الأربعاء 13 تموز (يوليو) 2011

شروط أوباما الفلسطينية

الأربعاء 13 تموز (يوليو) 2011 par د. عبدالحسين شعبان

اعتبر الكثير من وسائل الإعلام والدوائر السياسية أن تغييراً مهماً وجديداً طرأ على الموقف الأمريكي بشأن الصراع العربي- “الإسرائيلي”، لاسيما مطالبة الطرفين بالعودة الى حدود عام 1967 أساساً للاتفاق، وهو ما جاء على لسان الرئيس أوباما، الذي يدرك تمام الإدراك أنه من دون الإتيان على حل قضايا الصراع الخلافية الأخرى، فإن هذا الموقف “المتقدم” سيعني قفزة في الهواء أو إبقاء القضية عائمة في بحر الشعارات من دون حلحلة عملية تُذكر .

ولكن كيف يمكن بدء التفاوض بين الطرفين من دون حل الإشكالات العالقة؟ فالتفاوض، الذي هو عمل معقد بالأساس، سيكون أقرب الى اللاجدوى في ظل استمرار حقول الألغام الذي تعترض طريقه، كما أن طرح فكرة التفاوض على أساس حدود عام 1967 وإنْ كانت تطوراً في السقف المحدد للموقف الاستراتيجي الأمريكي، خصوصاً في ظل الشروط القاسية التي وضعتها واشنطن مثل مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف ب”إسرائيل” كدولة يهودية “نقية”، وهو شرط متعسف، لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار مصير سكان “الأقلية” العربية وحقوقهم، علماً بأنهم يزيدون على 20 % وهم من سكان البلاد الأصليين . والشرط الأكثر قسوة الذي طالب به أوباما المفاوض الفلسطيني، هو التخلي عن الوحدة الفلسطينية، وذلك بفكّ الارتباط بين حماس وفتح . بعد الاتفاق الذي أثار جوًّا من الإيجابية والتفاؤل على المستويين الفلسطيني والعربي، لكن “إسرائيل” امتعضت منه وهددت بنسف عملية السلام طالما أن السلطة الفلسطينية في الضفة لا تتخلى عن الاتفاق مع حماس في غزة التي دمغتها “إسرائيل” ب”الإرهاب”، وهذا هو الشرط “الإسرائيلي” الثاني الذي تكرره قيادة أوباما .

أما الشرط الثالث فهو في منتهى الغرابة، حين أعلنت قيادة أوباما موقفها المنحاز الى “إسرائيل” على المستوى الدولي وعدم السماح بتهديد أمنها، وهذا الموقف لا جديد فيه، لكن الجديد في مواقف واشنطن هو إعلانها عدم السماح بتوجيه النقد إلى “إسرائيل” في المحافل الدولية، بمعنى عدم التعرض بالنقد حتى إلى أعمالها العدوانية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وتجاوزاتها على قواعد القانون الدولي، وهو الأمر الذي اتّخذ المجتمع الدولي موقفاً تنديدياً منه، لاسيما بعد العدوان “الإسرائيلي” على لبنان عام 2006 والعدوان على غزة في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009 واستمرار حصارها الجائر منذ نحو أربعة أعوام بحجة فوز حماس واستيلائها لاحقاً على السلطة في غزة .

ولا يعني مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف ب”إسرائيل” كدولة يهودية (نقية) سوى التنازل عن حقهم بالعودة طبقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام ،1948 فضلاً عن كونه افتئاتاً على الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، على المستويين الجماعي والفردي، لاسيما أن مثل هذا الاعتراف سيعني قبول الفلسطينيين بعملية التطهير العرقي ضدهم، لاسيما ضد السكان الذين ظلّوا يتمسكون بخيار البقاء على أرضهم، على الرغم من تأسيس الكيان الصهيوني وممارسته العنصرية، خصوصاً في مدن يافا وحيفا والناصرة والقدس وعكا وغيرها من الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها وتهجير سكانها من وطنهم، سواءً ما هو مشمول بقرار التقسيم لعام 1947 أو ما تجاوزت عليه “إسرائيل” لاحقاً .

إن حديث أوباما عن تبادل أراض، سيعني ضم مستوطنات يهودية في الضفة الغربية الى “إسرائيل” وإجلاء سكانها منها، والسؤال المطروح كيف يريد أوباما العودة الى عملية التفاوض في ظل هذه الأجواء والمعطيات؟

وإذا كان توحيد الجهد الفلسطيني باتجاه المصالحة والوحدة الوطنية أمراً حيوياً للتفاوض، فإن رفض الإدارة الأمريكية هذا التوجه، لكون حماس “منظمة إرهابية”، سيعني أن أي حل قد لا يحظى بموافقة القوى الوطنية الفلسطينية في الضفة والقطاع، وبالتالي لن يكون حلاً متكاملاً، أي أنه لا يصلح كحل سلمي راسخ، ولعل شرط الوحدة الفلسطينية منظوراً إليها معكوسة، أي قبول غالبية الشعب الفلسطيني بأي حل، سيعني نجاحه وليس العكس، وإلاّ فإن أي حل مهما كان إيجابياً سيكون ناقصاً ومبتوراً إن لم يحظَ بإجماع وطني فلسطيني، وستكون جميع المبادرات الدولية والإقليمية المطروحة، مجرد بالونات اختبار، وفي أحسن الأحوال لا تصل الى الهدف المنشود وهو إقرار حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس وعودة اللاجئين والاتفاق على العودة الى حدود عام 1967 .

إن مطالبة الرئيس الأمريكي بالاعتراف ب”إسرائيل” دولة نقية لليهود تعدّ مخالفة للقرارات والاتفاقيات الدولية بخصوص العنصرية والتمييز العنصري، وهي قرارات واتفاقيات شارعة، أي منشئة لقواعد قانونية جديدة أو مثبتة لها مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري 4 يناير/ كانون الثاني ،1969 ولقرارات المؤتمرات الدولية ضد العنصرية في أعوام 1978 و1983 و2001 وهذا الأخير عقد في ديربان (جنوب إفريقيا) ودان ممارسات “إسرائيل” ووصمها بالعنصرية .

كما تعتبر مطالبة أوباما بالاعتراف ب”إسرائيل” دولة يهودية نقية تجاوزاً على دستور الولايات المتحدة ذاته الذي يضع حداً فاصلاً بين الدين والدولة كما يذهب الى ذلك البروفيسور الفلسطيني المفكر محمد عبد العزيز ربيع في مقال نقدي بعنوان “أمريكا والقضية الفلسطينية”، ولا يمكن تصوّر وجود دولة في عالم الحداثة وما بعدها وفي ظل التطور الهائل في الاتصالات والمواصلات والثورة الرقمية “الديجيتال”، تقوم على عنصر أو عرق أو دين خالص أو نقي، لأن ذلك سيعني فيما يعنيه عنصرية واستعلائية هذه الدولة، التي يفترض فيها أن تقوم على المبادئ الدستورية العصرية، لاسيما مبادئ المواطنة التي تستند الى الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة، وهذه حقوق لا يمكن لأية دولة أن تلغيها أو تحجبها عن مواطنيها تحت أي ذريعة أو حجة .

أما بخصوص عدم السماح بنقد “إسرائيل” في المحافل الدولية، فذلك مخالفة لأبسط معايير حرية التعبير، لاسيما المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللشرعة الدولية، وللفكرة الديمقراطية أساساً، خصوصاً أنه سبق للمجتمع الدولي ولمنظمة الأمم المتحدة أن دمغا العقيدة الصهيونية التي تقوم عليها “إسرائيل” بالعنصرية بقرارها 3379 الصادر في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني عام ،1975 على الرغم من إلغائه في عام 1991 بسبب اختلال ميزان القوى الدولي، لكن العديد من الفعاليات والأنشطة الدولية الحكومية وغير الحكومية، لا تزال تعترف بكون “إسرائيل” سبباً أساسياً في خرق السلم والأمن الدوليين في الشرق الأوسط والتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني وممارسة سياسة عنصرية وعدوانية فكيف يمكن تكميم أفواه الرأي العام العالمي لمصلحة “إسرائيل” بمنع واشنطن انتقادها في المحافل الدولية؟

القضية الفلسطينية كانت تنام وتستيقظ، لاسيما في عهد جورج دبليو بوش الابن لنحو ثماني سنوات تقريباً، علماً بأن تلك الفترة شهدت أحداثاً جساماً، لاسيما انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 والحرب على لبنان عام 2006 والحرب على غزة عام 2008-،2009 وقد حاول بوش إحياء فكرة الدولتين، لكن الأمر سار بتعقيد أشد، خصوصاً في ظل ازدياد تعنّت “إسرائيل” وعدوانها وتهديداتها . واليوم وعلى الرغم من مرور نحو عقدين من الزمان على اتفاقيات مدريد - أوسلو فالطريق لا يزال غير سالك باتجاه الحل النهائي وإن كان بحدود الحد الأدنى . وإذا كان أوباما قد تعهد، لاسيما في خطاب القاهرة (يونيو/ حزيران 2009) ببذل جهود لوضع مشكلة الشرق الأوسط في الصدارة وإيجاد تسوية مناسبة لها، فإن جديده سيكون قديماً، وربما عودة الى المربع الأول، حتى إن بدا موضوع حدود عام 1967 تطوراً، لكنه يحتاج الى تذليل العقبات والتخلي عن الشروط المسبقة، لكي يكون طريق المفاوضات معبّداً، وخصوصاً بإزالة الألغام التي تعترض طريقه .

وإذا أراد الرئيس أوباما الوصول الى حل مُرضٍ بمعيار الحد الأدنى، فلا بدّ من إلغاء شروطه بشأن الاعتراف بالدولة اليهودية النقية، وبخصوص الوحدة الفلسطينية، ناهيكم عن إلغاء شرط عدم نقد الدولة “الإسرائيلية” في المحافل الدولية، وتهيئة مستلزمات الوصول الى اتفاق على حدود عام 1967 بعد معالجة المشاكل والعقبات التي تعترض طريق الحل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165818

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165818 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010