الأربعاء 22 حزيران (يونيو) 2011

أسطول الحرية على وشك الإقلاع

الأربعاء 22 حزيران (يونيو) 2011 par د. نهلة الشهال

مع نهاية الشهر الجاري، تصل السفن الاثنتا عشرة التي تمثل العالم بأسره الى ميناء غزة، حاملة معها مئات «الركاب»، نواباً أوروبيين وشخصيات عالمية وكتاباً وصحافيين، ومسؤولين نقابيين ومناضلين... رجالاً ونساء، بعضهم أشقر بعيون زرقاء باهتة، وبعضهم الآخر أسمر يمثل ما يقال له «الجنوب» ـ وهو أغلبية العالم. مناضلات بعضهن يرتدي «الشورت» وبعضهن الآخر الحجاب. بعضهن أمهات. يدركن كل المصاعب والأخطار. تقول واحدة منهن إنها جهزت من الطعام لأبنائها الثلاثة ما يكفي لفترة غيابها. وتستدرك أن زوجها وعدها بالتكفل بالأمر ولكنها فضلت الاطمئنان. يا لإصرار النساء، وشجاعتهن وصبرهن وشعورهن بالمسؤولية! يا لاقتدارهن!

وإن لم تصل السفن الى غزة، فلأن البحرية «الاسرائيلية» تكون قد اعترضتها وأوقفتها. وهو ما تعد السلطات «الاسرائيلية» علناً بارتكابه. سيحدث ذلك خلال الايام الاخيرة من حزيران، فترقبوه. ومن المعلومات المتوفرة من مصادر المناضلين «الاسرائيليين» المناهضين للصهيونية، أن هناك مجلس حرب منعقداً في تل أبيب دائما، وأنهم يناقشون يومياً وبتوتر شديد كيفية إيقاف الاسطول، مع أقل قدر ممكن من سفك الدماء، لتجنب تكرار فضيحة/جريمة العام الفائت بخصوص السفينة التركية مرمرة. هذا العام، لا سفينة لـ «إرهابيين» آتين من بلد عربي أو إسلامي. كل السفن تحمل أعلاماً أوروبية وتنطلق من موانئ أوروبية. وهناك سفينة أميركية شمالية، نصف كندية ونصف «ولايات متحدة». وستقوم السلطات الرسمية في الموانئ المعنية بتفتيش كل السفن وإعطائها شهادة بخلوها من أي ممنوعات. بل أرسلت الهيئة الدولية المنظمة للاسطول رسالة الى السيد بان كي مون، تدعو فيها الامم المتحدة لتفتيش السفن.

فعلام الهستيريا «الاسرائيلية» إذاً؟ وعلام استنفار ما يسمونه «الجاليات اليهودية» في أوروبا وبالاخص أكبرها، تلك الفرنسية، بينما على السفن ممثلون عن منظمات يهودية مناهضة للصهيونية، من الولايات المتحدة ومن عدة بلدان أوروبية، ما يشير الى مقدار التزوير الذي ترتكبه «اسرائيل»، إذ تصادر النطق باسم يهود العالم. وهي تدفع بعض منظماتهم الى ارتكاب حماقات على الانترنت من قبيل نشر أسماء الذين ساندوا أسطول الحرية تحت عنوان مثير للضحك: «مبيدو اليهود الجدد». والحق أنها ممارسة خطرة بحق اليهود في العالم، أنفسهم، حيث يُربط مصيرهم بمصير «اسرائيل»، هذه التي تعلن اليوم إفلاسها السياسي وتكتفي من الوجود بمزيد من العدوان والقمع، وهي علامات النهاية. وتعرف القيادة «الاسرائيلية» ذلك جيداً. تعرف أنها ترتكب كل يوم ما يقربها من الانتحار، وهي تخطط فحسب لجعله جماعياً وكارثياً، بما يتجاوز مجرد النهاية السياسية. وهي تعرف أن الاغلبية الساحقة من «الاسرائيليين» قد عملوا في السنوات الماضية على استعادة جنسياتهم الأصلية، الأوروبية، خصوصاً أن من هو قادر مالياً منهم يشتري شقة، ولو من غرفة واحدة، في مالطا وقبرص وكريت... أي مأوى للهرب.

ومن المثير للضحك بالمقدار نفسه أن «اسرائيل» دفعت الامين العام للأمم المتحدة، والرئيس أوباما نفسه الى اتخاذ مواقف علنية تدين هذه «المبادرة» التي تأتي في غير وقتها، بحجة انتظار ما ستسفر عنه ضغوطهم لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين و«الاسرائيليين». وهذا تزوير لا يقل عن ذاك «الاسرائيلي». فما دخلنا بالمفاوضات يا قوم، استؤنفت أم لم تستأنف؟ وهل طلب مرة من «اسرائيل» التوقف عن الوجود بحجة مشابهة؟ هذه مبادرة تضامنية عالمية مع فلسطين وتهدف لإدانة الحصار المفروض على غزة والمتسبب بكوارث طويلة المدى، وهي تسعى لكسره رمزياً. وأما القول بأن الاسطول يتسبب برفع «منسوب التوتر في المنطقة» فمحاجة خرقاء، لأن التوتر قائم بسبب الارتكابات «الاسرائيلية». وهذه حجة تشبه من يقول لرهائن في يد مجرم، لا تقاوموه إذ يغتصب الأم أمام أولادها، حتى لا يقتل الاولاد علاوة على الاغتصاب. إنه تعبير عن العجز المطلق، وعن جبن لافت للنظر، لأنه يتجاوز حدود التواطؤ السياسي، أو حتى الشراكة في المصالح. فمثل هذا المسلك يخرب الحد الادنى من استمرار بقاء قواعد الحد الأدنى في السلوك لتنظم العيش المشترك في العالم. صحيح أن واشنطن والغرب يرتكبون كل أنواع الحروب والاستغلال، ولكن «اسرائيل» ترفض الانصياع حتى الى قرارات الامم المتحدة. انها تقول «لا» فحسب، وتستمر في انطلاقتها. وهذا هو الجنون الانتحاري بعينه.

ولكن أهمية أسطول الحرية الثاني الى غزة هذا، المنطلق بعد أيام، هو كيفية تحقيقه. لقد جرى جمع تبرعات من الناس في حملات عامة شاركت فيها تنسيقيات تشمل جمعيات وأحزاباً ونقابات ليس من عادتها إطلاق حملات مشتركة بهذا الحجم وهذا المدى الزمني. في فرنسا مثلا، جمع أكثر من ستمئة الف يورو على مدى ما يقرب من العام، أكثر من تسعين بالمئة منها تبرع بها مواطنون فقراء، لأن قيمة التبرع لا تتجاوز العشرين يورو. فقالت لهم الهيئة المنظمة إنهم جميعاً مالكون لهذه السفن، وأنهم، وإن لم يبحروا عليها، فإن عيونهم وقلوبهم تحتضنها. وفي اليونان، حيث الحالة السياسية أكثر ثورية بكثير منها ربما في أي مكان آخر من العالم، انضم الى فرق العمل من أجل الاسطول بحارة الموانئ وغطاسوها وحمالتها، متبرعين بجهودهم، بما فيها حماية السفن أثناء رسوها، وتجهيزها وقيادتها. ويقول البعض بعد ذلك إن الالتزام النضالي «موضة» قديمة! كان ينبغي رؤية آلاف الشبيبة الذين وفدوا من كل أرجاء البلاد الى مرفأ مرسيليا خلال عطلة الاسبوع الفائت، للاحتفال الرمزي بإبحار السفينة الفرنسية. لقد جرى بواسطة هذه الحملة تجديد الحركة المتضامنة مع نضال الشعب الفلسطيني: تجديد أجيالها، وتجديد أدوات عملها. وهذا مكسب لا يقل أبداً عن مكسب إنزال دزينة من السفن الى المياه، لتتوجه الى غزة.

ترقبوا الحدث إذاً، وساهموا في إظهار اهتمامكم وانخراطكم في المعركة. فهذه تدور أيضاً على الانترنت وعلى فايسبوك. وهناك يمكن استخدام حجج ذكية وذات حمولة عالمية إنسانية شاملة، حضارية بالمعنى العميق للكلمة وليس بالابتذال الاستهلاكي الذي يحيط بها، لمجابهة حملة التشويه التي تديرها المنظمات الصهيونية. ويمكن كتابة رسائل التضامن مع المبحرين، وإرسالها اليهم. حملة أسطول الحرية الثاني الى غزة تجري ايضاً على اليابسة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166084

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166084 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010