الخميس 16 حزيران (يونيو) 2011

انتخاب أردوغان : تركيا إلى أين؟

الخميس 16 حزيران (يونيو) 2011 par د. يوسف مكي

انتهت الانتخابات التشريعية البرلمانية هذا الأسبوع، بفوز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بزعامة رجب طيب أردوغان. فقد حصد الحزب 50% من الأصوات، بما يعني أنه يملك الغالبية المطلقة بالبرلمان. إن ذلك يمكنه من تشكيل حكومة جديدة بمفرده. إلا أن هذه النتيجة لن تؤهله لتنفيذ طموحاته في تغيير الدستور الموروث من انقلاب 1980، وتحجيم الدور التقليدي للمؤسسة العسكرية، المتمثل في ضمان علمانية الدولة التركية، لأن شرط ذلك هو تأييد غالبية ثلثي أعضاء البرلمان، وهو الأمر الذي يفرض على الحزب التشاور والتنسيق مع المعارضة.

وإذا ما تم مقاربة الانتخابات التشريعية الأخيرة، بانتخابات عامي 2002م، و2007م، فإننا نجد تقدماً مطرداً لحزب العدالة والتنمية. فبينما حصل عام 2002 على 34% من الأصوات، نجده يضيف إلى هذه النسبة، 13% أخرى إلى النسبة السابقة فيحصد 47% في انتخابات عام 2007. في هذه الانتخابات أضاف 3% إلى انتخابات الدورة السابقة، بما يعني استمرار قبول الأتراك بسياسات الحكومة الحالية.

نحاول في هذا الحديث، والحديث القادم قراءة المشهد التركي المعاصر، وتحليل نتائج الانتخابات والعوامل التي أدت إلى استمرار قبول الأتراك بسياسة حزب العدالة والتنمية. وأيضاً محاولة استشراف مستقبل تركيا في السنوات القليلة القادمة.

الملاحظة الأولى، التي نبدأ بها هذه القراءة هي خطاب أردوغان الذي شكر فيه الشعب التركي على منحه الثقة لحزب العدالة والتنمية للمرة الثالثة. فهذا الانتصار، وفقا لخطاب الشكر، ليس مجرد انتصار للحرية والديمقراطية والعدالة والسلام، ولكنه انتصار أيضاً لبيروت وبغداد والشام وديار بكر واسطنبول ورام الله والضفة الغربية والقدس والبوسنة. هنا الإشارة واضحة إلى البعدين الإسلامي والعربي، وبشكل خاص نصرة القضية الفلسطينية في السياسة التركية. وهي إشارة واضحة إلى دور هذه السياسة في ترسيخ أقدام الحزب ونجاحه المطرد، والتفاف الجمهور التركي من حوله. وهي إشارة لا تقبل أي تفسير آخر. بل إن البعد العربي في السياسة التركية كان حاضرا بصورة أقوى من البعد الإسلامي. فالخطاب تعرض لست مدن عربية، إذا استثنينا ديار بكر، التي هي محط جدل بين العرب والأتراك، وتعرض لمدينة تركية واحدة هي اسطنبول، بإرثها المعروف في التاريخ الإسلامي. وأشار إلى البوسنة في إشارة لا يخطئها القارئ، حين يعيد قراءة الصراع على قسمة يوغوسلافيا بعد تفكيكها، إثر سقوط الحرب الباردة.

الملاحظة الثانية، هي اللغة التصالحية التي طبعت خطاب أردوغان، التي تمثلت في الحديث عن وحدة الأتراك تحت قبة البرلمان. وهي محاولة لكسب بقايا الأحزاب إلى جانبه في معركة تغيير الدستور. فالحزب الحاكم الذي فاز بأكبر نسبة من الأصوات، حصد عدداً أقل من نوابه في الدورة السابقة، بسبب تركيبة النظام الانتخابي التركي.

والواقع أن قراءة التطورات الأخيرة لن تكون ممكنة، إلا بتقديم بانوراما متكاملة للمشهد التركي المعاصر، والتطورات التي شهدها مسرحها السياسي، إثر انتهاء الحرب الباردة.

فقد شهدت الخريطة السياسية التركية، منذ بداية التسعينات تغيرات كبيرة. تزامنت نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، مع حدثين رئيسيين: الأول هو صعود التيار الإسلامي السياسي، والثاني فرض الحصار على العراق، الذي استمر 13 عاماً، بعد عاصفة الصحراء. ولكل من هذه الحوادث تبعاته وإسقاطاته على التطورات اللاحقة التي شهدها المسرح السياسي التركي.

فنهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، تعني أن السيف المسلط على رقبة تركيا من الشمال، جرى التخلص منه . وأن الحاجة لمظلة حلف الأطلسي لحماية المصالح القومية التركية قد تراجعت. كما أن استمرار الحصار الغربي على العراق، وتزامنه مع عمليات القمع «الإسرائيلي»، وبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانطلاق انتفاضة الأقصى، خلق وضعاً شعبياً مناوئا لسياسة المعايير المزدوجة التي يتبناها الغرب.

وقد ساعد على ذلك، النمو المتسارع للإسلام السياسي التركي، من جهة، والرفض الأوروبي المتكرر، لانضمام تركيا إلى السوق الأوروبية المشتركة، وبعد ذلك للاتحاد الأوروبي، تحت ذريعة عدم احترام حكوماته القيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان من جهة أخرى . لقد وجد كثير من الأتراك في الرفض الأوروبي لالتحاق تركيا بهم، موقفا عنصرياً واستعلائياً، وأرجعوه إلى الهوية الإسلامية التركية، التي يتفق كثير من المثقفين داخل تركيا، على أنها السبب الرئيس لحرمان تركيا من الحوافز الاقتصادية، التي يتيحها الارتباط بالقارة الأوروبية. واقع الحال، أن تركيا تعاني من تركيبة سياسية معقدة، فالذين يحرصون على علمانية الدولة هم العسكر المعادون، بحكم موقعهم في السلم الاجتماعي، وطبيعة وظائفهم للنهج الديمقراطي. وكانوا هم الضامنين للدستور القائم على الفصل بين الدين والدولة. وهم من جهة أخرى، الذين توجه لهم أصابع الاتهام بقيامهم بخروقات واسعة لحقوق الإنسان. ويبدو أن إصلاح هذه المعادلة من الصعوبة بمكان إن لم يكن مستحيلا.

فالاتحاد الأوروبي، والدول الغربية بشكل عام، تريد نظاما في تركيا يتماشى مع سياساتها، ويلتزم بمعايير الصواب والخطأ التي تتبناها. وكان العسكر لحقب طويلة هم المؤتمنون على جانب واحد من المعادلة، المتمثل في رعاية علمانية الدولة، ولكنهم من جهة أخرى، هم الذين يقودون الانقلابات ويطيحون بالحكومات المنتخبة، وتلك هي المعضلة.

كيف تتيح هذه القراءة وعي المشهد التركي في هذه المرحلة؟ وما علاقة ذلك بالانتخابات التشريعية الأخيرة، ومستقبل تركيا السياسي، وبشكل خاص ما يتعلق بطموحات أردوغان في تغيير الدستور؟ أسئلة ستكون موضوع مناقشتنا في الحديث القادم بإذن الله تعالى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 72 / 2178006

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178006 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40