الخميس 16 حزيران (يونيو) 2011

سياسة خيار و«فقّوس»

الخميس 16 حزيران (يونيو) 2011 par أمجد عرار

من المهم والضروري أن يتوقّف منظّرو الديمقراطية الغربية والمفتونون بها، ويتأملوا في الموقف الغريب الذي صدر عن رئيس البرلمان الأوروبي جيرزي بوزيك المضاد لخيار القيادة الفلسطينية التوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو موقف لم يكن مرتجلاً بقدر منتقى بعناية توحي بأن كل زيارته لرام الله هدفت إلى توصيل رسالة «إسرائيل» المعادية للسلام، ولكل خروج فلسطيني من دائرة المفاوضات الثنائية العبثية المفرّغة، والمتهكّمة على الأمم المتحدة بمناسبة وبلا مناسبة.

الرجل لم يتردد وهو يتحدّث من رام الله، في وصف التوجه الفلسطيني نحو الأمم المتحدة باعتباره «أسوأ خيار». لو أوقف الأمر عن وصف السوء، لاعتبرناه وصفاً ووجهة نظر، لكن رئيس البرلمان الأوروبي صعد درجة أعلى في العدائية السافرة حين قال عن الخيار الفلسطيني المقبل بأنه «أمر خطير». هذه الكلمة تدعو إلى التوقّف عندها مليّاً لأنها تنطوي على تهديد وإرهاب فكري. نقول إنها ليست كلمة عابرة لأن وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي وصف الخيار الفلسطيني، ومن رام الله أيضاً، وفي اليوم ذاته، بأنه خطوة أحادية الجانب يمكن أن تكون له «نتائج عكسية» على ما أسماها «عملية السلام».

لن نناقش قول المسؤولين الأوروبيين اللذين كرر كلاهما الأسطوانة المشروخة ذاتها حول كون المفاوضات أفضل طريقة للتوصل إلى السلام المزعوم على الرغم من فشل المفاوضات منذ إحدى وعشرين سنة. لن نذكّر رئيس البرلمان الأوروبي أن اتحاد دول قارته أيّدوا في بيان البندقة عام 1980 إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس. لكننا نأخذ المسألة من زاوية الديمقراطية التي يصدّع الأوروبيون والغرب عموماً رؤوسنا بها طالما كان ممكناً توظيف هذه الكلمة في خدمة سياساتهم متعددة المعايير.

نستطيع أن نفهم لماذا تقيم «إسرائيل» الدنيا ولا تقعدها بسبب إصرار القيادة الفلسطينية على التوجّه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، للحصول على اعتراف بدولة على خُمس أراضي فلسطين التاريخية. وما ينطبق على «إسرائيل» ينطبق على حكومات أمريكا ومعظم الدول الغربية والشرقية الملحقة بها. لكن ما لا يمكن أن نفهمه، أن تقف جهات مثل البرلمان الأوروبي على يمين الحكومات ضد حق شعب في تقرير مصيره، مع أنها حوّلت الديمقراطية إلى «معلّقة» صدّعت رؤوسنا بها.

هؤلاء «الديمقراطيون» يعتبرون المقاومة إرهاباً، والانتفاضة الشعبية عنفاً، والثوابت الفلسطينية تطرّفاً، والخطاب الوطني تحريضاً، وها هم يعتبرون اللجوء إلى الأمم المتحدة «خياراً سيئاً»، و«أمراً خطيراً». وبالمقابل يصفون مجازر «إسرائيل» بأنها استخدام مفرط للقوة، وقتلها متظاهري حق العودة «دفاعاً عن النفس»، والاستيطان والتهويد وهدم منازل الفلسطينيين «خطوات أحادية الجانب».

نسأل هؤلاء «الديمقراطيين» وجوقتهم الببغائية في كل مكان: إذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة برلماناً لسكان الأرض، لماذا إذن يرفضون اللجوء إلى هذا البرلمان الدولي للبت في قضية مزمنة؟. كل الوسائل المشروعة الممكنة لجأ إليها الفلسطينيون طيلة عقود عديدة لاستعادة حقوقهم الوطنية، لم تؤد إلى نتيجة، رغم أن قيادتهم قدّمت تنازلات جوهرية وضعتها تحت علامات استفهام كبرى. وفي السلوك الدبلوماسي لم يبق، من وجهة نظر فريق التسوية، سوى تسليم هذا الملف للأمم المتحدة، وها هو يواجه بحملة مسعورة من أمريكا وأوروبا وتوابعهما، رغم أن الأمم المتحدة اعترفت بـ «إسرائيل» التي أنشئت بالاغتصاب ولم تولد من رحم مفاوضات.

إذا كان رئيس البرلمان الأوروبي مصراً على اعتبار اللجوء الفلسطيني للأمم المتحدة «أسوأ خيار»، فأي نوع من «الفواكه» السياسية يمكنه أن يعرض على الفلسطينيين بعيداً عن «الحسبة» الأوروبية القائمة على «خيار وفقوس»؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165883

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165883 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010