السبت 6 آب (أغسطس) 2011

المارد العربي خرج من القمقم

السبت 6 آب (أغسطس) 2011 par الياس سحاب

هل بالغنا في التفاؤل بأحداث تونس ومصر التي وقعت في الشهرين الأولين من مطلع هذا العام؟

هل يسمح استعصاء نظامي الاستبداد السابقين في تونس ومصر على التصفية النهائية الكاملة حتى الآن، رغم سقوط بن علي ومبارك عن عرشيهما، هل يسمح هذا الاستعصاء ساري المفعول حتى يومنا هذا، للمتشبثين بأذيال النظامين البائدين، وأمثالهما على رقعة الوطن العربي، باتهامنا بالتفاؤل الساذج، وباستعجال الأمور دون ترو أو تبصر؟

في مثل هذه المواقف الملتبسة، من المفيد الخروج عن إطار الجدل البيزنطي بين أنصار التشبث بالماضي (أنظمة الاستبداد والتجزئة والتخلف) وأنصار التشبث بالمستقبل (فرص التقدم ودخول الشعوب العربية العصر الحديث من بوابة الديموقراطية الواسعة)، وإلقاء نظرة فاحصة، على أصداء الحدثين الكبيرين (التونسي والمصري)، في دوائر الدول الغربية، الجاثمة على صدر العصور الحديثة، بشقيها الرسمي والمدني، حتى نتبين مدى النظرة الموضوعية لمجتمعات ومؤسسات هذه الدول، للحدثين التونسي والمصري، ما تحقق منهما حتى الآن، وما هو قابل للتحقق، سواء داخل تونس ومصر أولاً، أو رصداً لأصداء هذين الحدثين في المنطقة العربية، من محيطها إلى خليجها.

بالنسبة للدوائر الرسمية الغربية، لعلنا نذكر التشبث الصريح للأنظمة الغربية (خاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الرئيسية) برمزي الاستبداد في تونس ومصر (بن علي ومبارك) طيلة أيام تربعهما على العرش، على أمل صريح بإمكان هذين الرمزين لعهد الاستبداد والتخلف العربي، من التشبث بموقعيهما. لكن الموقف انقلب بعد ذلك، من التشبث ببن علي ومبارك، إلى التخلي المتدرج والكامل عنهما، وذلك (لو قرأنا أحداث تلك الأيام الحاسمة بوضوح وتمعن) لم يكن نتيجة تحول داخلي ذاتي في المواقف الأميركية والأوروبية، بل جاء نتيجة تعامل واقعي مع ما نجح كل من الشعبين التونسي والمصري، في فرضه كأمر واقع جديد، على ارض تونس ومصر.

بعد ذلك، يمكن تلخيص المواقف الأميركية والأوروبية الرسمية، في المرحلة التي تلت سقوط كل من بن علي ومبارك، بأنها تعامل مع الأمر الواقع الجديد (لان عكس ذلك مستحيل عمليا) مع اتجاه لاستعمال كل ما لهذه الدول الغربية من نفوذ راسخ في أوضاع المنطقة العربية (بمن في ذلك وكلاؤها من أنظمة الاستبداد العربية الراسخة الأركان حتى إشعار آخر)، في اتجاه محاولة المحافظة على النظامين البائدين في تونس ومصر كما كانا تماما في العقود الثلاثة المنصرمة، ولكن بأشكال جديدة، بعد سقوط رمزي النظامين في كل من تونس ومصر.

هذا باختصار وتركيز عن الموقف الرسمي لكبريات الدول الغربية، لكننا إذا بحثنا عن أصداء الحدثين التونسي والمصري في الأوساط الفكرية والثقافية الغربية، فإننا نجد أنفسنا أمام مشهد من الاعتراف الصريح بعمق أحداث تونس ومصر، وهو اعتراف لحظه وزير خارجية فرنسا الأسبق (رولان دوما) في كتابه الأخير، عندما وصف الحدثين التونسي والمصري، بأنهما أهم حدثين سياسيين في التاريخ المعاصر، منذ سقوط جدار برلين.

مرة أخرى، يمكننا تركيز النظر على ما يجري في مصر خاصة، لتبين اتجاه الأحداث القادمة، هل هو اقرب إلى الموقف الغربي الرسمي، أم إلى الموقف الغربي الثقافي والفكري؟

لقد استماتت كل القوى العربية الناطقة بلسان عصر الاستبداد والتخلف، داخل مصر وخارجها، لمنع محاكمة حسني مبارك. حتى أنهم أطلقوا افتراضا حول إمكانية موت مبارك قبل خضوعه للمحاكمة، وأفتوا بأن من المنطقي عندئذ ان تجري له جنازة عسكرية رسمية، باعتباره القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة المصرية. حتى إنني كنت وما زلت بين من يخشون افتعال حادثة تنهي حياة مبارك، قبل اكتمال أحداث محاكمته بتهمة قتل متظاهري ثورة 25 يناير، وذلك تمريراً لحلم إجراء جنازة عسكرية رسمية لمبارك، إذا ما توفي قبل صدور حكم المحكمة عليه.

ليس ما يحدث إذاً صدفة أو خلافاً شكلياً من وجهات النظر، انه الصراع وقد فتح على مصراعيه بين بقايا الماضي العربي القريب الذي تحكمت به (ولا تزال) أنظمة الاستبداد والتجزئة والتخلف، وبين الحاضر والمستقبل العربي، الذي بدأت دفة التحكم به تتحول من أيدي أنظمة الاستبداد، إلى أيدي الجماهير العربية.

لقد نزعت ثورتا تونس ومصر الغطاء عن قمقم التاريخ العربي المعاصر، وخرج منه المارد العربي، وكل أحداث الأيام المقبلة ستدور على صراع بين امتلاك مارد الشعوب العربية لمصيره بيديه، وبين إعادة هذا المارد إلى القمقم.

أعتقد أن المهمة الأولى هي المنطقية، وهي الممكنة، أما المهمة الثانية فمستحيلة، رغم بعض الشواهد، وبعض الظواهر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010