الثلاثاء 16 آب (أغسطس) 2011

«الإسرائيليون» يقلّدوننا

الثلاثاء 16 آب (أغسطس) 2011 par أمجد عرار

كثير من المحللين العرب ذوي العيون المنحنية إلى تحت، باعتبار أنهم ينظرون من أبراجهم العاجية العلية إلى بقية العرب على أنهم تحت، لا يجدون مثلاً عندما يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، سوى «إسرائيل». بعضهم بقصد والبعض الآخر بلا قصد، يعيد تكرار المصطلحات «الإسرائيلية» وتعبيرات كتابها وصحفها، وينسجم مع وصف «إسرائيل» لنفسها كـ «واحة ديمقراطية في محيط من الدكتاتوريات»، وتناسوا أن الاحتلال وأي وصف إيجابي لا يلتقيان لو انطبقت السماء على الأرض.

هذه الأيام يبدو أن «الإسرائيليين» لم يصبروا طويلاً و«تساموا» على معادلتهم العنصرية «المشبّه والمشبّه به» حيث ينظرون لأنفسهم دائماً كنموذج ينبغي الاحتذاء به، لكنّهم هذه المرة لم يتورّعوا عن تقليد الشعوب العربية في تظاهرات ما يسمى «الربيع العربي»، إذ ينظّمون احتجاجات يومية تتزايد وتتسع كل يوم تحت شعارات ومطالب ذات بعد اجتماعي. وحتى لا يجرفنا أحد باتجاه التعاطي مع «إسرائيل» كحالة طبيعية، نذكّر بأن هذه الاحتجاجات وسواها من أشكال التناقضات الداخلية، تجري تحت سقف المشروع الصهيوني التوسّعي المرتبط عضوياً بالحلف الإمبريالي.

مظاهرات الاحتجاج بحد ذاتها ليست جديدة في «إسرائيل» حتى نقول إنها تقليد للحالة العربية، لكن الجديد الذي ينطوي على التقليد هو الشعارات التي يرفعها «الإسرائيليون» المستنسخة من التظاهرات العربية. لقد اقتبس المحتجون «الإسرائيليون» لازمة الهتاف العربي «الشعب يريد ...». التي بدأت في تونس ثم بدأت تتحوّل إلى هتاف متنقّل. عند الصهاينة لا هتاف يدعو لـ «إسقاط النظام» لأن نظامهم منتخب من جانبهم، ولذلك فإن أعلى سقف لتحرّكهم حين يفقدون الثقة بحكومتهم يتمثّل بالدعوة لانتخابات مبكرة تفضي إلى حكومة جديدة، وفي كثير من الأحيان يعيدون انتخاب حكومات سبق لهم أن أسقطوها في انتخابات مبكرة سابقة. أسقطوا رابين بعد فضيحة فساد ثم أعادوه على رأس الحكومة حيناً ووزارة الحرب أحياناً أخرى. أسقطوا أحد زعمائهم المؤسسين لمشروعهم، شمعون بيريز لمصلحة زعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو الذي كانوا اتهموه، إعلامياً وسياسياً، بالتحريض على اغتيال رابين. وبعد ثلاث سنوات أسقطوا نتنياهو في انتخابات مبكرة أتت بإيهود باراك الذي ركّز في حملته الانتخابية على كثافة النياشين العسكرية التي حصل عليها على حساب دماء الفلسطينيين والعرب. بعد بضع سنوات أسقطوا باراك في الانتخابات وعادوا للعجوز أرئيل شارون الذي كان أقيل من منصبه كوزير للحرب في أعقاب مجزرة صبرا وشاتيلا سنة 1982، لامتصاص غضب العالم من هول وبشاعة تلك المجزرة. هذه المرة اعتلى شارون سدة الحكم قادماً على حصان الحزب الجديد «كاديما» الذي أسسه مع زميله العجوز شمعون بيريز المنشق عن «العمل»، وظل إلى حين دخل في غيبوبة ليحل محله الفج عديم الخبرة إيهود أولمرت الذي أسقط في الانتخابات ليعيد «الإسرائيليون» انتخاب بنيامين نتنياهو.

في كل مسار هذه «الديمقراطية» منذ تأسيس الكيان تناوب على رئاسة حكومته أشخاص بعدد أصابع اليد، يسقطونهم ويعيدونهم، والمعيار الأساس وأحياناً الوحيد للاختيار هو الأكثر كفاءة في إذلال العرب.

وإذا كان المحتجون «الإسرائيليون» يهتفون اليوم «الشعب يريد العدالة الاجتماعية» و«الشعب يريد إسقاط الغلاء»، فإن شرطتهم وجيشهم وأجهزتهم الأمنية لم تواجههم بالرصاص، ربما لأنهم ما زالوا سلميين، أو لأن أجهزتهم وجيشهم متفرّغون ومدرّبون لمواجهة العرب، وإلا لاكتمل عقد التقليد بملاحقة محتجيهم «دار دار زنقة زنقة».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2166016

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2166016 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010