني، بقيادة نتنياهو، تنفيذ، سياسة يمينية عنصرية فاشية متطرفة، من دون حساب لأي رادع أو كابح. وفي السياق، فإن زئيف أليكن هذا هو مجرد «فرخ» صهيوني، نشأ وترعرع على تعاليم جابوتنسكي وشامير وبيغن الذي رد في العام 1981 على سؤال: ألا تخشى من تأثير قصف المفاعل النووي العراقي البعيد على سمعة «إسرائيل» وصورتها بالقول: «إن «إسرائيل» لا تنوي الترشح لمسابقات ملكة جمال العالم». أما دان حالوتس، سليل الجناح الصهيوني المتشدد ذاته، الذي أطيح به بعد أن أفشلت، بل هزمت، المقاومة اللبنانية عدوان «إسرائيل» عام 2006، فقد قال بتبجح، ذاع صيته، حين سئل كقائد لسلاح الجو، عن شعوره، بعد قصف جوي استهدف حياة القائد الفلسطيني صلاح شحادة، وأودى بحياة عشرات المدنيين الأبرياء في غزة عام 2002: «شعرت بأن الجناح الخلفي للطائرة قد اهتز».

والسؤال: هل التواطؤ الدولي والدعم الأمريكي، هما فقط ما يشجع قادة الكيان الصهيوني على الإيغال في عنجهيتهم وتطرفهم، حد زيادة تشريع عنصريتهم ومأسستها، وزيادة عدوانيتهم، إلى درجة أن يشنوا ثلاث حروب خلال سبع سنوات: اجتياح الضفة عام 2002، والعدوان على لبنان عام 2006، والعدوان على غزة، نهاية العام 2008، هذا فضلاً عن التنامي البكتيري لحرب عمليات الاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال والجرح والحصار والعزل وتقطيع الأوصال؟

كلا، ليس بالتواطؤ الدولي والدعم الأمريكي فقط، يزداد قادة «إسرائيل» صلفاً على صلف، بل، هنالك سبب الرهان الرسمي العربي والفلسطيني، أكثر، وأطول، من اللازم، على فرضية إمكان تسوية الصراع مع قادة الكيان الصهيوني بالتفاوض الثنائي العبثي تحت الرعاية الأمريكية، من دون مواصلة الضغط عليهم، وعلى حليفهم الاستراتيجي، أمريكا، بمواجهة وطنية فلسطينية وقومية عربية شاملة، تستند إلى ما أعطته قرارات دولية للقضية الفلسطينية، جوهر الصراع العربي الصهيوني، من عدالة وشرعية.

قصارى القول: إن لجم التطرف الصهيوني المدعوم أمريكياً، مشروط بالتخلي عن نهج مفاوضات «مدريد» و«أوسلو»، النهج الذي كان السادات قد دشنه، وأعلن عنه في خطابه الشهير من على منصة «الكنيست» عام 1977، وقام على فرضية أن «كسر الحاجز النفسي» يمثل أكبر تحديات حل الصراع، الذي «تمتلك أمريكا 99% من أوراقه». أظن، أنه، آن الأوان لمراجعة تلك الفرضية الواهمة التي لم تفضِ، رغم مرور ثلاثين عاماً ويزيد عليها، إلا إلى زيادة الصلف الصهيوني، وإلى زيادة الدعم الأمريكي له.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010