الثلاثاء 25 أيار (مايو) 2010

المعادلة التي بحث عنها ميدفيدف في دمشق

الثلاثاء 25 أيار (مايو) 2010 par شاكر الجوهري

هدفان رئيسان يمكن تحديدهما للزيارة التي قام بها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف للعاصمة السورية:
الأول: نزع فتيل حرب يمكن أن تنفجر بين سوريا واسرائيل.

الثاني: نزع فتيل عدوان اسرائيلي يتواصل الإستعداد لشنه على قطاع غزة، بأمل النجاح في هذه المرة بإسقاط سلطة المقاومة في القطاع.

ترافقت زيارة الرئيس الروسي للعاصمة السورية مع أحداث ذات صلة، يمكن حوصلتها في توجيه رسائل اسرائيلية شديدة الوضوح إلى دمشق، هدفها فسخ العلاقات التحالفية بين العاصمتين السورية والإيرانية.

هذه الرسائل تجلت في:

1ـ الرسالة التي حملها الرئيس الروسي من شيمون بيريس رئيس الدولة العبرية، للرئيس السوري بشار الأسد، ومضمونها أن اسرائيل “قلقة مما يظهره الرئيس السوري من عدم فهم لخطورة الممارسات السورية في لبنان”، وذلك في اشارة إلى الإدعاءات الإسرائيلية بتزويد سوريا لحزب الله بصواريخ سكود.

وقد أكدت رسالة بيريس أن اسرائيل لا تريد الحرب، ولكن على الرئيس الأسد أن يختار بين طريق الصواريخ والحرب، والسلام مع اسرائيل.

2ـ الرسالة التي وجهها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي للرئيس الأسد من هضبة الجولان السورية المحتلة، على هامش حضوره مناورة عسكرية لقوات اسرائيلية.

لقد أكد نتنياهو عبر تصريحات اعلامية أن “اسرائيل ليست معنية بالحرب مع سوريا، أو أي من جيرانها الآخرين، وكل ما تبغيه هو السلام والأمن والإستقرار”.

واتهم نتنياهو ايران بأنها “تقدم معلومات خاطئة ومزورة ومنقوصة ومشوهة إلى حكومتي سوريا ولبنان حول حرب مزعومة تعد لها اسرائيل ضد هذين البلدين، وضد الفلسطينيين في قطاع غزة”.

3ـ الجنرال غابي شكنازي، رئيس الأركان الإسرائيلي، وجه هو الآخر رسالة اعلامية من الجولان إلى الرئيس السوري، أكد فيها أن “هذه التدريبات (المناورات العسكرية) ليست الأولى ولا الأخيرة، وهي غير موجهة ضد طرف ما، فنحن لا نوجه من خلالها أي رسائل عدوانية على أحد”.

من يدقق في الكلمات التي صيغت بها الرسائل الثلاث، يصعب عليه استخلاص غير ما يجب استخلاصه منها، وهو:

أولاً: أن القوات الإسرائيلية غدت جاهزة لشن عدوان عسكري على سوريا، في حال واصلت تسليحها لحزب الله.

ثانياً: أن على سوريا الإنسحاب من تحالفها مع ايران، إن ارادات عدم التعرض للعدوان الإسرائيلي.

هنا، التاريخ يعيد نفسه على شكل ملهاة، بعد أن سبق لروسيا السوفياتية أن كانت طرفاً في تهيئة الظروف لنسخته الأولى التي كانت على شكل مأساة، التي حلت بالعرب في حرب 1967.

سنة 1967، أكدت موسكو السوفياتية لدمشق، وقد كانتا حليفتان، أن اسرائيل لا تعتزم مهاجمتها.

وسنة 2010 تؤكد موسكو الروسية، التي لا يمكن أن ترتقي علاقتها بدمشق إلى ما كانت عليه في العهد السوفياتي، أن اسرائيل لا تعتزم مهاجمتها..!

سنة 1967 دفعت سوريا ثمن تصديقها النصيحة السوفياتية، حين قررت عدم البدء بالهجوم، وفعل الأمر ذاته الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ولا تزال الأمة العربية تدفع حتى الآن ثمن تلك الهزيمة النكراء، التي لا يقلل من حجمها وحقيقتها تسميتها بالنكسة.

سنة 2010، هل تصدق دمشق تطمينات اسرائيل، التي تحملها اليد الروسية، إلى جانب أثير الإعلام..؟
التصديق يتطلب، كما قال بيريس ونتنياهو، وقف تسليح حزب الله، وفسخ التحالف مع ايران، فماذا إن تعرضت سوريا للغدر مرة أخرى..؟

ستكون قدرات حزب الله اضعف، والحزب يجد نفسه مضطراً للإشتراك في الحرب المقبلة، أو يتعرض لنيرانها.

المغفلون وحدهم هم الذين لا يربطون بين رسائل التهديد الإسرائيلية، والقمة الثلاثية التي جمعت مؤخراً بين الرئيسين السوري والإيراني، والشيخ حسن نصر الله أمين عام حزب الله على مائدة غداء الرئيس الأسد في دمشق.

لقد ناقشت تلك القمة كيفية تنسيق رد اطرافها على العدوان الإسرائيلي المرتقب.

الآن، بيريس ونتنياهو، يريدان بمناورتهما السياسية، مشاغلة دمشق عن المناورة العسكرية التي تنفذ فوق أرض الجولان.

ومع ذلك، ماذا يمكن أن تكون النتيجة إن نجحت اسرائيل في التفريق بين الحلفاء، كي تسود..؟!

حتى لو لم تتعرض سوريا للعدوان الإسرائيلي، فإن نتائج العدوان على ايران وحزب الله ستكون ـ لا سمح الله ـ وبالاً عليها..!

سوريا التي اعتمدت منذ سنوات استراتيجية مواجهة اسرائيل بواسطة قوات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، نظراً لعدم موائمة الظروف لخوض حروب نظامية، في ظل تواصل غياب التوازن الإستراتيجي؛

وسوريا التي شكل تحالفها مع ايران صمام أمان بأكثر من مقياس؛

سوريا ستجد نفسها بدون حلفاء، أثبتت التجارب أنهم فاعلين ومؤثرين، غير قادرة على خوض الحرب لتحرير ارضها، ولا استعادتها عبر اشتباك المفاوضين..!

حرب تشنها اسرائيل على حلفاء سوريا، دون أن تشارك سوريا فيها، من شأنها أن تنزع كل أوراق القوة من اليد السورية، وتجعلها غير قادرة على خوض غمار الحرب، ولا مفاوضات السلام..!!

ثم إن هناك سؤالاً يفرض نفسه:

أيهما أكثر جدوى لإسرائيل، أن تشن حرباً على ايران، أم على سوريا، ما دام شن حرب على الحليفتين معاً، قد لا يكون ممكنا عملياً..؟

إن شنت اسرائيل الحرب على ايران، فإن هذا لا يرغم سوريا على القبول بالإملاءات والشروط الأميركية الإسرائيلية، ويمكنها أن تظل ترفض قبولها.

أما إن شنت اسرائيل عدوانها على سوريا، فإن ايران لن يكون بإمكانها منع سوريا من تقديم التنازلات المطلوبة منها اميركياً واسرائيلياً، ولن يكون بإمكان ايران في أي وقت شن حرب على اسرائيل، لعدم وجود حدود مشتركة بينهما، ولعدم وجود طرف حليف لإيران في حالة صراع، أو اشتباك مع اسرائيل..!

أن يطلب الرئيس الروسي التقاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” بحضور الرئيس السوري، وهو الذي لم يقبل التقاءه خلال زيارتيه اللتين قام بهما إلى موسكو، فإنه يعني أن موسكو الروسية العضو في اللجنة الرباعية الدولية، تبحث عن صيغة توافق تجنب سوريا الحرب، مقابل قبولها، وحركة “حماس”، بحل للصراع مع اسرائيل، على قاعدة الخروج من المواجهة بأقل الخسائر.

يعتقد أن الرئيس الروسي طرح في دمشق مقترحات تهدف إلى تقديم سوريا وحركة “حماس” أقصى ما يمكن تقديمه من تنازلات، وحصول اسرائيل على أقل ما يمكن أن تقبل به من هذه التنازلات.

ميدفيدف يفترض أنه بحث في دمشق أكثر ما يمكن أن تقدمه سوريا، ليتم البحث لاحقاً في أقل ما يمكن أن تقبل به اسرائيل..!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165371

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165371 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010