الخميس 4 آب (أغسطس) 2011

«الريِّس» كويِّس حتى إنه «ينقر» أنفه!

الخميس 4 آب (أغسطس) 2011 par أمجد ناصر

هذه لحظة تاريخية. حقاً انها كذلك. فلم يسبق لنا ان رأينا حاكماً عربياً خلف قفص صنعت قضبانه ثورة شعبية. أكرر : ثورة شعبية وليس انقلاباً عسكرياً. ثورة شعبية وليس احتلالاً أجنبياً. فمن قبل هذه اللحظة التاريخية الفاصلة كنا نرى (ولا نزال نرى في أكثر من بلد عربي ولكن لبعض الوقت) شعوبنا وراء الأسوار العالية للحاكم المؤبد في قصره لكننا لم نر هذا الحاكم، الذي رفعه برلمانه المزوَّر وأجهزة أمنه الشرسة وعصابات نهبه وسلبه إلى مصاف الآلهة، وراء القضبان. لم يحدث ذلك من قبل وها نحن نراه بالعين التي ترى ولا تكاد تصدّق ما ترى. هذه لحظة تاريخية لم نكن نحلم بها قبل ثورتي تونس ومصر اللتين دشنتا مرحلة جديدة من تاريخنا وأسَّستا لحياة عربية لن تعود، كما نأمل ونرجو، إلى الوراء أبداً.

فمن منا كان يصدِّق أنه سيرى ما رأى بالأمس على شاشات التلفزيون؟

من كان يتخيل من قبل، في أعالي أحلامه، أن أقوى حاكم عربي، «الفرعون» الذي يملك أكبر الأجهزة الأمنية في العالم العربي وأشدّها بأساً سيمثل، هو شخصياً وقرَّتا عينيه ووزير داخليته وجنرالاته، وراء قفص من حديد؟

غير المتخيَّل حصل.

غير الممكن رأيناه أمام أعين تتراقص دهشةً وعجباً في صباح الثالث من آب (أغسطس) لعام 2011 الموافق للثاني من شهر رمضان من عام 1432 للهجرة.

احفظوا هذا التاريخ جيداً.

***

لم نكن، نحن ابناء الشعوب المقهورة، مَنْ تسمَّروا أمام شاشات التلفزيون فقط. كان هناك آخرون تابعوا مثلنا هذا الكسوف الكليّ لشمس الفرعون: إنهم الحكام العرب الذين تهتزُّ عروش بعضهم هذه الأيام على وقع ثورات شعوبهم، وستهتزُّ، قريباً، عروش بقيتهم ما بقوا على ما هم عليه الآن من تألّه وطغيان.

هذه اللحظة التاريخية ليست موجهة للشعوب العربية التي أهداها الشعب المصري العظيم حدثاً فارقاً في تاريخنا، بل أزعم أنها هدية صباحية كئيبة للحكام أيضاً. فها هو كبير الفراعنة يؤتى به على محفَّة (حركة مسرحية فاشلة من مخرج مسرحي أفشل) ليمثل وراء القفص الذي أعدَّ له خصيصاً!

أستطيع أن أتخيل سحن حكامنا المُربَّدة، أستطيع أن أرى ارتعاد فرائصهم وصرير أسنانهم، خوفاً وغيظاً، وهم يرون كبيرهم الذي علَّمهم السحر تُتلى عليه صحيفة جرائمه.

اليوم «الريِّس» لم يكن هو «الريَّس» المعتاد.

هذه الكلمة التي تردَّدت عشرات المرات في قاعة المحكمة لم تكن تعني ذلك الممدَّد على محفّة بل الرجل الذي يتقلد وشاح العدالة الأخضر ويضبط، في تهيّب وجفاف ريق، ايقاع الجلسة التاريخية.

هذا هو «الريِّس» اليوم، ولا «ريِّس» غيره، أما ذلك الممدَّد على المحفَّة المسرحية، فكان لديه الوقت الكافي لكي «ينقر» أنفه!

لسوء حظه فقد ألقت الكاميرا عليه القبض وهو يدخل اصبعه في أنفه أو وهو يمطُّ شفتيه في وجهٍ خالٍ، تقريباً، من التعبير.

***

المحامون الحواة كانوا هناك أيضاً. إنهم يعملون وفق دفتر شروط قديم. يريدون إغراق المحاكمة في بحر من الشكليات القانونية التي اعتادوا عليها من قبل وكانت تنفعهم في إفلات الحيتان الكبيرة من الشبك. اليوم لن تنفع هذه الألاعيب الشكلية. فما إن رُفعت الجلسة للاستراحة حتى راحت الكاميرات تلتقط آراء الناس والناشطين في الخارج. معظم من تحدثوا إلى الفضائيات العربية التي نقلت بثها عن التلفزيون الرسمي المصري حذروا من حرف سير المحاكمة. المعلقون لاحظوا أيضاً اندفاعة محامي الرئيس المخلوع فريد الديب نحو الجوانب الشكلية للمحاكمة. كيف حولت القضية من قاض الى آخر وكيف ضمت أوراق قضية الى أوراق قضية أخرى إلخ.. غير ان ذوي الضحايا لا تهمهم هذه الأمور الشكلية. فهم يريدون قصاصاً عادلاً ممن تسبب بهذا العدد الكبير من الضحايا. هؤلاء ليسوا وحدهم في الساحة. الشبان الذين فجروا الثورة وأجبروا المجلس العسكري وحكومته المؤقتة على احضار مبارك شخصياً للمثول وراء القفص (وليس محاميه كما كان يتجه الأمر) وعلى جعل المحاكمة علنية، موجودون بيقظة هناك.

علينا أن ننحني لهؤلاء الشبان. فلولاهم ما كنا رأينا هذه اللحظة التاريخية. فقد كان هناك في صفوف المعارضة الرسمية من اكتفى بالثورة بتنحّي حسني مبارك، بيد أن الشبان، صانعي الثورة، أبوا إلا أن يكملوا المشوار. فالثورة لن تتوقف ما لم تتجذر وهي لن تتجذر بمجرد اطاحة رأس النظام. حتى هذا الحدث الباهر ما كان ليتم لولا اعتصامهم الأخير.

***

لم تنته فصول محاكمة حسني مبارك ولم نر مفاجآتها بعد. لقد بدأت فقط. وستكون هناك محاولات، على طول الخط، لايجاد تسوية لها. فلول النظام السابق الذين حشدوا أنصارهم خارج قاعة المحكمة، على نحو يوحي بالتنظيم، سوف يواصلون محاولات وقف المحاكمة عند حد معين أو حرفها في اتجاهات فرعية، دول الثورة المضادة في الجوار سوف ترمي بثقلها المالي والسياسي للوصول إلى صيغة عفا الله عما مضى، أو ارحموا عزيز قوم ذل، لكن الرهان سيكون، من الآن فصاعداً، على «صمود» المستشار أحمد رفعت الذي تصدى لهذه المهمة الجلل.. وبالتأكيد على يقظة شباب الثورة واصرارهم على تجذير ثورتهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2165320

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165320 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010