الثلاثاء 21 حزيران (يونيو) 2011

انهيار الردع «الإسرائيلي» في مواجهة إيران

الثلاثاء 21 حزيران (يونيو) 2011 par صالح النعامي

تكتسب التحذيرات غير المسبوقة التي وجهها رئيس جهاز «الموساد» المنصرف مئير دغان لدائرة صنع القرار السياسي في «تل أبيب» من مغبة توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، أهمية خاصة.

فعلى مدى ثلاثة أسابيع وفي أربع مناسبات مختلفة، حذر دغان من «التداعيات الكارثية» لأي قرار «إسرائيلي» بضرب المنشآت النووية الإيرانية. وسرعان ما هيمنت هذه التحذيرات والردود عليها على الجدل الداخلي في «إسرائيل»، فالذي أطلق هذه التحذيرات هو الشخص الذي فوضته آخر ثلاث حكومات «إسرائيلية» بقيادة الجهود الهادفة لإحباط المشروع النووي الإيراني.

وقد تبين من خلال احتدام هذا الجدل، أن جميع قادة الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» الذين أنهوا خدمتهم خلال الفترة القريبة الماضية، يتبنون موقف دغان، ويعتبرون أن توجيه أي ضربة لمشروع إيران النووي، يمثل خطأ إستراتيجيا، ستدفع «إسرائيل» مقابله ثمناً أكبر من قدرتها على التحمل.

[**السياسيون متحمسون لضرب إيران*]

بخلاف الانطباع الذي كان سائداً حتى الآن، فإنه يستدل من تحذيرات دغان والتسريبات الإعلامية التي جاءت في أعقابها أن المستوى السياسي في «تل أبيب» ممثلا بكل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك قد حاول بكل ما أوتي من قوة إقناع المستويات الأمنية العليا بتأييد توجههما لتسديد ضربة استباقية للمشروع النووي الإيراني.

وقد تبين أن كلاً من رئيس هيئة أركان الجيش جابي إشكنازي، ورئيس المخابرات الداخلية «الشاباك» يوفال ديسكين، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» عاموس يادلين، الذين كانوا على رأس مهامهم حتى وقت قريب، قد شاركوا دغان في التصدي لمحاولات نتنياهو وباراك جر «إسرائيل» لضرب إيران.

وهناك من يقول إن وصف الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريز لإشكنازي على وجه الخصوص بأنه «أعظم رئيس هيئة أركان للجيش في تاريخ «إسرائيل»»، يرجع بشكل أساسي لموقفه الحاسم في رفض ضرب إيران، وهو ما جعل نتنياهو وباراك يعاقبانه بعدم التمديد له بعام إضافي في رئاسة أركان الجيش، كما جرت العادة.

[**ضربة بنجاعة محدودة*]

تنبع اعتبارات قادة الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» الرافضين لضرب إيران من حسابات الربح والخسارة. فهؤلاء يجزمون بأن قدرة «إسرائيل» على توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني محدودة جداً، وذلك بسبب الانتشار الواسع للمنشآت النووية الإيرانية.

فقد حرص الإيرانيون على نشر المنشآت النووية على مساحة جغرافية هائلة، بحيث تتم كل مرحلة من مراحل تطوير البرنامج النووي في منشأة منفصلة عن المنشآت التي تتم فيها المراحل الأخرى، مما يعني أن توجيه ضربة قوية لهذه المنشآت يتطلب قدرات تفوق إمكانيات «إسرائيل».

في نفس الوقت، فقد حرص الإيرانيون على بناء منشآتهم النووية في عمق الأرض، حيث إن ضمان تدمير هذه المنشآت يتطلب توفر إمكانيات عسكرية وتقنية ولوجستية، يستدل من حديث دغان أنها لا تتوفر لـ «إسرائيل».

ويرى «الإسرائيليون» أن الإيرانيين استخلصوا سريعاً العبر من تجربة البرنامج النووي العراقي، الذي تمكنت «إسرائيل» من تدميره عام 1981، حيث كانت كل مراحل هذا البرنامج تتم في مفاعل ذري واحد.

[**كابوس الحرب الإقليمية الطويلة*]

يرى قادة الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» أنه إزاء الضمانات المحدودة جداً لنجاح الضربة «الإسرائيلية»، فإن هناك خطر قيام إيران برد انتقامي كثيف على «إسرائيل». وحسب هؤلاء القادة فإن إيران بإمكانها أن تطلق عشرات الآلاف من الصواريخ على «إسرائيل»، ولعدة أشهر، بحيث يؤدي ذلك إلى إصابة «إسرائيل» بالشلل الكبير.

ويرى هؤلاء القادة أنه في حكم المؤكد أن ينضم «حزب الله» إلى الجهد الحربي الإيراني، وهو ما يعني أن ضرب إيران سيفتح المجال أمام اندلاع حرب إقليمية طويلة، تملك «إسرائيل» فيها خيارات محدودة، حيث إن الخيار الوحيد المتاح أمام «إسرائيل» لوقف هذه الحرب هو استخدام سلاح غير تقليدي، وهذا ما لن يكون بوسع «إسرائيل» حشد دعم دولي له.

والذي يجعل هذا السيناريو كابوساً مقلقاً لقادة الأمن حقيقة أن كل المعطيات تؤكد أن الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» غير جاهزة لمواجهة هذه الحرب.

ويعيد الكثيرون في «إسرائيل» إلى الأذهان عجز الحكومة «الإسرائيلية» الحالية عن مواجهة الحريق الذي التهم الأحراش التي تكسو جبل الكرمل في حيفا قبل عام، مع العلم أن الخسائر التي نجمت عن هذا الحريق ستكون «مزحة» مقارنة مع الخسائر التي ستتكبدها الجبهة الداخلية في ظل أي حرب إقليمية طويلة.

[**شرعية التحول للبرنامج النووي العسكري*]

ومما لا شك فيه أن أخطر تداعيات الضربة العسكرية «الإسرائيلية» لإيران، في نظر القادة الأمنيين الصهاينة، يتمثل في انهيار الضغوط الدولية التي تمارس على طهران حالياً لوقف برنامجها النووي، بالإضافة إلى تهاوي منظومة العقوبات الاقتصادية التي تتعرض لها الجمهورية الإسلامية، والتي نجحت الإدارة الأميركية في حشد عدد كبير من الدول للإسهام فيها.

في نفس الوقت فإن مثل هذه الضربة ستحرر إيران نهائياً من التزاماتها الدولية بعدم إنتاج السلاح النووي، وسيمكن هذا الواقع إيران من نقل برنامجها النووي بشكل سريع وعلني من الطابع المدني للطابع العسكري، دون أن تخشى تبعات هذه الخطوة.

وسيفسح هذا الواقع الطريق أمام إيران لإجراء تجارب نووية بشكل معلن، حيث يتوقع على نطاق واسع أن يؤدي هذا الواقع إلى سباق نووي في المنطقة، لن يقتصر على إيران.

وتخشى الهيئات القيادية الأمنية في «تل أبيب» أن يؤدي نجاح إيران في تطوير سلاح نووي، إلى مضاعفة الدافعية لدى دول عربية، ترى «إسرائيل» أن حصولها على السلاح النووي أكثر خطورة على أمنها ومصيرها من حصول إيران عليه، سيما مصر والسعودية وسوريا، على اعتبار أن هذه الدول أقرب للكيان الصهيوني، عوضاً عن أن إمكانية مشاركتها في حرب ضد «إسرائيل» في المستقبل أكبر من مشاركة إيران.

وترى الهيئات القيادية الأمنية «الإسرائيلية» أن الحكم بأن إيران تطور سلاحاً نووياً من أجل استخدامه ضد «إسرائيل» فيه كثير من المبالغة، حيث تشير هذه القيادات إلى أن الإيرانيين معنيون بتطوير برنامجهم النووي لتعزيز مكانتهم في منطقة الخليج العربي، على اعتبار أن هذا المسوغ هو أكثر المسوغات منطقية مقارنة مع المسوغات الأخرى.

ومن الواضح أن أي ضربة «إسرائيلية» لإيران ستتم بدون موافقة الأميركيين، الذين عبروا أكثر من مرة عن رفضهم أي خطوة عسكرية «إسرائيلية» أحادية الجانب، وذلك لإدراك الإدارة الأميركية أن لدى الإيرانيين الكثير من الأوراق التي بإمكانهم توظيفها في إيذاء الولايات المتحدة، سيما في أفغانستان والعراق.

[**توحيد الجبهة الداخلية الإيرانية*]

ولا يكاد يختلف اثنان في «إسرائيل» على أن توجيه أي ضربة «إسرائيلية» لإيران، بغض النظر عن نجاحها أو فشلها، سيؤدي حتماً إلى خسارة «إسرائيل» والغرب الرهان على إحداث تغيير جوهري في بنية الحكم في طهران، حيث إن هذه الضربة ستوحد الإيرانيين خلف الجناح المحافظ الذي يقوده الرئيس أحمدي نجاد، وستوقف التآكل في مكانة المرشد علي خامنئي، وستقضي على أي فرصة لتعاظم مكانة الجناح الإصلاحي.

ومما لا شك فيه أن «الإسرائيليين» أملوا كثيراً في أن تنتقل شرارة ثورات التحول الديمقراطي التي تجتاح العالم العربي لإيران، حيث إنهم يعتقدون أن تغيير بنية الحكم الحالية في إيران قد يحمل معه تغييراً جذرياً وانقلاباً على السياسة الإيرانية الحالية.

[**الرهان على العمليات السرية*]

لا يجب أن يفهم من اعتراض النخبة العسكرية «الإسرائيلية» على توجيه ضربة عسكرية للمشروع النووي الإيراني، أنها تقترح التسليم بتطور البرنامج النووي الإيراني. فدغان ألمح أكثر من مرة إلى ما نسب من دور لـ «الموساد» في تعطيل البرنامج النووي وذلك عبر شن حرب إلكترونية سرية تتمثل في استخدام فيروس «ستاكسنت»، الذي عمل على تعطيل الحواسيب التي تشغل أجهزة الطرد المركزي المسؤولة عن تخصيب اليورانيوم.

في نفس الوقت، فإن كل الدلائل تؤكد أن «الموساد» هو المسؤول عن تصفية عدد من علماء الذرة الإيرانيين في تفجيرات غامضة في طهران.

وقد حاكمت السلطات الإيرانية وأعدمت عدداً من الإيرانيين الذين جندهم «الموساد» وأسهموا في تزويد المشروع النووي الإيراني بتجهيزات معطوبة أثرت سلباً على تطوره. ويقترح دغان ورفاقه أن تواصل «إسرائيل» تنفيذ العمليات التي لا تترك أثراً يدين «إسرائيل» ويبرر لإيران مهاجمتها.

[**نتنياهو وهاجس تشرشل الثاني*]

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا اختار دغان هذا التوقيت بالضبط لتحذير الرأي العام «الإسرائيلي» من مخاطر إقدام المستوى السياسي على إصدار تعليمات لتنفيذ مثل هذه الضربة؟

يبدي دغان قلقاً واضحاً من قدرة قادة الأجهزة الأمنية الحاليين، الذين لم يمض على تحملهم المسؤولية سوى عدة أشهر، على مقاومة الضغوط التي يمارسها نتنياهو وباراك للموافقة على توجيه ضربة لإيران. ويخشى دغان من أن القادة الجدد لم يتمكنوا بعد من مراكمة ثقة بالنفس تمكنهم من مقاومة الضغوط التي يمارسها المستوى السياسي بهذا الشأن.

لذا فإن دغان يحاول إشراك الرأي العام «الإسرائيلي» في الضغط على المستوى السياسي للعدول عن هذا المخطط. والذي يثير القلق لدى دغان ورفاقه حقيقة أن نتنياهو مازال يرى أن البرنامج النووي الإيراني هو التهديد الوجودي المباشر على «إسرائيل» ومستقبلها، وهو يرى أن القضاء على هذا الخطر يمثل مهمته الأولى في ولاية حكمه الثانية.

ويقول القريبون من نتنياهو أنه يطمح إلى أن يحفظ له التاريخ مكانة تشبه المكانة التي حظي بها ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية، الذي لعب الدور المركزي في القضاء على ألمانيا النازية. ونتنياهو يرى أن إيران تحت حكم أحمدي نجاد تلعب نفس الدور الذي لعبته ألمانيا في عهد هتلر، بالتالي فهو لا يخفي رغبته الجامحة في أن يدخل التاريخ من خلال نجاحه في القضاء على الخطر الإيراني.

وحتى خروج دغان عن صمته وتحذيره من تداعيات ضرب إيران، كان هناك في «إسرائيل» من لم يستبعد أن يتمكن نتنياهو من ضمان تأييد القيادات العسكرية المعينة حديثاً في توجيه ضربة لإيران قبل سبتمبر/ أيلول القادم، عشية توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف أممي بدولتهم.

ويرى هؤلاء أن نتنياهو يعتقد أنه بالإضافة إلى تمكين «إسرائيل» من توجيه ضربة قاصمة للبرنامج النووي الإيراني، فإن مثل هذا الهجوم سيعمل على خلط الأوراق عشية توجه الفلسطينيين للجمعية العامة، بشكل يؤدي إلى إحباط التحرك الفلسطيني قبل أن يبدأ.

[**«إسرائيل» بلا خيار عسكري*]

لا شك أنه في ظل تحذيرات دغان العلنية، فإنه سيكون من الصعب جداً على نتنياهو تمرير أي قرار بشأن توجيه ضربة لإيران.

صحيح أنه من ناحية نظرية يحق للمستوى السياسي في «إسرائيل» اتخاذ أي قرار بشأن ضرب إيران، بغض النظر عن موقف المستوى العسكري، لكن المستوى السياسي يعي في المقابل أنه في حال كان هناك احتمال أن تفشل الضربة، ولو كان ضئيلاً، فإن المستوى السياسي هو الذي سيتحمل وحده المسؤولية عن الفشل.

لذا فمن الصعب جداً أن يقدم نتنياهو على ضرب إيران في ظل مجاهرة قادة الأجهزة الأمنية، الذي كانوا على رأس عملهم حتى وقت قصير بتحذيرهم من تداعيات هذه الخطوة.

إن النتيجة المباشرة لتحذيرات دغان هي تهاوي عنصر الردع «الإسرائيلي» في مواجهة إيران، بحيث يمكن لإيران أن تبني خطواتها على أساس أن قيام «إسرائيل» بضرب مشروعها النووي بات أمراً مستبعداً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2182151

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2182151 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40