الأربعاء 22 حزيران (يونيو) 2011

صارت فلسطين أقرب

الأربعاء 22 حزيران (يونيو) 2011 par الياس سحاب

مع أننا ما زلنا في منتصف العام 2011، فقد أصبح جليا أن هذا العام (الثالث والستين على النكبة، والرابع والاربعين على النكسة)، قد حمل إلينا بشائر، الى جانب المشاعر، بأن فلسطين التي طالما بدت بعيدة حتى الاستحالة، قد أصبحت على مدى زمني سياسي وعاطفي أقرب من أي وقت مضى.

والحقيقة ان المسافة بيننا وبين فلسطين، كانت وما زالت تقاس بمدى المسافة بين الشعوب العربية وحكامها: كلما وجد حكام عرب أقرب الى شعوبهم، تبدو فلسطين أقرب، وكلما ابتعد الحكام العرب عن شعوبهم، بدت فلسطين أبعد.

ولو عدنا الى بدايات القضية الفلسطينية، زمن النكبة، لبدا لنا ذلك التناقض الصارخ بين إرادة الشعوب العربية، كما كانت تعبر عنها جحافل المناضلين في سبيل فلسطين، القادمين اليها سيرا على الأقدام من بلاد المغرب العربي.

وإرادة الحكام العرب، كما كان يعبر عنها قرارهم بتسليم قيادة فلول الجحافل العربية الذاهبة شكلا للقتال في فلسطين، الى الضابط البريطاني غلوب باشا، الذي ما كان يمكنه إلا ان يكون جنديا مطيعا في مخطط دولته بريطانيا على مدى ثلاثين عاما (1918-1948) لإقامة دولة الكيان الصهيوني، على أنقاض فلسطين، بعد تشريد شعبها.

ولا بد من الاشارة، في هذا المشهد التاريخي الفاجع في العام 1948، الى ان مجموع الجحافل العربية المقاتلة، المبعثرة الصفوف، والموضوعة بتسليح متخلف تحت قيادة الضابط الاستعماري البريطاني، كان يفترض فيها وعديدها لا يتجاوز الستين الفا، مشتتة مبعثرة، أن «تقاتل» جيشا صهيونيا موحدا يربو عدده على مئة الف مقاتل مدرب تدريبا عاليا في صفوف قوات الحلفاء، ومسلح بأحدث أنواع الاسلحة والذخائر، في ذلك العصر.

كان طبيعيا إذاً، ان يكون سوء الاداء صورة عن غياب الارادة السياسية لدى الحكام، وفجيعة تاريخية للارادة السياسية للشعوب العربية كلها، مما أسقط اسم «النكبة» على ذلك المشهد التاريخي الفاجع.

لكننا مع تبدلات واضحة ومحدودة في مسيرة تشابه وتناقض الارادة السياسية بين الشعوب العربية وحكامهم، نرى أن الغلبة كانت دائما للتناقض، لا للتشابه.

من الطبيعي أن نذكر انه على امتداد السنوات الثلاث والستين (ثلثا قرن) التي مرت على النكبة، فإن الوطن العربي لم يشهد أبشع من المرحلة التي غطت العقود الثلاثة الاخيرة.

فيما كان طيف فلسطين يقترب أو يبتعد، بين مرحلة واخرى، فإن فلسطين أخذت تبدو أشد ما تكون ابتعادا، الى حدود اقترابها من التصفية التاريخية النهائية، بعد انكشاف أوهام اوسلو تحت ضغط شراهة الاستيطان والتهويد من جهة، وضغط نفوذ الاستعمار الاميركي الامبراطوري، من وراء شراهة وشراسة الحركة الصهيونية.

في السنوات الاخيرة بالذات، أصبحت فلسطين تبدو كأنها تبتعد في الأفق التاريخي الى درجة قرب حلول هيكل سليمان في موقع المسجد الاقصى، حتى جاء التحرك الشعبي العربي مع مطلع العام الحالي، يزيح الحكام المستبدين، واحدا إثر الآخر، ويعلن ولادة عصر المواطنين العرب الذين يتحكمون بمصيرهم ومصير بلادهم، بدل الحكام المستبدين.

التحرك ما زال في بداياته، والمصاعب تبدو أكثر من المغانم، لكن المؤكد، منذ الآن، أن عصراً كان فيه الحكام العرب يذهبون في التناقض مع الارادة السياسية لشعوبهم في قضية فلسطين، وقضايا المصير الاخرى، الى المدى الذي ذهب اليه الحكام العرب في العام 1948، قد ولى الى غير رجعة.

ويبدو ان هذا بالضبط ما شعرت به الجماهير العربية المحيطة بفلسطين في ذكرى النكبة وذكرى النكسة في هذا العام، فتسلل ذلك الشاب الفلسطيني الذي لم يبلغ الثلاثين من عمره، عبر الجولان المحتل الى مدينة والده وجده، الى يافا، بكل بساطة وعفوية وشجاعة.

إنها صورة رمزية حتى الآن، لكن فلسطين أصبحت تبدو أقرب، الى هذا الحد. هكذا تقول التحولات السياسية والاجتماعية التاريخية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2165350

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165350 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010