الجمعة 29 تموز (يوليو) 2011

«إسرائيل» والسودان وإفريقيا

الجمعة 29 تموز (يوليو) 2011 par أمجد عرار

ما توقّعناه من نتائج لانقسام السودان بدأ يتضح أكثر فأكثر. البعض اعتبر مخاوفنا من اختراق «إسرائيل» للجدار العربي الإفريقي مبالغاً فيها، رغم بوح بعض قادة الدولة الوليدة في جنوب السودان، قيصرياً، بنواياهم تجاه العلاقات مع «إسرائيل». سننتظر ما الذي سيقولونه عندما يتابعون في نشرات الأخبار المصوّرة زيارة وفد رجال الأعمال «الإسرائيليين» لجنوب السودان خلال الأيام القليلة المقبلة، للقاء مسؤولي الفرخ السوداني الذي فقس حديثاً من البيضة العربية.

«إسرائيل» تكرّس اختراقاتها في الأرض العربية الإفريقية واقعاً ملموساً ومعلناً، وليس مجرد تحليل سياسي أو تخمين، وها هي تشرع في حصد ثمار ما زرعته من مخططات تقسيم في جنوب السودان.

عشية تنظيم الاستفتاء، لم تنتظر وسائل الإعلام «الإسرائيلية» ما ستقوله صناديق الاستفتاء لإطلاق «الزغرودة»، بل راحت تزف البشرى لنفسها وتبدي اهتماماً استثنائياً بالمخاض الذي رأت أنه يفضي إلى دولة لن تكون عربية، وأن «إسرائيل» ستحظى بمكانة «دولة صديقة» مع دولة الجنوب وتقيم معها علاقات دبلوماسية، ولم تستطع كبح جماح لعابها الذي يسيل، فيما عيناها تحدّقان بموارد النفط هناك.

ولكي تعطي «إسرائيل» لنفسها «حق» المزارع بحصاده، روّجت وسائل إعلامها لدور لها في دعم من كانوا «متمردين» في جنوب السودان وأصبحوا الدولة 193 في الأمم المتحدة، وننصح الجنوبيين بألا يجمعوا الأرقام الثلاثة للعدد إذا كانوا من المعتقدين بأرقام النحس.

الدور «الإسرائيلي» في جنوب السودان لم يكن سراً، وكان أن اعترف به جوزف لاغو وبالذات لصحيفة «هآرتس» كزعيم أول حركة تمرد في جنوب السودان، أطلقها من مدينة جوبا الجنوبية التي أصبحت الآن «عاصمة».

الرجل كشف عن رسالة أرسلها إلى رئيس الوزراء «الإسرائيلي» في حينه ليفي أشكول بعد حرب 67 ووصف الصهاينة فيها بأنهم «شعب الله المختار»، وهنأ أشكول على هزيمته للدول العربية، كما لم يخجل من المطالبة بأسلحة لمواجهة القوات السودانية.

لن تكتفي «إسرائيل» بالسعي لوضع دولة جنوب السودان في جيبها، لكنّها ستتخذها منطلقاً لنفوذ وتمدّد أوسع في القارة الإفريقية، ويبدو أن الدور قد جاء على الصومال التي تخطط «إسرائيل» لدخولها من بوابة المساعدات «الإنسانية» والزراعية والبنية التحتية، بعدما فعلت الشيء ذاته مع دولة جنوب السودان.

ليس سراً أن نقول إن «إسرائيل» وضعت خطة طويلة المدى بدأت في أواخر السبعينات لاختراق القرن الإفريقي وتطويق مصر والتمدد في إفريقيا واستهداف مياه النيل، وقد لاحظنا مؤخراً نتائج هذه الخطة التي ظهرت على شكل تمرد من دول حوض النيل لإعادة النظر في اتفاقات توزيع مياه النيل. وتزامن ذلك التمرد مع زيارات مكثّفة قام بها وزير خارجية «إسرائيل» أفيغدور ليبرمان للعديد من الدول الإفريقية، مستغلاً إدمان العرب على اللاشيء، وصمتهم حتى على أية أفعى تتسلل تحت أرجلهم.

الآن تكثّف «إسرائيل» مخططاتها لتحقيق أكبر اختراق ممكن للجبهة الإفريقية قبل أن تقف مصر على قدميها وتلتفت يميناً ويساراً ثم تبدأ استلام مقود العمل القومي العربي وتعيد المقادير التي سقطت، وتعيد رسم خريطة المنطقة على نحو يعيد للتاريخ بسمته ويصحح اعوجاجه الذي جرى في فترة كان عندها مغلوباً على أمره. وعندما تتبوأ مصر دورها المنتظر، سيعض جنوبيو السودان أصابع الندم على انفصالهم الذي أضعف السودان وأضعفهم معه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165768

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165768 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010