الجمعة 15 تموز (يوليو) 2011

الزحف باتجاه “إسرائيل”

الجمعة 15 تموز (يوليو) 2011 par د. فايز رشيد

الطرفان الليبيان: المجلس الوطني الانتقالي الذي يقود الثورة فعلياً، ونظام معمر القذافي، يتسابقان على خطب الود الصهيوني، فالمجلس كان قد أرسل المفكر الفرنسي اليهودي برنارد ليفي في مهمة إلى “إسرائيل” لمقابلة نتنياهو، من أجل التأكيد أن المجلس وفي حالة تسلمه للحكم، سيقيم أفضل العلاقات التطبيعية مع الكيان . المجلس أنكر هذه الأنباء لكن ليفي ومصادر “إسرائيلية” أكدتها .

صحيفة “جيروزاليم بوست” في عددها الصادر يوم الأحد (10 يوليو/تموز الجاري) كشفت عن أن أربعة مبعوثين للرئيس القذافي، حصلوا على تأشيرة دخول من السفارة “الإسرائيلية” في فرنسا، وحضروا إلى “إسرائيل” ومكثوا فيها أربعة أيام، قابلوا خلالها زعيمة المعارضة تسيبي ليفني، ونقلوا إليها على قرص مدمج تأكيدات القذافي بأنه سيقيم علاقات تطبيعية مع “إسرائيل” وسيفتتح سفارة لها في طرابلس . أكدّت هذا النبأ كل من القناة الثانية في التلفزيون “الإسرائيلي” والإذاعة “الإسرائيلية” .

وفقاً للمصادر “الإسرائيلية”، إنها ليست المرة الأولى التي يزور فيها معبوثون للقذافي “إسرائيل”، ولا هي المرة الأولى التي تجري فيها اتصالات ليبية “إسرائيلية”، فوفقاً للقناة التلفزيونية الثانية، ولمائير كاهلون رئيس المنظمة العالمية لليهود الليبيين: أنه واثنين من منظمته كانوا قد التقوا ممثلاً عن الحكومة الليبية بشكل سرّي، بين الأعوام 2005 و2007 وأن الممثل الليبي كلفهم نقل رسالة إلى الحكومة “الإسرائيلية” .

للأسف، فإن الطرفين الليبيين ومن أجل إرضاء واشنطن ودول حلف (الناتو)، يخاطبان هذه العواصم من خلال البوابة الصهيونية، عملاً بالقاعدة القائلة: الطريق إلى واشنطن يمر من تل أبيب . هذا الزحف الليبي خاطئ من أساسه، سواء أقام به المجلس الانتقالي أم النظام الليبي ورئيسه الذي يُطلق على ذاته وصف (الأمين على القومية العربية)، وفقاً لتعبير الرئيس الخالد جمال عبدالناصر الذي أسبغه على القذافي، على حد قوله .

الاتصال بالدولة الصهيونية وإطلاق الوعود لها، هو خيانة للقومية العربية وللأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وهو ضد مطالب الجماهير العربية في كل أقطارها، التي ترفع راية القضية الفلسطينية كإحدى أولوياتها، وبخاصة في دول الثورات العربية بما فيها ليبيا، فالثوار الليبيون هم من نسيج الجماهير العربية ويعكسون طموحاتها أيضاً، وهم ضد التطبيع مع الدولة الصهيونية، وضد إقامة علاقات دبلوماسية معها، وافتتاح سفارة لها في طرابلس أو بنغازي على حد سواء، لذلك ليس مفهوماً هذا الزحف الليبي من كلا الطرفين نحو تل أبيب التي يتهم زعماؤها (والمثال القريب نتنياهو في كتابه: مكان تحت الشمس)، العرب بأنهم دكتاتوريون وقمعيون ولا تجوز معهم غير لغة القوة . والحاخامات “الإسرائيليون” الصهيونيون يحللون قتل العرب بما في ذلك: شيوخهم وأطفالهم ونسائهم، ووفقاً للعديد من القادة “الإسرائيليين” (العرب ليسوا أكثر من صراصير)، وكذلك (العربي الجيد هو العربي الميت) . . إلى آخر هذه التصريحات العنصرية البغيضة .

التوجه الليبي نحو “إسرائيل” بطرفيه هو مساس بالحقوق الوطنية الفلسطينية والقضية الفلسطينية، ولطالما تغنى القذافي بتأييده للفلسطينيين، وأيضاً فإن المجلس الوطني الانتقالي حرص منذ البداية على تأييد الحقوق الوطنية الفلسطينية، فكيف تستقيم الدعوة والوعود بإقامة أفضل العلاقات مع “إسرائيل” في الوقت الذي تتنكر فيه الدولة الصهيونية، جملة وتفصيلاً لهذه الحقوق؟

وفي الوقت الذي يدعو فيه كل الزعماء “الإسرائيليين” العرب إلى تعديل ما يسمى بالمبادرة السلمية العربية، لأن الزمن عفا عليها، على الرغم من أن المبادرة المذكورة تطرح تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” وافتتاح سفارات لها في العواصم العربية، وإقامة أفضل العلاقات معها شريطة موافقتها على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام ،1967 وشريطة توصلها إلى حل عادل تبحثه مع الفلسطينيين في ما يتعلق بحق العودة، رغم هذا العرض المغري ورغم أن المبادرة العربية لم تَدْعُ إلى إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وفقاً لقرار الأمم المتحدة ،194 وإنما أخضعت هذا الحق للمباحثات بشأنه مع الفلسطينيين، ورفضت “إسرائيل” وماتزال هذه المبادرة، فوفقاً لأقوال قادتها المتعاقبين (فإنهم يريدون سلاماً مع العرب مقابل السلام وليس سلاماً مقابل الأرض)! أيضاً تفتق الذهن الصهيوني عن شرط جديد تفرضه “إسرائيل” على الفلسطينيين والعرب وهو قبول الطرفين بيهودية “إسرائيل” مقابل السلام معهما! هذه هي “إسرائيل” التي يخطب ودها الطرفان الليبيان: النظام والمجلس الوطني الانتقالي!

لقد خططت الولايات المتحدة ومعها حلف (الناتو) لوصول الطرفين الليبيين إلى حالة من التوازن العسكري، وإبقاء الوضع الليبي على ما هو عليه الآن، وعدم السماح لأحد الطرفين بالانتصار على الآخر، في محاولة واضحة لابتزازهما معاً . وبالفعل نجحت الخطة، بابتزاز الطرفين، وهذا ما سيؤدي بهما إلى تقديم التنازلات المجانية والإغراءات المتعددة لواشنطن ولدول حلف (الناتو) ولحليفهما “الإسرائيلي”، وبالفعل، فالطرفان يرسلان المعبوثين إلى الدولة الصهيونية ويعدانها بإقامة أفضل العلاقات معها في حالة إذا ما (تكرّمت) ورضيت عن طرف، وكأن بازاراً يجري بتقديم الوعود إلى “إسرائيل”!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2165603

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165603 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010