الجمعة 5 آب (أغسطس) 2011

مبارك خلف القضبان.. ويخلق من الشبه عشرين

الجمعة 5 آب (أغسطس) 2011 par نصري الصايغ

[**قليل من المخيلة :*]

لا شيء يمنع التزوير الجميل لمشهد مبارك ونجليه في قفص الاتهام. قليل من تحريض المخيلة على الجرأة، قليل من دفعها إلى مغامرة اقتراف المحرّم المزمن، قليل من المجازفة الممتعة، قليل من السادية الحلال، قليل من كل ذلك، لتعديل المشهد. كأن تكون المخرج الحقيقي لمشهد صنعه غيرك الذي لا تشبهه. غيرك الذي له صفة الجموع التي خرجت بصدورها العارية وقبضاتها الملتمعة بالغضب، وقالت للطاغية: إرحل، فامتثل.

[**قليل من المخيلة :*]

لا شيء يمنع التلاعب بالصورة. بإمكان المشاهد العربي أن يختار من يشاء من رؤساء وملوك وأمراء وسلاطين وجنرالات وقادة، ليضعهم في القفص. لا شيء يمنع الجماهير العربية المطحونة بأنظمة القمع والقتل والفساد، بأنظمة تعميم الصمت وممارسة اللغو، لا شيء يمنعها من التمتع بالتفرج على حكامها، واحداً واحداً، وهم خلف القضبان يجيبون إن سئلوا: «حاضر أفندم» أو «حاضر سيدي». ويصمتون صمتاً هرمسياً إن لم يسألوا.

أمس، في مصر الثورة التي صنعها جيل الشباب، لا جيل الشيوخ والمشايخ والمثقفين المعقدين والقاعدين عن... لا جيل الصبورين على الجبن والمذلة... أمس، مصر الشباب، الموقّع على جسارته بدمه في ميادين التحرير، أعادت للقضاء قوسه، بعدما كانت ساحة العدالة، تشهد على مدى عقود، مذبحة الحرية... لشعب عومل كشاة سيقت إلى موتها.

أمس، دعتنا مصر الثورة، إلى الاحتذاء بها، بلا انتقام. ودلتنا علينا وهي تقول: ويخلق من الشبه عشرين... حاكماً ورئيساً وملكاً وأميراً و...

***

[**قليل من الذاكرة :*]

لا شيء يمنع استعمال المنشطات، ذاكرة الكسل العربي، بحجم زمن وبقياس قرن. قرن كامل من الاستبداد، بأسماء جليلة وشعارات ساحرة: فلسطين وحدة. حرية. اشتراكية. استقلال. تنمية. قرن كامل من الظلم، بتبريرات فائقة الدهاء، حوّلت الشعوب العربية إلى دهماء، لا تستحق الحياة، أو ما دونها بكثير، إلا بأمر ووصاية من القائد الذي تخلى عن معارك وجبهات القتال، ليمارس سياسة القتل العمد، لكل من يظنه أنه يفكر. فالفكر كفر في سياسات الاستبداد العربي.

[**قليل من الذاكرة :*]

لا شيء يمنع مقارنة قاعة محكمة أكاديمية الشرطة في القاهرة، مع قاعات محاكمة لا شبيه لها في التاريخ، حيث تحوّل القضاء إلى جلاد، والمواطن إلى مشتبه به دائم. حيث التزمت أكثرية القضاة، بأوامر «الريس» التي كانت تصاغ وفق سياق عسكري: «نفذ ولا تعترض»... لقد خربت أنظمة الاستبداد، نظام القضاء عمداً. ألحقته بأقبية التعذيب ومنابر التشهير، فامتلأت السجون بالشرفاء والعقلاء والنجباء والمفكرين... فاستطابت السلطة فردانيتها، وتفرغت لإسماع صوتها، الواحد الأحد، الذي لا شبيه له، والذي يشبه عواء يطرب له جلاوزة السلطة وخدمها.

[**قليل من الذاكرة :*]

لا شيء يمنع أن نبحث في ذاكرتنا عن قضاء عربي نزيه. ما كان منزهاً عن السلطة كان نادراً ومغامراً. امرأة قيصر، استثناء ومؤقت. في الذاكرة، مهداوي عراقي ومن يشبهه من المغرب في تمنارست، إلى بغداد وحوض الخليج الدامي. في الذاكرة محاكم تفتيش، لا دين لها ولا مذهب، سوى دين الاستبداد، دينها الحاكم بأمره لا غير. لا قاعات منزهة عن السلطة. لقد اجتاح الحكام العرب المحاكم كلها، وضموها إلى ممالك الخوف والرعب التي سيّجوها بالعسكر.

أمس، دعتنا مصر الثورة، إلى الإيمان مرة أخرى، بأن محاكمة الشفيع في السودان، اغتيال. وان محاكمة المحجوب اغتيال. وان فرج الحلو كان يستحق وساماً لا أسيداً. وان محاكمة انطون سعاده اغتيال، وقع عليه ثلاثة من «رجالات الاستقلال»: بشاره الخوري ورياض الصلح ومجيد ارسلان.. وفي الذاكرة أسماء جليلة، جدير أن نستعيدها، كي نعيد للقضاء سلطانه.

***

[**قليل من الندم والخجل :*]

لا شيء يمنع الأجيال العربية التي تناسلت في الهزيمة، ان تخجل قليلا من جيل شاب، هاله ما تحملنا. استفظع قعودنا.. هو جيل يسألنا: ماذا فعلتم بكم؟ انحناؤكم سواكم بأحذية السلطة. أحزابكم التافهة عملة صدئة غير قابلة للصرف. منابركم جعجعة كلام ومواقف كرتونية. كتبكم، باستثناء ما ينتسب منها إلى الكواكبي ورفاقه، كلمات يستتر خلف حروفها عجز وتبرير وآمال مفرطة في السخف. لا طحين في معجنكم. أكلتم من صحن السلطة أو مما رمته على قارعة السياسة... كيف لم تثوروا؟ ولما ثرتم لماذا لم تفوزوا؟ ولما هزمتم لماذا لم تقضوا على أنفسكم؟

لا شيء يمنع أجيالنا الفاشلة من التواضع قليلا. من محاسبة الذات والندم على ما لم نفعله وما فعلناه. كنا الفشل والجبن والمراوغة. إذ، كيف يعيش شعب كحذاء؟ كيف يعامل شعب كخرقة؟ كيف يستباح ولا ينحر سيده أو ينتحر؟ من حق أبناء يصنعون الثورة بسواعدهم وقبضاتهم ان ينصحونا بالرجولة، وليس بالذكورية الفارغة.

ما زلنا نبحث عن قائد لثورة الشباب. سخف هذا. انتصر هؤلاء بلا قائد. لا أب لهم. هم آباء لأنفسهم. ولدوا أنفسهم أحراراً، وليسوا بحاجة إلى من يقودهم من الأمام، فهم في المقدمة. ولا من الخلف ولا من فوق. كل المسافات تلغى أمام الإنجاز. ولقد أنجز هؤلاء عصرهم.

***

[**قليل من المستقبل :*]

قَتَلَنا ماضينا. ماضينا القديم وماضينا الماثل والرابض علينا الآن. ماضينا القديم، قضاء ديني لا يستعاد ولا معنى له. وماضينا المستدام راهنا، قضاء على الوعي والأمل... لا شيء يمنع العرب اليوم، من النظر إلى الأمام، فلا يرون في أيامهم القادمة، ماضيهم المقيت... قليل من المستقبل، يحيي قلب الأمة. محاكمة حسني مبارك وزبانيته على ما افتعلوه وانتهكوه، لا شبيه لها في التاريخ العربي المعاصر. انها محاكمة في بلد سيد، بكامل سيادته على نفسه. وهي محاكمة، ليست غب الانتقام، بل من أجل نصرة العدالة... محكمة مصرية مئة بالمئة. لا شبهة فيها لغريب. تجري وفق الاصول القانونية، وعلى الملأ. ليس كي يتفرج الناس، بل لكي يروا بأم العين، ان مصر بعافية. وأنها «بهية» بكل بهاء طلتها وطلعتها. وأن مصر تحاسب رؤساءها، «فتفكروا يا ذوي الأبصار في بقية الأمصار العربية». وأن مصر دولة قانون ومؤسسات، لا دولة شبكات وجزمات وعصابات بربطات عنق، ومشاريع مليارية، للعائلة المالكة، والعائلات المالكة في كل البلاد العربية.

لا تشبه هذه المحكمة، تلك التي نصبها الاحتلال، لمحاكمة الطاغية الأول صدام حسين. يستحق هذا الطاغية العقوبات القصوى، وهو نالها، ليس بمحكمة تسير وفق المعايير القانونية، بل وفق أحقاد وغرائز. كانت رداً مهداوياً، على محاكمات صدامية، مذهلة في دمويتها.

ولا تشبه محاكمة مبارك، المحكمة الخاصة بلبنان، التي غرقت في كل ما يسيء إليها، حتى باتت مذنبة، وتحتاج إلى مطهر قانوني، ليطهرها مما لحق بها من تسييس وتدخل واستنساب وتوظيف.

أمس، قالت لنا مصر... هذا هو البدء. هذا هو القليل الكثير الجميل والصعب قادم. لا عودة إلى عصور الظلام التي كحلت أمة بكاملها.

[**قليل من المستقبل :*]

لمَ لا... مصر تبشرنا بأننا شعب. وتنذر الحكام العرب برمتهم، بأنهم إلى قفص الاتهام... ذاهبون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178022

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178022 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40