الجمعة 5 آب (أغسطس) 2011

التحالف يكتمل بين «إسرائيل» والفاشية

الجمعة 5 آب (أغسطس) 2011 par د. سمير كرم

في ذروة الفزع العالمي الذي احدثه هجوم الفاشي النروجي اندريس بيرينغ برييفيك في العاصمة النروجية اوسلو وبعدها في جزيرة هادئة تواجه شاطئ النروج ما ادى الى تدمير واسع النطاق وقتلى قاربوا المئة، تساءلت نشرة اللوبي العسكري «الإسرائيلي» في واشنطن «اين يلتقي العنف اليميني مع العنف اليساري».

لم تضع نشرة «المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي» علامة استفهام امام التساؤل لأن النشرة ارادت ان يكون موضوعها اجابة على التساؤل وليس مجرد سؤال.

جاء هذا الموضوع في نشرة اللوبي العسكري «الإسرائيلي» بعد يوم واحد من اعتراف الارهابي الفاشي النروجي بما يكنه من كراهية وعواطف مناهضة للاسلام وفي الوقت نفسه حبه الجامح لـ «إسرائيل» وحماسه القوي لها. ولم يكن هذا الاعتراف يضيف جديدا الى ما سبق ان عبر عنه برييفيك، في كتاب من تأليفه يقع في 1500 صفحة، ويحمل عنوان «2083»، من رفض قاطع لما اسماه المؤسسة السياسية الاوروبية باعتبارها «حليفاً للمسلمين ضد «إسرائيل»»، فضلا عن امتداحه لـ «إسرائيل» لأنها «لا تعطي للمسلمين الحقوق نفسها التي يتمتعون بها في بلدان اوروبية مختلفة».

وفي هذا الكتاب يقول الارهابي الفاشي «لقد حان الوقت لوقف الدعم الغبي للفلسطينيين ... والبدء في دعم ابناء عمومتنا في الثقافة ـ «الإسرائيليون»».

اما سبب معالجة نشرة اللوبي اليهودي المسمى اختصاراً «جينسا» فترجع يقينا الى ان الاجابة المباشرة على السؤال: اين يلتقي العنف اليميني والعنف اليساري هي: «إسرائيل». انما في زمنين مختلفين. وكل ما في الامر ان عمل برييفيك الاجرامي الارهابي ضد وطنه النرويج جاء ليكشف لأول مرة بكل هذا الوضوح عن التحالف الحالي بين الفاشية الاوروبية الارهابية وبين «إسرائيل» وفلسفتها الصهيونية كما يفهمها ويقدرها الفاشيون الإرهابيون الأوروبيون الذين يشكلون اقصى اليمين في اوروبا بل في اي مكان من العالم بما في ذلك «إسرائيل».

اما زمن التحالف بين اليسار العالمي ـ الاوروبي والاميركي خاصة ـ و«إسرائيل» الصهيونية التي كانت ترتدي مسوح اليسار وأحيانا اليسار المتطرف، فقد انقضى منذ ان رأت «إسرائيل» وفلاسفتها من الصهاينة ان من المناسب التحول من سياسة ادّعاء الضعف الى سياسة استعراض القوة وتحويل «إسرائيل» من وطن صغير لليهود الى وطن متوسع على الاراضي العربية التي تحتلها. انقضى زمن التحالف اليساري العالمي مع «إسرائيل» الصهيونية عندما كشف اليسار كل اكاذيب «إسرائيل» عن ضعفها امام العرب كما كشف اكاذيبها عن التعاطف الطبقي مع العمال من اليهود وغير اليهود، ذلك الذي كانت ترفع شعاراته في المظاهرات والمسيرات المشتركة مع اليسار الاميركي واليسار الاوروبي.

انتهى زمن التحالف مع اليسار وغاصت «إسرائيل» مع فلسفتها الصهيونية في قاع التحالف مع اليمين العالمي. وعندما انكشف امر التحالف الرسمي والشامل بين المحافظين الجدد الاميركيين، كممثلين لليمين السياسي الاميركي، كان ذلك بمناسبة صعود المحافظين الجدد الى السلطة في اميركا مع تولي جورج بوش الابن الرئاسة الاميركية. لكن التحالف بين «إسرائيل» واليمين الاميركي كان قد سبق هذا الزمن بوقت طويل، عندما اصبح من قبيل السياسة العلنية من الجانبين ان يتحالف اليمين الديني (البروتستانتي خاصة) مع «إسرائيل» ومع العقيدة الصهيونية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من العقيدة المسيحية كما يفهمها زعماء «المسيحية الصهيونية» التي لم تستطع ان تثبت لنفسها وجودا خارج اميركا بأي حال.

لكن من المؤكد ان الصهيونية الاميركية ـ وهي اقوى مؤسسات اللوبي «الإسرائيلي» على الاطلاق - لا يمكن ان تقدم على اعتراف صريح بأن العنف اليميني الفاشي يلتقي مع العنف «الإسرائيلي» الصهيوني، او بأن «إسرائيل» هي نقطة الالتقاء الحقيقية للعنف اليميني والعنف اليساري عندما كان للعنف اليساري وجود. لهذا لم يجد اللوبي العسكري الاميركي (جينسا) من سبيل امامه الا المضي في معالجة الهجوم الارهابي في عاصمة النرويج على انه عنف اسلامي. وذهب في إغفال الحقائق التي اعترف بها مرتكب هذا العمل الى حد التساؤل: لماذا يشن المسلمون الارهابيون مثل هذا الهجوم على النرويج وهي التي ايدتهم وفتحت ابواب الإيواء لهم ووقفت مع قضاياهم في المحافل الدولية؟ ولأنه كان لا بد ان يجيب فقد اجاب بأن «برييفيك والجهاديين وصلوا الى النقطة التي يلتقي عندها الاشباح: الفاشيون، القمصان البنية الشيوعيون والجهاديون الذين يؤمنون جميعا بالتصاعد التراتبي للشعوب، في الداخل والخارج، من هم مثلنا ومن ليسوا مثلنا، من يستحقون ومن لا يستحقون، المتسامحون وغير المتسامحين».

واذا بدا ان نشرة «جينسا» تقول كلاما غير مفهوم فهذا صحيح، والقصد منه إخفاء الحقيقة وهي ان العمل الإرهابي الذي اصاب النرويج هو نتيجة تحالف ـ تعاقدي او غير تعاقدي ـ بين الفاشية والصهيونية بقصد الإضرار بأوضاع المسلمين في انحاء اوروبا وليس في النرويج وحدها. ولا بأس لزيادة جرعة الكذب في هذا البيان من إقحام إيران و«حماس» و«حزب الله» في الموضوع، فإذا كان الارهابي النرويجي قد قتل اطفالا فلا فرق فهؤلاء ايضا يقتلون الاطفال في حروبهم وهجماتهم. فهل هذا كلام قابل للتصديق؟

وينتهي اللوبي العسكري الصهيوني الى انه: «اذا كان التحالف المتطرف اليميني ـ اليساري ـ الجهادي قد تمثل كله في شكل واحد ـ وان كان هذا يوترهم بالفعل اذا فكروا بالامر ـ فما الذي يبقى للعالم لكي يفعله؟ «ويجيب بأن الاميركيين سيكتفون بالشعور بالراحة بان هجوم برييفيك قد كشف للمباحث الجنائية الاميركية (اف. بي. آي) عن وجود هذا الشخص وتمكنه من شراء ستة اطنان من السماد ليصنع قنبلته، ولكن العمل البوليسي الجيد ينبغي ان لا يكتفي بهذا انما ينبغي ان يتنبه الى وجود رفاق السفر المستعدين دائما لان يقتلوننا جميعا، اي المسلمين من رفاق برييفيك (...).

ويبدو انه انقضى ايضا زمان كان فيه «الإسرائيليون» وفلاسفة الصهيونية يجيدون الكتابة والتعليق وإقناع العالم الخارجي كله بعدالة القضية اليهودية في سياسة «إسرائيل»، فإن ما تفتق عنه ذهن اللوبي العسكري الصهيوني في اميركا انما يكشف عن ضعف مزمن في محاولة إقناع الآخرين بان رجلا يحب «إسرائيل» ويطلب دعمها ويكره الفلسطينيين والمسلمين انما اراد بعمله الارهابي ان يقف في صف الجهاديين الاسلاميين ضد أبناء وطنه.

ولم يكن هناك ما يبعث على الدهشة ان تنتشر الكتابات الموضوعية من كل اتجاه تكشف المدى الذي بلغته الصهيونية اليمينية المتطرفة التي ادّعت يوما انها تعتنق افكار اليسار وفلسفته بينما استمر الناطقون باسم وزارة الخارجية الاميركية في تجاهل الحقائق عن الجاني الإرهابي ودوافعه ومحاولة إلقاء اللوم على الجهاديين الاسلاميين ومن عداهم من المتطرفين المسلمين في اوروبا بوجه خاص. وردا على ذلك كتب المعلق الاميركي اليكس كين مؤكدا ان «هذا العمل الارهابي هو في الحقيقة عمل حماسة ارتكبه مجرمون معادون للمسلمين. فإن فحص وجهات نظر برييفيك ودعمه للحركات السياسية اليمينية المتطرفة في اوروبا يوضح تماما ان التحقيق في ذروة الاسلاموفوبيا (الخوف المرضي من الاسلام) وفي الصهيونية اليمينية المتطرفة هو وحده الذي يمكن ان يجعل المرء يفهم المعتقدات السياسية الكامنة وراء هذا الهجوم الارهابي. ان من الواضح ان برييفيك هو من المعجبين المتحمسين بالنشطاء المعادين للمسلمين الذين يتخذون قاعدتهم في الولايات المتحدة، امثال باميلا غيللر وروبرت سبنسر ودانييل بايبس، وقد اعترف بدعمه الشديد لـ «إسرائيل». ان ايديولوجية برييفيك السياسية تزداد وضوحا بالنظر الى التعليقات التي الصقها الى جانب الموقع اليميني المسمى بلا وثائق ...». ومن بين هذه التعليقات ذلك الذي يقول فيه برييفيك: «بالنسبة الي فإنه من قبيل النفاق الشديد ان يعامل المسلمون والنازيون والماركسيون معاملة مختلفة. انهم جميعا يدعمون ايديولوجيات الكراهية». ويضيف في تعليق آخر: «ما الذي ستفعله العولمة والحداثة بهجرة المسلمين الجماعية؟ هل تستطيع ان تسمي بلدا واحدا تنجح فيه التعددية الثقافية حينما يكون للاسلام دور فيها؟ ان المثل الوحيد لدولة الرفاهية التي لا توجد فيها الاقليات غير المسلمة هي الولايات المتحدة».

وبعد ... لقد جاء هذا الهجوم الارهابي في النرويج على خلفية من ردود الفعل الغربية على ثورات الربيع العربي. وكان من ابرز ما وصفت به هذه الثورات ما قاله الفيلسوف الاميركي ناعوم تشومسكي ـ في حديث اجرته معه الصحفية سيدا ناتش: «ان الغرب يشعر بفزع من الديموقراطيات العربية». ومعنى هذا ان هذا المفكر الكبير الذي يتابع الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» منذ سنوات طويلة بفكر منفتح وإيجابي، يتوقع ان يكون لربيع الثورات العربية تأثيراته الايجابية في عالم الغرب الذي كثيرا ما صور نفسه للعالم الاسلامي بما فيه الوطن العربي، على انه المثل الذي ينبغي ان يحتذي به العرب. والآن جاء الوقت الذي يدرك فيه الغرب ان هناك ما يمكن ان يتعلمه من العرب حتى في مجال الديموقراطية.

وهذا مناقض تماما لمعتقدات الارهابي الصهيوني النرويجي برييفيك الذي يرى ان على الغرب ـ خاصة اوروبا بما في ذلك بلده النرويج ـ ان يتعلم من الصهيونية اليمينية ومن ممارسات «إسرائيل».

انتهى الزمان الذي كانت فيه الصهيونية تتحالف بطرق الخداع المختلفة مع اليسار العالمي. وانتهى الزمان الذي يتمسك فيه الغرب بأسبقيته وأولويته على عالم العرب والمسلمين.

العالم مقبل على عهد مختلف لا يستطيع فيه الغرب ان يظل على استسلامه لعقائد الصهيونية اليمينية بينما تلوح في الافق اشارات على حيوية الوجود العربي وقدرته على التأثير الايجابي في الديموقراطية الغربية.

على الغرب ـ اوروبا واميركا ـ ان يختار بين افكار تشومسكي وتأثرات ربيع الثورات العربية والافكار التي دفعت برييفيك الى ارتكاب عمله الارهابي إرضاءً للصهيونية اليمينية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2177370

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2177370 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40