الخميس 4 آب (أغسطس) 2011

خطاب محمود عبّاس في «المجلس المركزي»

الخميس 4 آب (أغسطس) 2011 par منير شفيق

أولاً، يجب أن يوضع «المجلس المركزي» كل ما ذكِرَ بين مزدوجتين لأنه عديم الصلاحية ومنتهي الصلاحية وملفق بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فليس هناك مجلس وطني حتى يكون هنالك مجلس مركزي يتمّ اختياره منه، وليقوم مقامهُ في ما بين عقد دورتيه.

ثانياً، يا لهذا المجلس المركزي الذي لا يناقش الرئيس، ولا يفعل سوى الموافقة على كل ما يرد في خطابه، بما في ذلك التجاوب بالضحك المدوّي مع نكاته، فما فعله المجلس المركزي كان سماع الخطاب والتصفيق له وتأييد ما جاء فيه، ولم يكن معنيا بمناقشة سياسات المرحلة السابقة.

هذا أقل ما يجب أن يُقال في هذا الذي اسمه «المجلس المركزي»، مع إعفاء المشاركين فيه من أن يُقال فيهم أكثر، بسبب مشاركتهم في هذه المهزلة.

ولكن ماذا عن الخطاب نفسه؟ وماذا استهدف محمود عبّاس من عقد «المجلس»، ومن فحوى الخطاب؟

طبعاً، عقد «المجلس المركزي» استهدف التأكيد على ديمقراطية الرئيس وشوريته، وأن ما فعله في السياسة وفي غير السياسة إنما هو نابع من إرادة أعضاء «المجلس المركزي»، فهو بعيد من الرئاسة الاستبدادية، أو التفرّد بفرض ما يتبعه من إستراتيجية على الشعب الفلسطيني. فلو كان حسني مبارك وزين العابدين مثله لما قامت ثورة ضدهما.

أما محتوى الخطاب فقد شدد على أهمية إستراتيجية اللجوء إلى هيئة الأمم المتحدة من دون أن يفسّر لماذا أصبح اللجوء إلى هذه الخطوة ملحاً، بل قضية القضايا، بل عنوانَ ما يجب أن يفعله الشعب الفلسطيني الذي يجب أن يؤيده.

لم يتطرق مثلاً إلى فشل إستراتيجيته في المفاوضات وتحقيق تسوية، ولا إلى مدى مسؤوليته في انقسام الوضع الفلسطيني بسبب المفاوضات التي أشرفت عليها كوندوليزا رايس ثم جورج ميتشل، أم أن تلك الإستراتيجية أصابت النجاح وأثبتت التجربة والنتائج العملية صوابها وأصبح الآن من الضروري تتويجها بحملة الذهاب إلى مجلس الأمن وربما إلى الجمعية العامة؟!

هذا الخطاب لا يمكن أن يُفهم إلا باعتباره محاولة يائسة للهروب من الاعتراف بفشل السياسات التي اتبعها كل من محمود عبّاس وسلام فيّاض على المستويين المتعلقين بالمفاوضات والرهان على أميركا وعلى الاتفاق الأمني وتكريس الانقسام وكبت كل مقاومة موجهة ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه. وخلاصتهما سياسة التبعية لأميركا وسياسة حماية قوات الاحتلال من المقاومة والانتفاضة.

أما الظرف الذي جاء الخطاب ليعبر عنه فهو التهيئة للانتقال من السياسة التابعة كلياً لسياسة حسني مبارك إلى ما يمكن أن تتبناه مصر في عهدها الجديد من سياسة تتعلق بأميركا والوضع الفلسطيني.

ولكن هذا الانتقال السهل «كأن شيئاً لم يكن» أو كأن إطاحة الثورة الشعبية بحسني مبارك وتوجهها إلى محاكمته وجر بطانته إلى المحاكم يجب ألا تمس سياسة مبارك الخارجية وكل من تواطأ معه فيها، علما بأن أسس تجريم حسني مبارك يجب أن يَبدأ من سياساته الفلسطينية والعربية والدولية، فكل ما فعله من سياسة داخلية نبعت من تلك وليس العكس.

فالارتهان والتبعية للسياسات الأميركية خارجياً يقتضيان ليبرالية اقتصادية وفساداً فاحشاً وارتكاب جرائم، تعذيباً وقتلاً، كما يقتضيان تزويراً للانتخابات وللمجالس الوطنية والمركزية.

الانتقال إلى المرحلة المصرية الجديدة لم يتضح بعد إلى الحد الكافي في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني سوى الحد الذي عبر عنه نبيل العربي وهو ما زال في بداياته، الأمر الذي رفع من سقف محمود عبّاس إلى المستوى الذي عبر عنه الخطاب، ولكن أبقاه في سقف إستراتيجية المفاوضات دون القول «المفاوضات والمفاوضات فقط»، كما كان الحال في عهد حسني مبارك وعمر سليمان، فلسطينياً.

وبلا مقدمات توسّع محمود عبّاس في حديث مستريح ومطمئن عن المقاومة الشعبية، كما لو كان لا يرى غيرها خياراً.

واعتبر عبّاس أن إصرار الثورات الشعبية العربية على شعار «سلمية سلمية» جاء مؤكداً لسياساته التي ترفض المقاومة المسلحة للاحتلال وتبطش برجالها ونسائها من كل الفصائل تحت حجة «سلمية سلمية» حتى تحريم الاشتباك بالأيدي مع الاحتلال.

محمود عبّاس لا يعتبر أن ثمة فرقاً بين مقاومة نظام مستبد فاسد أو تابع ومقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين.. إنه يريد هنا أن يقول لا فرق بين أشكال النضال ضد المحتل الصهيوني المغتصب لفلسطين والمشرد لأهلها، وأشكال النضال في الصراع الداخلي في البلاد العربية.

هذه واحدة، أما الثانية فهي محاولة تمييع أشكال النضال والمقاومة الأخرى المصاحِبة للمقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال، وذلك ليقول لنا إن كل ما تفعله حكومة سلام فيّاض ويتبناه الرئيس من اتفاق أمني مع أميركا وقوات الاحتلال في الضفة يدخل ضمن «المقاومة الشعبية» و«السلمية السلمية».

فالانتفاضة التي يفترض بها الاصطدام بالمستوطنين أو بالحواجز التي تفرضها قوات الاحتلال، أو التصدي ولو بالحجارة لدوريات الاحتلال حين تستبيح رام الله ونابلس والخليل، لا تدخل في المقاومة الشعبية، أما عندما تهاجم قوات الأمن التي شكّلها دايتون المعتصمين الذين يريدون إطلاق مقاومة ضد الاحتلال فيجب أن يُعتبَر فعلها (قوات الأمن) شكلاً من أشكال «المقاومة الشعبية» و«السلمية السلمية».

أراد خطاب محمود عبّاس أن يقول إن ما تفعله سلطة رام الله بالكبيرة والصغيرة هو «المقاومة الشعبية» ولا يفكرنَّ أحد بإطلاق انتفاضة ثالثة في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين.

فنحن هنا أمام مصادرة المقاومة الشعبية السلمية مثل المقاومة المسلحة وحتى التصدي لقوات الاحتلال بالحجارة.

قوات الاحتلال تُقاوَم ببناء مؤسسات السلطة وباللجوء إلى هيئة الأمم والتمسك بإستراتيجية المفاوضات، وهذه كلها اسمها «المقاومة الشعبية» و«السلمية السلمية».

أما ما عدا ذلك من مقاومة مسلحة وانتفاضة وعصيان مدني واشتباك الآلاف بحواجز الاحتلال ومحاصرتها والتصدي للدوريات، فمن الشيطان ولا علاقة له بمقاومة الاحتلال.

هذا اسمه لعب الورقات الثلاث في موضوع مقاومة الاحتلال، ولا يمكن أن تختار من بينها غير ورقة محمود عبّاس أو سلام فيّاض، أما ورقة المقاومة التي عرفتها منطلقات «فتح» وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968، وعرفها تاريخ الشعب الفلسطيني منذ عشرينيات القرن العشرين، وصولاً إلى الانتفاضتين وحركتي «حماس» و«الجهاد»، وحرب 2008/2009 على قطاع غزة، وأسطول الحرية وشهدائه الأتراك، أو المقاومة التي حررت جنوب لبنان، فلا علاقة لها بمقاومة الاحتلال، ولا يمكن أن تسحب ورقته في لعبة الورقات الثلاث في خطاب عبّاس الأخير.

بكلمة.. كان على محمود عبّاس أن يُعلِن فشل سياسته وفشل اتفاق أوسلو والسلطة، وسوء الاعتماد على الدول المانحة، وفشل المفاوضات، ويعلق استقالته لتعود البوصلة الفلسطينية إلى المنطلقات والمواثيق والتحرير الكامل لفلسطين وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإلى إعادة الاعتبار لإستراتيجيات الكفاح المسلح والمقاومة والانتفاضة، والتأكيد على انخراط الثورات الشعبية العربية في القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتها الأولى، بعد الخلاص من أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية والتفريط في القضية الفلسطينية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2177925

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2177925 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40