الخميس 23 حزيران (يونيو) 2011

بالأسماء والوقائع .. أهل التطبيع (الحلقة الرابعة عشر)

تحقيق وتوثيق : شفيق أحمد علي
الخميس 23 حزيران (يونيو) 2011

لم يحترم قرار زملائه بعدم التطبيع مع الصهاينة ورشح نفسه نقيباً للصحفيين فحصل على (223) صوتاً من أربعة آلاف صوت.

مبارك عينه نائباً في مجلس الشورى وعضواً في المجلس الأعلى للصحافة وعضواً في لجنة جمال مبارك، ولما لم يعينوه رئيساً لتحرير «الأهرام» انتقل إلى صفوف المعارضة.

ابنته تشكو لبريد «الأهرام» أن بعض زملائها يسيئون معاملة الطيور، وهو يسيء معاملة «أستاذه» ويسخر منه دفاعاً عن «إسرائيل».

وبسبب جلوسه مع نتنياهو في القاهرة : نقابة الصحفيين وجهت له «لفت نظر» عام 1997، ورغم ذلك سافر إلى «إسرائيل» عام 1999 ويفاخر بأنه عضو مؤسس في «سبوبة» التطبيع المسماه (جمعية القاهرة للسلام).

[**أسامة الغزالي حرب يدافع عن يهودية القدس والتوراة تكذبه*]

وقت كتابة هذا التحقيق، كان الدكتور أسامة الغزالي حرب له «تسع» صفات.

أولها: أنه كان عضواً بارزاً في حزب الحكومة المسمى زوراً بالحزب الوطني «الديمقراطي» .. وعضواً قيادياً في أهم لجان ذلك الحزب الحاكم الجاثم على صدورنا منذ ثلاثين عاماً من فرط الديمقراطية .. وهي اللجنة «الملاكي» لنجل الرئيس مبارك المعروفة باسم (لجنة السياسات) والذي عينه والده رئيساً لها فور إنشائها إمعاناً في الديمقراطية .. وذلك طبعاً، قبل أن يعلن الدكتور أسامة أخيراً استقالته من هذا الحزب الحاكم كله، وينتقل إلى صفوف المعارضة، في أعقاب عدم تعيينه رئيساً لتحرير جريدة «الأهرام»، أو رئيساً لمجلس إدارتها، قبل أن يذهب المنصب إلى منافسه الدكتور عبد المنعم سعيد، المدافع الصنديد عن حكم رجال الأعمال والأنجال مهما كان زاخراً بالفساد والاحتيال، وأشهر مقاولي التطبيع والتجويع في مصر.

وطبعاً أيضاً، راعت الحكومة العيش والملح، ولم تنس دفاع الدكتور أسامة زمان عنها ومنحته بعد الاستقالة «مكافأة نهاية خدمة» .. تمثلت في موافقتها السريعة على أن ينشئ لنفسه ولأصدقائه ومعارفه، حزباً خصوصياً، أسماه (حزب الجبهة) وهو الحزب الذي يرأسه الدكتور أسامة حالياً، ويضم في رئاسته ولجانه القيادية، الكثير من أفراد عائلته بمن فيهم السيدة «حرمه» .. علماً أن الحكومة تمنح كل حزب في مصر «نفحة» مالية سنوية تسميها دعماً، حكومياً، ومن فرط الشفافية لا تعلن الحكومة ولا الأحزاب عن قيمته، ولهذا يقول البعض إنه نصف مليون جنيه سنوياً، وبعضهم الآخر يقول إنه يزيد على ذلك بكثير.

لحظة من فضلك : نعود إلى ما بدأناه .. نعود إلى الصفات التسع التي كان الدكتور أسامة الغزالي حرب يتمتع بها وقت البداية في كتابة هذا التحقيق..

وثانيها، هي رئاسته لتحرير مجلة «السياسة الدولية» التي تصدر عن مؤسسة «الأهرام». وثالثها : هو أنه أيضاً، عضو «محصن» .. أقصد، عضو «معين» في مجلس الشورى، بقرار جمهوري من الرئيس محمد حسني السيد إبراهيم مبارك، شأنه في ذلك شأن زميله، المحصن أيضاً بقرار جمهوري، في نفس مجلس الشورى، النائب الهارب ممدوح إسماعيل صاحب السفينة، أو صاحب «العبارة» الشهيرة التي غرقت في مياه البحر الأحمر وعلى ظهرها أكثر من ألف مصري .. ومازال سيادته حتى الآن حراً طليقاً في لندن.

ورابعها : هو أنه أيضاً، عضو «معين» في المجلس الأعلى للصحافة .. ليس بصفته رئيساً لتحرير مجلة «السياسة الدولية»، وإنما بصفته أحد (الشخصيات العامة) والمهمة جداً .. بل وسمعته بنفسي يصف نفسه بذلك في ندوة عقدت بجامعة القاهرة في الثامن من ديسمبر عام 1997 وقال فيها بنص تعبيره إنه (قريب ومؤثر ومشارك في صنع القرار الرسمي في مصر)، هكذا نصاً.

وخامسها : هو أنه أيضاً، عضو مؤسس في «سبوبة» المطبعين والمتصهينين المصريين المسماه (جمعية القاهرة للسلام).

وسادسها : هو أنه أيضاً، عضو نقابة الصحفيين المصريين التي سبق أن قررت جمعيتها العمومية عدم التطبيع مع العدو الصهيوني، وطالبت كل أعضائها الالتزام بهذا القرار، وإلا سوف تتم إحالتهم إلى التحقيق.

وسابعها : هو أنه أيضاً، من فرط إيمانه الشديد بالديمقراطية، وكعضو قيادي في الحزب الوطني (الديمقراطي) جداً .. تناسى أن أبسط قواعد هذه الديمقراطية، هي أن تلتزم الأقلية في سلوكها بقرار الأغلبية، أي بقرار جموع الصحفيين، حتى لو كان هذا القرار مخالفاً لرأي الأقلية التي منها الدكتور أسامة حرب وغيره من أبواق وسماسرة التطبيع مع العدو الصهيوني .. لكن الدكتور أسامة تناسى كل ذلك، وأصبح واحداً من أشهر الصحفيين «المطبعين» الذين لم يحترموا قرارات الجمعية العمومية لنقابتهم ولم يلتزموا بها، مثلما سنرى بعد قليل.

وثامنها، أي ثامن صفات الدكتور أسامة الغزالي حرب وقت كتابة هذا التحقيق وحتى الآن هي أنه أيضاً واحد من «القلائل» الذين انعقد من أجلهم مجلس نقابة الصحفيين في جلسة تاريخية شهيرة انعقدت في 21 مارس عام 1997 برئاسة نقيب الصحفيين وقتها الأستاذ إبراهيم نافع وقرر المجلس في هذه الجلسة بالإجماع أن يوقع على الدكتور أسامة عقوبة (لفت النظر) هو والدكتور طه عبد العليم، والدكتورة هالة مصطفى، وعبد الستار الطويلة، وشوقي السيد، ومحمد علي إبراهيم، بسبب مخالفتهم لقرار النقابة بعدم التطبيع مع الصهاينة، واجتماعهم مع بنيامين ناتنياهو، وكان وقتها رئيساً لوزراء «إسرائيل»، أثناء إحدى زياراته إلى القاهرة .. وجرى هذا الاجتماع طبعاً بالمخالفة لقرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين التي تمنع على أعضائها المشاركة في مثل هذه الاجتماعات، والتي تلزم كل أعضائها بالامتناع عن كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني .. ورغم ذلك يكتفي بجلوسه مع نتنياهو في القاهرة، ولم يكترث بـ (لفت النظر) الذي وجهه له مجلس النقابة عام 1997، وسافر إلى الكيان الصهيوني الغاصب المسمى «إسرائيل» عام 1999.

وتاسع هذه الصفات هي أن الدكتور أسامة تناسى كل ما سبق، ورشح نفسه نقيباً للصحفيين المصريين في انتخابات عام 2005 فعاقبه الصحفيون وأسقطوه سقوطاً مدوياً، حيث لم يحصل إلا على (223) صوتاً من أصل (4414) صحفياً .. نعم، أربعة آلاف وأربعمئة وأربعة عشر صحفياً مصرياً، هم مجموع من كان لهم حق التصويت يومها من أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين المصريين الذين لم يخجل الدكتور أسامة حرب من نفسه وهو يناشدهم أن ينتخبوه، رغم أنه لم يلتزم بقرارهم، ولم يحترم إرادتهم بعدم التطبيع مع المجرمين الصهاينة .. قبل عودة الحقوق العربية المغتصبة!

لحظة من فضلك: فاتني أن أذكر في البداية أن هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن الدكتور أسامة حرب وعن انتهاكه لقرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بعدم التطبيع مع الصهاينة القتلة، وأن هذه ليست المرة الأولى أيضاً التي أذكر فيها أن له في أرشيفي المهني «ملفاً» منتفخاً بالمقالات والوثائق والقصاصات، من بينها وثيقتان غاية في الدلالة .. واحدة ترقد في ملف الدكتور أسامة بنقابة الصحفيين، والأخرى ترقد في ملف منافسه في لجنة السياسات، دكتور عبد المنعم سعيد أشهر مقاولي التطبيع والتجويع في مصر .. هذه الوثيقة المفاجأة، تحمل «معلومة» موثقة، لا أظن أن الدكتور أسامة كان يعرفها قبل قراءة هذه السطور .. ولا أظن أن هذه المعلومة كان يعرفها أحداً سوى أعضاء مجلس نقابة الصحفيين المصريين، الذين حضوراً الاجتماع الذي عقدوه في 23 فبراير/ شباط عام 1997، هذه المعلومة تقول إن «مسودة» البيان الذي صدر يومها عن ذلك الاجتماع برئاسة الأستاذ إبراهيم نافع، نقيب الصحفيين وقتها، والذي قال فيه المجلس نصاً إنه : (سيقف بكل حزم أمام محاولات انتهاك قرارات الجمعية العمومية للنقابة بعدم التطبيع مع «إسرائيل») .. والذي قال فيه المجلس أيضاً إنه قرر (توقيع عقوبة لفت النظر، على كل من لطفي الخولي، ودكتور عبد المنعم سعيد، لانتهاكهما قرارات الجمعية العمومية للنقابة الخاصة بعدم التطبيع مع «إسرائيل») .. هذا البيان مسودته المنشورة صورتها مع هذه السطور، مكتوبة بخط يد الأستاذ إبراهيم نافع شخصياً، أي بخط الرجل الذي سمعت الدكتور أسامة في إحدى ندواته الانتخابية وقتها، يقول إنه رشح نفسه نزولاً عند رغبته، أي نزولاً عند رغبة الأستاذ إبراهيم نافع .. وتقول نفس المسودة بالحرف الواحد : (ناقش مجلس نقابة الصحفيين في اجتماعه يوم 23 فبراير عام 1997 برئاسة الأستاذ إبراهيم نافع نقيب الصحفيين، توقيع عدد من المثقفين المصريين على «إعلان كوبنهاغن» الذي يؤسس لتحالف دولي «إسرائيلي» عربي، متجاهلاً أسس التسوية السلمية التي تضمن استرداد جميع الأراضي والحقوق العربية والفلسطينية المغتصبة، كشرط لا غنى عنه لإقرار السلام الشامل والعادل والدائم في المنطقة .. ويعلن مجلس النقابة أن الزملاء الصحفيين الذين ساهموا في هذه المحادثات لا يمثلون نقابة الصحفيين وتوجهاتها، أو مسيرتها العربية، ويؤكد المجلس أنه سوف يقف بكل حزم أمام محاولات انتهاك قرارات الجمعيات العمومية للنقابة بعدم التطبيع مع «إسرائيل»، حتى يتم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والحصول على جميع الحقوق العربية المشروعة .. وقد قرر المجلس لفت نظر الزميلين لطفي الخولي ودكتور عبد المنعم سعيد اللذين اشتركا في محادثات «إعلان كوبنهاغن»، ويطالبهما بالتوقف عن أي أعمال تعتبر من قبيل انتهاك قرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين في هذا الصدد .. كما قرر المجلس أيضاً، تكليف لجان المتابعة والشؤون العربية والثقافية، بعرض تقارير على المجلس عن الزملاء الذين يخرجون على قرارات الجمعية العمومية ذات الصلة).

والأفدح والأفضح هو أن أول تقرير قدمته لجنة المتابعة المذكورة لمجلس النقابة، وفقاً للمستند المنشور مع هذه السطور، جاء به أن دكتور أسامة الغزالي حرب، في مقدمة المدافعين عن تورط دكتور عبد المنعم سعيد في التطبيع، ولأن عبد المنعم سعيد بالذات على رأسه (ريشة) .. فلم يجرؤ مجلس النقابة حتى الآن على محاسبته لانتهاكه الدائم لقرارات النقابة، بعدم التطبيع مع المحتلين الصهاينة .. قتلة النساء والأطفال.

لحظة من فضلك: على ذكر الطفولة والأطفال .. الدكتور أسامة حرب له ابنة اسمها «نورا» كانت، وقت كتابة هذه السطور، تلميذة في الصف الثالث الإعدادي .. ونورا حفظها الله من كل سوء هي فيما يبدو نسمة من العطر والرقة والحس الإنساني .. نورا ترفض أن نتعامل مع الطيور أو البشر أو الحيوانات بشكل عدواني .. لهذا كتبت نورا رسالة رقيقة مثلها ونشرها لها «بريد الأهرام» في الخامس من إبريل عام 1998 قالت فيها حرفياً : (في يوم الجمعة الموافق20/3/1998 ذهبت مع فريق نادي الزهور إلى نادي الشمس، للمشاركة في بطولة للباتيناج، وهناك كانت الكتاكيت الصغيرة تباع في سوق بالنادي، فاشترى بعض الأطفال كتاكيت لا يعرفون كيفية تربيتها، ولكنهم يعرفون كيفية الإساءة إليها) .. وبعد أن سردت «نورا» في رسالتها الحزينة بعض صور الإساءة والقسوة التي تعرض لها الكتكوت الصغير على أيدي بعض أطفال النادي، تساءلت نورا في حزن ومرارة : (من المسؤول عن تربية هؤلاء الأطفال الذين يتعاملون مع الطيور والحيوانات على هذا النحو اللا إنساني؟). نورا، كما هو واضح، زهرة معجونة بالحس والنور والعطف الرباني .. زهرة، كما هو واضح، تكره أن يقسو أحدنا على الآخر أو يسيء إليه .. فما بالها إذاً، لو عرفت أن والدها الدكتور أسامة حرب قسا على «أستاذه» وأساء إليه وإلى كل العرب والمسلمين في وقت واحد من أجل عيون الصهاينة والمتصهينين؟!

ما بالها لو عرفت أن والدها «الدكتور» أسامة حرب، باسم العقلانية والواقعية إياها، يدعو إلى قتل الحس وخنق المشاعر .. بل واتهم «أستاذه» علناً، واتهم معه كل الرافضين للتطبيع مع الصهاينة بـ (تخدير المشاعر واجترار التاريخ). نعم هكذا بالحرف : (تخدير المشاعر واجترار التاريخ) .. وكأننا يجب أن نعيش بلا مشاعر، وبلا تاريخ .. كيف؟

في الثامن من ديسمبر سنة 1977، وهو بالمناسبة ذكرى اندلاع انتفاضة أطفال الحجارة في فلسطين، وأثناء إحدى الندوات التي عقدت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة .. وبعد أن انتهى الدكتور إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس، من حديثه عن الموقف «الإسرائيلي» من القدس، وبعد أن انتهى المرحوم الدكتور أحمد صدقي الدجاني من حديثه عن الحق التاريخي (للعرب وللمسلمين) في القدس .. جاء دور الدكتور أسامة الغزالي حرب كمعقب، فوصف ما قاله الدكتور الدجاني بأنه (كلام تاريخي قديم، يقوم على الشحن العاطفي وتخدير المشاعر). ثم زاد «الطين بلّةً» وقال صراحة وفقاً لأقواله المنشورة على صفحات مجلة «روز اليوسف» في 22/12/1997 وكذلك على صفحات جريدة «الأهرام» في 27/12/1997 ما نصه : (الارتباط العاطفي اليهودي بالقدس حقيقة تاريخية، والوجود اليهودي بالقدس على مر التاريخ حقيقة ثابتة، ويجب علينا أن نعترف بهذه الحقيقة في شجاعة، إذا أردنا الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية).

وعلى الفور، رد عليه الدكتور صدقي الدجاني قائلاً : (أنا عجبت لموقف الدكتور الغزالي الذي رفض استشهادي بالتاريخ عند الحديث عن الحق العربي في القدس، ثم إذا به الآن يستشهد بالتاريخ عند حديثه عن الحق اليهودي في القدس أيضاً .. الدكتور الغزالي مع استخدام التاريخ في البحث السياسي أم ضده؟).

وقتها : وبعد أن تناقلت الصحف ما قاله الدكتور الغزالي بالنقد والاستهجان .. وبعد أن أحس بفداحة الإساءة التي ارتكبها في حق نفسه وفي حق أستاذه الدكتور صدقي الدجاني .. تراجع على صفحات مجلة «روز اليوسف» في 23/12/1997 وقال نصاً : (أعترف أنني قسوت على أستاذي الفاضل الدكتور أحمد صدقي الدجاني، عندما تحدثت عن المنهج القديم في تناول القضية الفلسطينية، وعن أنه ينبغي ألا تكون وظيفة المثقفين حشد الحماس وتخدير المشاعر) .. ووقتها أيضاً : أعادت لي ذاكرتي عبارة دامغة وموحية، كنت قد قرأتها «للأستاذ» الحقيقي والكاتب المحترم محمد حسنين هيكل في كتابه المهم «المفاوضات السرية بين العرب و«إسرائيل»» تقول بالحرف : (الاهتمام بالسياسة فكراً أو عملاً، يقتضي قراءة التاريخ أولاً، لأن الذين لا يعرفون ما حدث قبل أن يولدوا، محكوم عليهم أن يظلوا أطفالاً طوال عمرهم).

لحظة من فضلك : للدكتور أسامة الغزالي حرب الحق في أن يكون بوقاً، يروج لدعاوى الصهاينة عن حقهم التاريخي في القدس كما يشاء .. وللدكتور أسامة الغزالي حرب الحق في أن يدلل على صحة هذه الدعاوى الصهيونية، بالقول إن كلمة أورشليم أي القدس مذكورة في التوراة (680) مرة، مثلما قال في دفاعه عن نفسه على صفحات «الأهرام» في 27/12/ 1997، ولكن من حقنا أيضاً أن نسأله : (هل راجعت بنفسك يا دكتور كتاب «التوراة» وأحصيت عدد المرات التي وردت فيها كلمة أورشليم في كل أسفار التوراة التي هي 29 سفراً كما تعلم؟). بالقطع لا .. ليس فقط لأن هذه المعلومة غير صحيحة .. وليس فقط لأنك ترددها نقلاً عن (الحاخام) يوسف بورغ وزير داخلية «إسرائيل» الأسبق الذي قالها في مؤتمر صحفي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، أثناء مباحثات كامب ديفيد .. وإنما لأنك يا دكتور أسامة لو رجعت حقاً إلى «التوراة» لعرفت بالفعل أن سفر (التكوين) أقدم أسفار التوراة، يطلق على سكان فلسطين اسم الكنعانيين .. ولعرفت أيضاً أن سفر التكوين قال إن «الكنعانيين» جاؤوا من الجزيرة العربية عام 2500 قبل الميلاد .. وأظنك تعلم جيداً أن فلسطين في التاريخ القديم وحتى عام 1200 قبل الميلاد كانت تسمى «أرض كنعان» .. وفي الإصحاح الثالث والعشرين من سفر التكوين عاد كتاب «التوراة» وأطلق على أرض كنعان اسم (أرض فلسطين) .. وهو ما يعني أن التوراة تقول بوضوح وبشكل لا يحتمل أي غموض أن الكنعانيين أولاً، والفلسطينيين ثانياً، هما فقط الجنسان اللذان كانا في فلسطين منذ أقدم عصور التاريخ .. وكل ما عداهما ليس له أي صلة (تاريخية) بفلسطين .. هذه واحدة.

أما الثانية : فها هو سفر (يسوع) في الإصحاح التاسع، يقول صراحة إن قبائل اليهود الذين كانوا يهيمون في الصحراء اصطدم غزوهم لفلسطين بأعمال البطولة التي اتصف بها الفلسطينيون .. (وهذه البطولة قصمت ظهر بني إسرائيل).

وفي الإصحاح الرابع من سفر (صموئيل) عادت التوراة واعترفت ثانياً، وبعبارات أكثر صراحة ببسالة الفلسطينيين قائلة (واصطف الفلسطينيون لقاء «إسرائيل» واشتبكت الحرب، فانكسر بنو إسرائيل أمام الفلسطينيين).

وفي موضع آخر من نفس السفر، قالت التوراة أيضاً ما نصه : (فحارب الفلسطينيون، وانكسر بنو إسرائيل وهربوا، كل واحد منهم إلى خيمته، وكانت الضربة عظيمة جداً، وسقط من بني إسرائيل ثلاثون ألف رجل وأخذ الفلسطينيون تابوت الرب).

وباعتراف التوراة : (نقل الفلسطينيون «تابوت الرب» وجاؤوا به إلى مدينتهم أشدود) وهو ما يعني أن مدن أشدود وعسقلون وعفرون وغزة، وغيرها من المدن التي جاءت في سفر صموئيل الأول، كانت مدناً فلسطينية وتقع في حوزة الفلسطينيين، وتخضع لسيطرتهم .. وباعتراف التوراة أيضاً في السفر نفسه : (انتقل «تابوت الرب» من مدينة إلى أخرى لمدة سبعة شهور، حتى اضطر الفلسطينيون في النهاية، إلى دعوة الكهنة والعرافين ويسألونهم قائلين : ماذا نعمل بتابوت الرب؟).

وباعتراف التوراة أيضاً في سفر صموئيل نفسه، (قتل الفلسطينيون شاؤل ملك بني إسرائيل وأبناءه الثلاثة وتحقق النصر النهائي للفلسطينيين) .. وقال نفس السفر إن (بني إسرائيل الذين في عبر الوادي والذين في عبر الأردن، حينما رأوا أن رجال إسرائيل قد هربوا وأن ملكهم شاؤل وبنيه قد ماتوا، تركوا المدن وهربوا .. وقطع الفلسطينيون رأس شاؤل وأرسلوه إلى كل جهة في فلسطين)!

هذا هو باختصار، بعض ما يقوله كتاب التوراة : الفلسطينيون هم «أهل الأرض» .. واليهود هم «الغزاة» .. وحتى الكيان الذي حاول اليهود إقامته بالقوة على أرض فلسطين زمان، والذي لم يستمر سوى سبعين عاماً فقط، في عهدي داوود وسليمان .. حتى هذا الكيان، لم يكن كياناً مستقلاً، بل كان خاضعاً لفرعون مصر، وكانت السيادة عليه (لمصر الفرعونية).

ومن لا يصدق : يستطيع أن يرى ذلك منقوشاً على جدران معبد الكرنك بالأقصر .. أو أن يقرأه على لسان العالم والمؤرخ الشهير «هنري بريستيد» في كتابه المهم «تاريخ مصر من أقدم العصور» .. أو أن يعود إلى التوراة نفسها، ويقرأ في سفر الملوك، كيف زحف فرعون مصر على مملكة يهودا، ودخل أورشليم، وأخضعها هي وكل مدن «فلسطين» إلى حكمه .. والأكثر، هو أن التوراة تعترف أيضاً في سفر الملوك الثاني بأن «قورش» ملك الفرس، حينما هزم ملك بابل، وسمح لليهود بالعودة إلى فلسطين ليكونوا عوناً له على غزو مصر، رفض معظم اليهود العودة إلى ما يسمونه الآن بأرض الأجداد (إذ لا صلة لليهود بأرض فلسطين)، هكذا نصاً تقول التوراة في سفر الملوك الثاني.

آخر سطر : للدكتور أسامه الغزالي حرب ولأمثاله من سماسرة التطبيع، الحق في أن يجلسوا مع نتنياهو كما يشاؤون، وأن يدافعوا عن مصالحهم وعن مواقعهم بالطريقة التي يرونها .. وللدكتور أسامة حرب هو وأمثاله من أبواق التطبيع، الحق في أن يكافئوا العدو الصهيوني بالتطبيع «مقدماً» قبل عودة الحقوق العربية المغتصبة .. ولكن من حق أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين أيضاً، أن يدافعوا عن نقابتهم ضد «التصهين» وضد الأمركة .. لهذا أسقطناه سقوطاً مدوياً حينما رشح نفسه نقيباً للصحفيين.

[**التوراة تنفي أي علاقة لليهود بالقدس*]

أما صلة اليهود بمدينة «القدس» بالذات، والتي كانت تعرف قديماً باسم مدينة «يبوس» ثم باسم مدينة «أورشليم» .. فها هو أيضاً كتاب «التوراة» في الإصحاح التاسع عشر من سفر «القضاة» ..

يروي قصة رجل من بني إسرائيل اقترب من مدينة «يبوس» التي هي مدينة القدس حالياً، ومعه غلامه وحماره قائلاً بالحرف : (وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جداً، قال الغلام لسيدة تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها .. فقال له سيده : لا نميل إلى مدينة غريبة، ليس فيها أحد من بني إسرائيل). هذه هي حقيقة الحق «التاريخي» لليهود في مدينة القدس، بشهادة «التوراة» في سفر القضاة : (مدينة غريبة، ليس فيها أحد من بني إسرائيل).

هذه هي حقيقة الحق التاريخي لليهود في مدينة القدس الذي يقول الدكتور أسامة حرب إننا يجب أن نعترف به (إذا أردنا الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية) .. وإذا لم نعترف به يا دكتور؟ نضرب رؤوسنا طبعاً في حائط الذل والمهانة. هل رأيتم أكثر من ذلك تضليلاً، أو استكانة؟!

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية، وينشر بترتيب مع وكالة «الأهرام» للصحافة.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2176541

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2176541 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40