الأحد 7 آب (أغسطس) 2011

دولة في الأمم المتحدة... لا وطن بلا أرض ولا دولة بلا وطن!

الأحد 7 آب (أغسطس) 2011 par عبداللطيف مهنا

ليس في التراجيديا الفلسطينية المستمرة، لا سيما في فصولها الراهنة، من مشهد هو أقل مرارة من سابقه أو مما قد يليه. والمسارات التصفوية المتوالية للقضية الفلسطينية، على تعدد عناوينها، تزخر بمفارقاتها وتنضح بلا معقولاتها، بيد أن الأطراف المنهمكة في عبثيتها الكارثية، وكل من موقعه، لا تنفك المجمعة على مواصلة أدوارها المرسومة لها في هذه المسارات، بحيث أصبح البحث عن سبل الاستمرارية في لعبها لهذه الأدوار وكأنما هو بديلها المرتجى عن غايتها المعلنة، حيث المؤكد الوحيد هنا، ليس سوى الهدف الذي بات ينجز على مدار دقات الساعة التهويدية المتسارعة والسائرة بلا موانع أو عوائق، هو عملية التصفية، أو هذه الحركة النشطة التي وظفت ما سبق واستغلت زمنه لصالحها.

آخر المفارقات، تهديدان صدرا عن كلٍ من طرفيها المباشرين، السلطة الفلسطينية في رام الله وسلطة كيان الاحتلال في القدس المحتلة، والتهديدان يجمعان أيضاً على التلويح بأمر واحد، وهو حل الأولى، بمعنى إلغاء اتفاقية أوسلو التي تعد هذه السلطة الوهمية من مخلفات إفرازاتها البائسة... ما الذي دفع إلى إتحافنا بمثل هذه المفارقة؟!

من جانبها، يئست جماعة الخيار التسووي الأوسلوي في رام الله، من جدوى حصادها بعد ثمانية عشر عاماً عجافاً أضاعت فيها البوصلة والأرض، وأثبت لها واقعها فشلها في المراهنة على أريحية وسيطها غير المعروف بنزاهته، الولايات المتحدة، وحكمها المشهود له بانحيازه الدائم لعدوها،.. ونستطرد، وخذلان ما تدعى الرباعية لها، وفقدانها لراعيها وداعمها الإقليمي بعد ثورة 25 يوليو المصرية، وتكرار رؤيتها للعين الحمراء من قبل من يدعون بالمانحين، أو الأوروبيين، كلما خطر ببالها التفوه بكلمة لا، ولو خافته، لما يملي عليها... عندما أوصلت نفسه إلى مثل هذا الحال، قررت، بعد إضاعة ثمانية عشر عاماً جرت لصالح التهويد، أن تتوجه للأمم المتحدة.. ما الذي تريده من هذه الأمم المتحدة، التي سبق وأن خصت الفلسطينيين بأكداس من قرارات دفنها غبار الزمن ولم ينفذ واحد منها؟!

هدفها المنشود والمعلن هو الحصول على الاعتراف الأممي بدولة فلسطينية مفترضة على المحتل من فلسطين بعد العام 1967.. لا بأس، لكن علينا هنا أن نتذكر، أن ما كان من هذه المنظمة الدولية من الدول التي تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية قبل مسيرة أوسلو التصفوية هو أكثر من تلك التي تعترف بـ «إسرائيل». وإن إعلان الدول الفلسطينية، أو ما سمي بإعلان الاستقلال، كان قد اتخذ في مؤتمر قصر الصنوبر في الجزائر في العام 1988. وأنه، على الأرض، قد أصبحت جرافات التهويد الزاحفة تقترب رويداً رويداً من مقر المقاطعة، بعد أن التهمت أغلب بقايا ما لم يهود من الضفة وشددت خناقها على التجمعات الفلسطينية الأشبه بالمعازل والمعتقلات. وأن الدولة المستجداة أمميّاً لن تزد على نص قرار يضاف إلى متراكم القرارات الصادرة عن هذه الهيمنة الدولية التي ألحقت هذه الحقبة بوزارة الخارجية الأميركية.. بمعنى، أن هذا الاعتراف، إن أوفت سلطة رام الله «ناقلة الاستقلال»، وفق توصيفات صائب عريقات كبير مفاوضيها لها، بما تقول إنها قد أزمعت عليه، واعترفت الهيئة الدولية بما تناشدها الاعتراف به، سيكون اعترافاً رمزيّاً، أي ما لن يجدي في إيقاف هدير تلك الجرافات، أو يدفع «الرأي العام الدولي»، أو «المجتمع الدولي»، أو سائر مثل هذه المسميات للغرب عرَّاب النكبة الفلسطينية، وربيب كيان اغتصاب فلسطين وراعيه ومتعهد وجوده، إلى تغيير مواقفه المعروفة من الاحتلال، والتي جعلت من إسرائيله في حكم المعصومة من المساءلة وفوق الملامة ويجوز لها ما لا يجوز لسواها من المعتدين على القوانين والأعراف والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية... والآن، عمليّاً، وإذا ما مضت السلطة فيما أزمعت عليه، فما هي سبلها إلى ذلك؟

إنه إما التوجه إلى مجلس الأمن، حيث الفيتو الأميركي في الانتظار، أو إلى الجمعية العمومية، حيث جل المرتجى منها هو الحصول على عضوية مراقب، أي ما لا يسمن ولا يغني ولا يضيف... وحتى لو تم هنا الإعلان، فلسوف يفرغ من مضمونه ولن يصادف حظاً بعدها في مجلس الأمن الأميركي.. وأخيراً، تقديم مشروع لكل من المجلس والجمعية، يقضي بتحديد أسس مرجعية ما يسمى «عملية السلام» كشرط لاستئناف المفاوضات، بمعنى العودة إلى ذات الدوامة... هذا إذا ما شاء الأميركان مجرد بحث مثل هذا المشروع في هيئتهم الدولية!

والسؤال هنا هو: هل السلطة جادة فعلاً فيما تهدد به؟ ما مدى صدقية وعيد صائب عريقات برمي «المفاتيح في وجوههم»، والمقصود هنا هم الأميركان، الذين توعدوا من جانبهم باستخدام الفيتو، والمانحين الذين لمحوا إلى احتمال أن يغلو اليد ليجوعوا فيالق مناضلي الأمس المتقاعدين وراء قضبان القفص الأوسلوي؟

يجيبنا سلفاً أبو مازن رئيس السلطة، عبر تأكيده القاطع بأن «خياره الأول والثاني والثالث هو المفاوضات»، وأن «الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليسا بديلاً للمفاوضات»، و«لن نتصادم ولا نريد أن نتصادم مع أميركا، ولكن نريد أن ننسق الموقف معهم»... وإذا كان الأمر هو كذلك، فما الذي نتوقعه سوى ولوج ملهاة تدويل للمسألة، أو متاهة تصفوية جديدة تبتلع فيها تكتيكات التسوويين ما كان يفترض من استراتيجيات نضالية مقاومة؟!

وبالنسبة لتهديد السلطة بحل نفسها، فالمضحك المبكي أن هذه السلطة تحت الاحتلال هي في حكم المحلولة عمليّاً باعتراف أصحابها أنفسهم، أما بالنسبة للفلسطينيين وقضيتهم وما جرته عليهم وعليها من وبال، فيا ليتها، وهي التي تحولت أداة أمنية في خدمة المحتلين، قد حلت نفسها منذ أول يوم أقاموها فيه، لأنها كانت بامتياز شاهد زور على ضياع وطن، وإن لم تكف يوماً عن المطالبة بدولة، في حين أن الشعب الفلسطيني يناضل لاستعادة أرض يقيم عليها دولة لا دولة فرطت بأرض ولا تجد منها ما قد تقام عليه.

بقي الشق الثاني من المفارقة... الشق «الإسرائيلي». وفق «هآرتس»، فإن حكومة نتنياهو تدرس مسألة إلغاء اتفاقية أوسلو إذا ما مضت رام الله باتجاه الإعلان الأممي لدولتها المفترضة.. هل هؤلاء أيضاً، بالمقابل، هم جادون في تهديدهم هذا؟!

يقول عريقات: «تستطيع «إسرائيل» أن تبقي هذا الوضع كما هو عليه ألف عام مقبل»، بمعنى، وحيث هذا هو الأنسب لها، فأنها ليست في وارد سماع التوسلات الأوسلوية، أو عبارات الترجي الأميركية غير الجدية، ولا تزعجها محاولات التمايز النسبي اللفظي المنافق حيال الأمر من قبل الأوروبيين... ونضيف، وما دام هذا حالها، فهل من المعقول أن تقدم كقوة غازية على حل هكذا سلطة بإلغاء اتفاقية أفرزتها وكان إبرامها قد حقق لها كمحتلة كل هذا الذي سبق وأن اشرنا إليه؟!!

بقي أن نقول، إن الأخطر هو، إنه، إذا ما افترضنا وأن اعتُرف بهذه الدولة الوهمية، والتي خيارها، كما يؤكد أبو مازن، «الأول والثاني والثالث هو التفاوض»، فإن مثل هذا التفاوض سوف يتم في هذه الحالة بين دولة ودولة، الأمر الذي يعني أن تنازلاتها التي هي في حكم المبرم سوف تُشرعن باطل ضياع فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165351

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165351 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010