الاثنين 13 حزيران (يونيو) 2011

اجتياح 1982 : حرب «إسرائيل» على فلسطين في لبنان

الاثنين 13 حزيران (يونيو) 2011 par نصري الصايغ

في الرابع من حزيران، عام 1982، غزت «إسرائيل» لبنان. طردت قوات منظمة التحرير الفلسطينية، ضربت القوات السورية المرابطة في لبنان، نصَّبت بشير الجميل رئيساً للجمهورية، وسمحت بارتكاب جريمة العصر، في صبرا وشاتيلا.

هل تذكر اللبنانيون ذلك؟ أليس الغزو حاضراً في ذاكرة اللبنانيين؟ أم، أن اللبنانيين يهربون من ماضيهم، ليستقروا في قشرة السياسة، وعلى سطح الواقع؟ لذا بادر المجلس الثقافي للبناني الجنوبي هذا العام، إلى «إنعاش ذاكرة اللبناني، عبر استعادة أحداث اجتياح «إسرائيل»، عل ذلك، يحذف بعض النسيان.

[**1- قصة حرب معلنة على فلسطين*]

فجر الثالث من حزيران 1982، تعرض السفير «الإسرائيلي» في لندن شلومو ارغوف، لمحاولة اغتيال، اغتنمتها «إسرائيل»، لشن حرب على فلسطين، في لبنان.

الحرب الأولى، 1948، كسبت فيها «إسرائيل» أرضاً فلسطينية، ودولة ليهود، حملتهم الصهيونية، من أربع بقاع الأرض. وفي الحرب الأولى، نفذ بن غوريون خطة «دالت» التي هجر فيها أكثر من 800 ألف فلسطيني.

حرب النكسة (5 حزيران 1967) كسبت فيها «إسرائيل»، فلسطين كلها، أضافت إليها ملحقات احتلالية واسعة : سيناء في مصر، الجولان في سوريا، وأطرافاً في لبنان والأردن، وازداد عدد اللاجئين. وما بين النكسة وحرب تشرين/ اكتوبر، كان الكفاح الفلسطيني المسلح، بوصلة العمل لتحرير فلسطين... ولم.

تكبَّدت «إسرائيل»، من انتشار العمل المسلح، خسائر لا تستطيع تحملها، كانت حرب استنزاف لها، في فلسطين المحتلة، وفي مطارات العالم. وتكبَّد لبنان، في بنيته التحتية، خسائر جسيمة، فكانت الطائرات تغير على المخيمات ومواقع القتال وأماكن الانتشار، إلى أن توصل الطرفان، «إسرائيل» و(م.ت.ف)، إلى وقف لإطلاق النار، التزمت به (م.ت.ف)، ولم تلتزم به «إسرائيل».

ومع ذلك فإن «إسرائيل»، على الرغم من هدوء جبهة الجنوب، أقدمت على غزو لبنان. والهدف، وضع خاتمة للمسألة الفلسطينية، فلا يعود لفلسطين مكان إقامة، ولا يعود للفلسطينيين مطلب بها.

إنها الحرب التي تحتاج إلى ذريعة فجاءتها في الثالث من حزيران، لم تكن حربها عقاباً، وقد فضحت تاتشر ذلك: ان الهجوم «ليس انتقاماً لمحاولة اغتيال أرغوف».

لم كان هذا الاجتياح؟

أختار نصاً يفسر ويضيء، لفهم الأبعاد الحقيقية لحرب أرييل شارون على لبنان. يقول الكاتب «الإسرائيلي» عوديد ينون، (حزيران 1982): «إن هالة مصر زعيمة العالم العربي قد ماتت منذ زمن (بعد كامب ديفيد) وقد أصبحت جثة هامدة. ان تقسيمها إلى مقاطعات جغرافية واضحة المعالم، يجب ان يبقى هدفنا السياسي... وعندما تصبح مصر مشرذمة ومحرومة من سلطتها المركزية، تلقى الدول الأخرى مثل ليبيا والسودان المصير نفسه من الشرذمة. إن تقسيم لبنان يعطي الصورة المسبقة لما سيحدث في مجمل العالم العربي، وان تجزئة سوريا والعراق إلى مناطق على قاعدة المقاييس العرقية والدينية، يجب ان يكون هدفاً أولياً بعيد المدى بالنسبة إلى «إسرائيل»... ان البنية العرقية لسوريا تعرضها لتجزئة تؤدي إلى قيام دولة شيعية على طول الساحل، ودولة سنية في حلب وأخرى في دمشق، إضافة إلى دولة درزية في حوران وشمال الأردن... يبقى العراق، الغني بالنفط، وتمزيقه أكثر أهمية من تمزيق سوريا. أما الأردن فهدف استراتيجي ثوري، خصوصاً بعد إنهاء حكم حسين وانتقال السلطة إلى الأكثرية الفلسطينية... وعلى العرب «الإسرائيليين» ان يتفهموا انه لا يمكن ان يكون لهم وطن سوى الأردن، ولن يعرفوا الأمان إلا باعترافهم بالسيادة اليهودية بين البحر ونهر الأردن».

نص قديم/ حديث. المناخ الذي كان يعيش فيه شارون، هدف إلى إنهاء حرب العام 1948، ورأى أن تفكيك المنطقة، ممكن، وأن الطريق إلى الأردن، وطناً بديلاً للفلسطينيين، يمر في لبنان. لأن كافة القوى الفلسطينية كانت مقيمة فوق اراضيه.

[**2- لماذا خرجوا من بيروت.. وتركوها لشارون؟*]

غزت «إسرائيل» لبنان، بسهولة ويسر. بعد أربعة أيام، بلغت قواتها العاصمة، وحاصرت بيروت الغربية، مدمرة في طريقها، القوات السورية المرابطة في بعض الجنوب وبعض البقاع وبعض الجبل، ومبددة القوات الفلسطينية في مواقع شتى.

كانت قوات المقاومة الفلسطينية، قد تحوَّلت إلى ما يشبه جيشاً علنياً، مواقعه معروفة، انتشاره سهل الانكشاف، وحركته في متناول القصف. قاتل الفلسطينيون كجيش ضعيف... لم تنفع البطولة كثيراً.

الحروب الكلاسيكية، تكسبها الجيوش الأقوى. دفع «الإسرائيليون» جيشاً من عديد وعتاد مؤلفين من 90 ألف رجل في مقابل 10 آلاف فدائي، 6 آلاف منهم يرابطون في الجنوب. 1300 دبابة في مقابل 100 دبابة، 1200 شاحنة و1300 ناقلة جند في مقابل 150 ناقلة مصفحة. 634 طائرة مقاتلة في مقابل 200 مدفع مضاد للطائرات و200 قاذفة صواريخ سام 7.

موازين القوى لصالح «إسرائيل»... فدخلت الجنوب وبلغت العاصمة، في ما يشبه نزهة قتالية، غير انها عندما وصلت إلى بيروت، حرنت قواتها على عتباتها وأبوابها، واستعصى عليها الوصول، علماً بأنها لم توفر العاصمة من القصف الدائم، جواً وبحراً وبراً. صمدت بيروت ولم تركع. فلماذا خرج الفلسطينيون؟ لماذا سلموها إلى حليف شارون، فسقطت بسرعة، وذبح الشعب الفلسطيني... عله يرحل إلى الأردن؟

الجواب عند زئيف شيف.

كتب زئيف بعد مغادرة عرفات وقوات (م.ت.ف) بيروت ما يلي :

«لدى رؤية آلاف المخربين... المنسحبين من المدينة، يتضح ان عددهم أكبر كثيراً مما قدّرنا... لم نلاحظ عليهم علامات الانهيار الجدي أو النفسي... ولا شك في انهم كانوا سيحاربون في حال اختراق المدينة... لو أن كل واحد من عشرة مخربين أو كل واحد من عشرين، من الآلاف الذين شاهدناهم ينسحبون، كان سيصيب جندياً «إسرائيلياً»، لكان عدد إصاباتنا كبيراً وبلغ مئات كثيرة. وكان يمكن إدراك ذلك من معركة صغيرة استمرت ليلة واحدة بالقرب من المتحف، أدت إلى سقوط 19 قتيلاً من جنودنا وإصابة مئة منهم... لذلك يبدو لي أن تقدير رئيس الأركان، رفائيل ايتان، الذي قال إننا لو اقتحمنا بيروت لكان عدد خسائرنا تافهاً، هو تقدير غير صحيح. فحتى لو تجنبنا القتال من بيت إلى بيت (في بيروت) فإنه من المشكوك فيه اننا نستطيع السيطرة على نتائج القتال. ولو كان التقدير القائل ان عدد الخسائر سيكون تافها، فلا شك في ان الاقتحام كان سينفذ من دون إبطاء... لم نقتحم المدينة بسبب اعتقادنا ان الخسائر ستكون تافهة بل لأننا كنا مقتنعين بأن الخسائر ستكون هائلة... وعليه، لقد أخضعت بيروت بحرب نفسية وليس بحرب عسكرية». (هآرتس، 1/9/82).

[**3- قصة حرب طويلة.. بحاجة إلى خاتمة*]

لم تفز «إسرائيل» في لبنان. والمقاومة وحدها، لا السياسة ولا الدبلوماسية، أنهت الاحتلال وأجهضت مفاعيله كافة. 25 أيار، كان نهاية المطاف، لانتصارات حاسمة، في عصر المواجهات، بين المقاومة والاحتلال. 25 أيار، بدأت في بيروت، عندما خرج مقاتلوها، بأعداد قليلة وباسلة، لمقاتلة العدو في شوارعها. أيام وهرولت: «لا تطلقوا النار علينا. نحن منسحبون».

وكما فشلت «إسرائيل» عسكرياً في إدامة احتلالها، فشلت في تثمير مشاريعها السياسية.

أ ـ أرغمت أكثرية نيابية على انتخاب بشير جميل رئيساً. كان الانتخاب ثمرة من ثمار الاجتياح. غير أنها سقطت سريعاً. اغتيل بشير الجميل، وخسرت «إسرائيل» حصانها الرابح. ومن كان يظن ان الاغتيال لن يحصل، أو أنه فلتة عسكرية، فهو أعمى، ولا يعرف لبنان، فلبنان لا يحكم أبداً بصديق أو متعاون مع «إسرائيل»... هذا هو لبنان يا ناس. اعرفوه جيداً. انه أخطر جار لـ «إسرائيل». وشهادة مقاومته منذ العام 1968، تؤكد ذلك.

خسرت «إسرائيل» حصانها وراحت تعرج على أخيه أمين الجميل، فلم تصل إلى مكان. نصف عمر الاحتلال، قُصف، عندما اغتيل بشير الجميل.

ب ـ حبر اتفاق 17 أيار، الذي سكب ما بين كريات شمونة والسعديات، تم شطبه. نتذكر، ان العالم يومها، كان قد تبدل من إحدى جهاته. ثورة عارمة في إيران. اندروبوف، آخر صحوة سوفياتية، قبل موت الاتحاد، وحافظ الأسد في سوريا و... مقاومة منتشرة في لبنان. وهكذا بعد عامين من نشوة الانتصار، سقطت سلطة وريث حصان الاحتلال، فتحررت بيروت وبات الجبل، ظهيراً حيوياً للمقاومة.

ب ـ عرف لبنان، نمطاً جديداً من المقاومة: عمليات استشهادية وحاسمة. تناوبت على ممارستها، طلائع حزبية عقائدية ويسارية ودينية.

لعل أبرزها وأكثرها حسماً: نسف مقر الحاكم العسكري «الإسرائيلي» في صور، نسف مقر المارينز والدراكار. فبات الاحتلال يعد خططاً لانسحابات متدرجة، بينما فرّت القوات الفرنسية والأميركية والبريطانية والايطالية (المتعددة الجنسيات) واضعة قفلاً على «الشرق الأوسط الجديد» آنذاك.

د ـ فيما كانت بلاد العرب تتفرج مذهولة إزاء ما يحدث في لبنان. كانت الجمهورية الإسلامية في إيران، برغم الحرب «العربية» الخليجية الطاحنة ضدها، بقيادة صدام حسين، رسمت خارطة طريق إلى فلسطين، تبدأ من سفارة فلسطين في طهران، إلى حزب الله، في لبنان، يومها، رأت إيران، أن الطريق إلى فلسطين تمر في لبنان حتماً... ولقد عبرت.

غيرت المقاومة الإسلامية لبنان و«إسرائيل» والفلسطينيين (غزة نموذجاً) والعرب، كما غيَّرت العالم. والمقاومة اليوم، هي الرقم الأصعب في المعادلات الداخلية والإقليمية والدولية. وهي الرقم الذي ينجب أرقاماً شبيهة.

هذه المقاومة، أنهت حرب شارون على لبنان وأفشلت خططه. والدليل، ما قاله، ايهودا باراك، الذي قال في مناسبة الذكرى العاشرة للانسحاب، انه اتخذ قراره، لأن خطة شارون قد باءت بالفشل، وكشف ما كان مستوراً: كان مشروعه يطمح إلى حل المشكلة الفلسطينية نهائياً، عبر تحطيم (م.ت.ف) وتشتيت قواتها وتدمير مؤسساتها... ونقل الفلسطينيين من مخيماتهم في لبنان إلى الأردن، الدولة الفلسطينية التي كان يجب ان تنشأ على أنقاض المملكة.

[**4- كيف نسينا صبرا وشاتيلا؟*]

نسينا عنوة. صبرا وشاتيلا ممنوعان من التداول. حضورهما يعطل عملية «بناء الدولة»، يسيء إلى «العيش المشترك». الصمت على المجزرة فضيلة وطنية. الإهمال، سياسة مفكر فيها بدقة. الإذلال ثقافة معلنة، منتصرة لعنصرية فجة.

ويضاف: إذلال الأحياء، يستتبع إذلال الشهداء. يا للعار!. كانت مقبرة شهداء صبرا وشاتيلا، مزبلة. الشهداء، زبالة غير مرئية. يا للعار! يا للمذلة! يا للبنان!

ماذا لو نستعيد مشهد «جزار السبت الأسود»، جوزيف سعاده؟ أنقل حواراً جرى بين «العم جوزيف» والقتلة في مواقع المقتلة :

«جوزيف: يا حيوانات. ليش عملتوا هيك؟

ـ انه درس لهم، ليقدروا ثمن دم بشير.

جوزيف: ليس الفلسطينيون من قتل بشير.

ـ الجميع مسؤول.

جوزيف: لقد قتلتم نساءً وأطفالاً أبرياء.

ـ «عمو جوزيف». ما كانوا أبرياء شغيلة السبت الأسود؟».

حتى ضمير المجرم تكلم ولم يسكت، فلماذا سكتنا؟ لماذا لم نجرح الصمت؟ لماذا لم نقل بصوت يجلجل: «إنها المجزرة أيها المغفلون»، كما قال فولي الصحافي في الاسوشيتدبرس.

لسنا مغفلين. اننا نسينا بكامل وعينا. ربما، لأن المطلوب إراحة القتلة جميعهم. قتلة اللبنانيين وقتلة الفلسطينيين. لسنا مغفلين، وعيوننا مفتوحة ولا نريد أن نصوبها إلى صبرا وشاتيلا، عارنا اللبناني الخاص، عار «إسرائيل» المطلق، عار الضمير الإنساني بالكامل.

كتمنا المجزرة وخبأناها في إضبارة التقرير الرسمي اللبناني السري، المعروف بتقرير القاضي أسعد جرمانوس. تقرير أعد في أواخر العام 1982، مليء بالتبرير.. غسل اللبنانيون أياديهم. وتركوا على عاتق قلة، أن يكتبوا لتبقى المجزرة حاضرة، ولو في نص، أو في مجلد، أنشأته بيان نويهض الحوت.

مطلوب أن نستعيد الشهداء، كي نتعرف الى ذواتنا، كي ندرك اننا ما زلنا أحياء قليلاً... ولم نمت بعد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 356 / 2165693

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165693 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010