الجمعة 10 حزيران (يونيو) 2011

كتاب | خارج الإطار .. النضال لأجل الحرية الأكاديمية في «إسرائيل» 4/4

تأليف : إيلان بابي | عرض : عبدالله ميزر
الجمعة 10 حزيران (يونيو) 2011

«إن الرحلة خارج الصهيونية هي رحلةٌ فكريةٌ وإيديولوجية، وسياسيةٌ بالطبع. لكنّها تتضمن أيضاً اضطراباً عاطفياً وجفاءً اجتماعياً يختبره الشخصُ من قبل أشخاصٍ مختلفين»، هكذا قال البروفيسور إيلان بابي عن تجربته، وعن الضغوطات التي تعرّض لها على الصعيد الاجتماعي والأكاديمي في «إسرائيل».

في هذا الكتاب الصادر عن دار النشر البريطانية «بلوتوبرس» بعنوان «خارج الإطار: النضال لأجل الحرية الأكاديمية في «إسرائيل»» في 246 صفحة من القطع المتوسط للبروفيسور «الإسرائيلي» إيلان بابي، الذي يعدّ من المؤرخين «الإسرائيليين» الجدد، ومن أكبر المتحدّين للسياسات الصهيونية، التي ترمي إلى قمع الأصوات المعارضة، وتنبذ كلّ من يصف حرب 1948 بعملية التطهير العرقي، والتي يصرّ إيلان بابي على حدوثها، ويؤكّد كلامه بالتقارير والأبحاث والمقابلات مع ضحايا النكبة. يناضل بابي لأجل الاعتراف بالنكبة داخل «إسرائيل»، وعدم نكرانها، لأن ذلك يضمن عملية سلام حقيقية على المدى المنظور. يعمل بابي الآن في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إيكستر، وهو مدير المركز الأوربي للدراسات الفلسطينية في الجامعة نفسها، ومدير مشارك في مركز إيكستر للدراسات الإثنية السياسية.

كما يتحدث بابي عن قصة الطفلة/السيدة فاطمة، التي كانت شاهدة على المقابر الجماعية في 1948، وظلت أسيرة المشاهد الكارثيّة طيلة خمسة عقود من الزمن، ولابدّ للقارئ- مهما كانت صلابته- أن يذرف دمعة على الإنسانية المهدورة بشكل عام، والفلسطينية بشكل خاص.

[**اليمين واليسار «الإسرائيلي» تبنى الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة*]

كانت هناك علامات تفاؤل عند بابي من أن المستقبل البعيد ربما يكون أفضل، ويستحق البقاء لأجله، ليرى الفلسطينيين واليهود ينعمون بسلام اجتماعي ضمن مجتمع تسوده قيم العدالة والمساواة، قائلاً حول ذلك: «على هوامش المجتمع والسياسة، كان الفلسطينيون واليهود الشجعان يعملون على الدمج العنصري عبر رياض الأطفال، والمدارس والمشاريع الثقافية والاستثمارات التجارية والنشاطات السياسية، لكن هؤلاء يشكلون حالات استثنائية».

لكن هذه الحالات الاستثنائية - برأيه - مختلفة عن المزاج العام، حيث إن ما تقوم به السلطات «الإسرائيلية» من انتهاكات واضحة داخل «إسرائيل» وفي الأقاليم الفلسطينية المحتلة تلقى دعماً وتأييداً في الصحافة، والبرامج والمقابلات التلفزيونية، بالإضافة إلى المحيط المباشر لبابي سواء من أولياء أمور الطلبة أو زبائن السوبرماركت أو حتى الجيران. وهذا دفع بتشكيل رغبة قوية بإخفاء الفلسطينيين وراء جدران مرئية أو غير مرئية، ويقول عن ذلك: «سمعت نداءات غير محسوسة للإزالة الكاملة للفلسطينيين، حيث تبنّى اليمين واليسار الصهيوني حالات القتل الجماعي والسياسة الإباديّة. وكان القصف الشامل للمدنيين في لبنان وغزة مرحّباً به، وأن أيّ انتقاد كان يتم توجيهه إلى الحكومة، كان يغلّف بأن الجيش لا يسمح له بتصعيد دماره».

يشير بابي إلى الأوقات التي قام فيها مع أصدقائه من النشطاء بنشاطات معادية للحرب الثانية على لبنان، حيث تجمعوا في أعداد صغيرة، وإذا لم يتعرض للضرب من قبل الشرطة، فإنهم كانوا يتعرضون لسخط المارّة، كما يتحدث عن اتهامه بالخيانة والعمالة لـ «حزب الله» على التلفزيون «الإسرائيلي» العاشر، عندما وجّه نداء للناس في «تل أبيب» بالتظاهر ضدّ الحرب. ومما قاله بابي بعد ذلك: «في ذلك الوقت قررت أن أبحث عن ملاذ أكاديمي آمن في الخارج، وأصبح الأمر عندي قيد التنفيذ بعد التهديدات المباشرة بالموت التي وصلت إلى منزلي. وضعت رسائل مغطاة بالغائط في صندوق البريد، والتي كان القصد من ورائها، أن المرسلين يعرفون عنواننا، وكان هناك متصل دائم بالهاتف يشير إلى أنه يعرف تحرّكات زوجتي وأولادي، وهدّد بقتلهم. وعندما تقدّمت إلى الشرطة بشكوى، اقترحوا عليّ تغيير آرائي السياسية كأفضل وصفة لوضع نهاية لهذه التهديدات».

وتحت الضغوطات المتزايدة من الاتصالات مع أفراد العائلة لمرات عديدة في اليوم، ومع المقرّبين والجيران، انتقل بابي إلى جامعة إيكستر في صيف 2007، ليحاضر في قسم التاريخ هناك.

[**بابي في جامعة إيكستر*]

على الرغم من الجوّ المختلف في بريطانيا، والظلام الذي كان يحلّ بعد فترة الظهيرة في الشتاء، والصباحات المنقّعة على طول السنة، شعر بابي بحرية أكاديمية أكثر، وفردوس ثقافي غنيّ على حدّ تعبيره. ويشير إلى أنه كانت هناك جوانب مظلمة من الحياة في بريطانيا تختلف عن ظلام الليالي الشتائية، وتظهر في المدن الداخلية، حيث يلاحظ المرء أن الأقليات المعزولة مستهدفة من الشرطة والسلطات التي تعاني خوفاً من الأجانب. وهناك أصبح بابي مندمجاً في الكفاح ضد الفوبيا الإسلامية بشكل خاص، والتي كانت مرتبطة عن قرب بالقضية الفلسطينية.

عند وصول بابي إلى بريطانيا، لم تخفِ الهيئات الرسمية للجالية اليهودية انتماءها المتين للصهيونية التقليدية ولـ «إسرائيل»، حتى أن جون بنيامين، المدير التنفيذي لهيئة ممثلي اليهود البريطانيين، أخبر الصحافة بأن العقول الشابة ستتصدى لآراء بابي الجزئيّة والمتحيّزة. تبعه رأي مدير اتحاد الطلاب اليهود، الذي قال: «لسنا غاضبين أو محبطين من قدومه إلى المملكة المتحدة، لكن ما يبعث على القلق هو أنه ربما يستخدم موقعه الأكاديمي لتحريك الدعم لمقاطعة الأكاديميات «الإسرائيلية». ويشير بابي إلى أنه بات من السهل أن ترى من بعيد إنهاء حلّ الدولتين والدفع بحلّ الدولة الواحدة، لكنه رأى أن السلام لا يمكن تحقيقه عبر المخططات التي تستخدمها «إسرائيل» لتعميق احتلالها وامتلاك فلسطين، ولم يكن هو الوحيد الذي شعر بذلك في بريطانيا. ويرى أن هناك حاجة كبيرة للناشطين، خاصة داخل «إسرائيل»، لإيجاد نموذج بديل لدولة «إسرائيل» القائمة على سياسات الفصل العنصري. ويخبرنا إيلان بابي بآرائه المستقبلية: «كمؤرّخ، استطعت أن أتأمل المستقبل، وأشعر باطمئنان أكثر حول الصراع على الذاكرة والماضي. أدركت في بريطانيا أن منهج الروايات «الإسرائيلية» المفبركة والزائفة اختفت من المراكز الأكاديمية الجدّية، وتمّ رفضها من قبل الناس المطّلعين - ليس فقط في المملكة المتحدة، بل حول العالم. ومع ذلك لم يفز الصراع بعد. ومازالت النخب السياسية، والإعلام السائد وفئات كبيرة من المجتمع الأمريكي والجاليات اليهودية في العالم تردّد بشكل ببغائي أساطير الماضي. إن المعركة حول الماضي ستنتهي في حال استبدلت شياطين التطهير العرقي بعودة لاجئي 1948 إلى أرضهم في «إسرائيل»، وعندما تؤسس دولة مبنية على المساواة في كل طور مدني وإنسانيّ من أطوار الحياة».

يجد بابي أن الحملات لإنهاء الشياطين الراهنة تلقى الفشل على أرض الواقع، على الرغم من التغيير النوعي في المزاج العام الدولي مع بداية القرن الواحد والعشرين، لكن الحكومات الغربية اليوم لا تزال متمسّكة بالحفاظ على سياساتها تجاه «إسرائيل»، وكان هذا واضحاً جداً في مواقفهم حيال الهجمة «الإسرائيلية» على غزة في يناير/كانون الثاني 2009 ويرى أنه من دون التغيير في هذه السياسات، فإن مجازر التطهير العرقي في فلسطين، التي بدأت في عام 1948 ستستمر، ويقول على صعيده الشخصي كشخص يهودي: «كنت سأغادر «إسرائيل»/فلسطين قبل فترة من الزمن، لو أنني رأيت أن هذا سيساعد على استعادة الحقوق والحياة الفلسطينية».

[**«غزة هي المشكلة»*]

«غزة هي المشكلة»، هذه هي العبارة التي تفوّه بها بينجاس سابير، وزير المالية «الإسرائيلي» في يونيو/حزيران 1967، ويذكرها بابي في الفصل التاسع، وأكمل: «كنت هناك في عام 1956، ورأيت هناك الأفاعي السامّة تمشي في الشوارع ، يجب أن نجعل بعضهم يستقر في سيناء، وعلى أمل أن يهاجر الآخرون»، بهذه الطريقة ناقش سابير قدر الأقاليم الفلسطينية المحتلة حديثاً، حينها أراد هو ومجلس الوزراء قطاع غزة، لكن من دون ساكنيها.

قبل اندلاع الانتفاضة الأولى، كان العمال الغزيون يعملون في «تل أبيب»، لكن مع اندلاع الانتفاضة انتهى وجودهم هناك، خاصة كانت تحدث مشكلات بين العمال الفلسطينيين وأرباب العمال اليهود، يتعرض فيها أرباب العمل للضرب، وولّدت تلك المشكلات نوعاً من الإسلام وفوبيا داخل «إسرائيل»، وقاد ذلك إلى إغلاق غزة بسياج كهربائي، وبعد اتفاقيات أوسلو بقيت غزة مغلقة، وبقيت فيها العمالة الرخيصة، وفي عام 1990 أصبح السلام يعني التحول التدريجي إلى غيتو.

يشير إيلان بابي إلى ما قاله دورون آلموغ، رئيس القوات «الإسرائيلية» في القيادة الجنوبية، الذي رسم الحدود السياسية لغزة قائلاً: «أنشأنا نقاط المراقبة المزوّدة بأفضل التكنولوجيات، ولقواتنا الإذن بإطلاق النيران على أيّ شخص يقترب من السياج على مسافة ستة كيلومترات». هنا يبين بابي أنه في عامي 2008 - 2009 وحدهما، قام الجنود «الإسرائيليون» بقتل 100 فلسطيني بسبب الاقتراب من السياج، كما يذكر أنه من عام 2000 حتى 2009 قتلت القوات «الإسرائيلية» 3 آلاف شخص في غزة، من بينهم 634 طفلاً.

يدخل بابي في عرض الفترة التاريخية الممتدة من عام 1967 حتى 2005، والاستغلال «الإسرائيلي» الكبير الذي حدث، ثم ينتقل بحديثه عن الفترة التي استلمت فيها «حماس» زمام السلطة في غزة عن طريق الانتخابات الديمقراطية، كما يتحدث عن الصواريخ التي أطلقتها «حماس»، وردود الفعل «الإسرائيلية» المبالغ فيها، والتي كانت لاإنسانية، ويقول بابي: «إن «إسرائيل» برّرت تصرفها في غزة كجزء من القتال ضدّ «الإرهاب»، على الرغم من أن أفعالها انتهكت كل القوانين الدولية»، ويضيف: «يبدو أن الفلسطينيين لا يمكن أن يكون لديهم مكان في فلسطين التاريخية، ما لم تكن لديهم الرغبة للعيش من دون الحقوق الإنسانية والمدنية، بحيث يمكنهم أن يكونوا إما مواطنين من الدرجة الثانية داخل «إسرائيل» أو سجناء في سجون كبيرة - في الضفة الغربية وغزة، وإذا ما قاوموا، فإنهم على الأرجح سيسجنون من دون محاكمة أو يقتلوا. هذه هي رسالة «إسرائيل»».

وعن الصورة التي تقدّم بها «إسرائيل» نفسها أمام شعبها والرأي العام العالمي قال بابي: «في كل نصف ساعة خلال الهجوم على غزة، وصفت نشرات الأخبار على التلفزيون والراديو الناس في غزة على أنهم «إرهابيون»، وما تقوم به «إسرائيل» من قتل هائل هو دفاع عن النفس، قدّمت «إسرائيل» نفسها على أنها ضحية حقيقية تقف بالمرصاد في وجه شرّ كبير».

يجد بابي أن الدول الغربية رغم ما تشاهده من أعمال القتل المستمر منذ سنين طويلة، إلا أنها لا تغيّر سياساتها تجاه سياسات «إسرائيل»، ويرى أنه لابدّ من المحاولة دائماً، لتوضيح عمليات الإبادة التي جرت وتجري وستجري على أرض فلسطين، ويرى أنه من الناحية الأكاديمية، فإن هذا قد تمّ على نحو جيّد، لكن يرى أن الهدف الرئيس هو إيجاد وسائل فعّالة لشرح الاتصال بين الإيديولوجيّة الصهيونية وسياسات الدمار الماضية والأزمة الحالية، وعن ذلك قال: «بربط الإيديولوجية الصهيونية والسياسات القديمة مع الأعمال الوحشية الحالية، سنكون قادرين على تزويد شرح منطقي وواضح لدعم حملة المقاطعة وفضح الممارسات والعقوبات الدولية ضدّ «إسرائيل»».

يأمل بابي في نهاية هذا الفصل أن يفهم «الإسرائيليون» الطبيعة الحقيقية للجرائم التي ترتكب باسمهم، وأن يتوجه غضبهم إلى أولئك الذين يرمونهم والفلسطينيين في دائرة من العنف وإراقة الدماء.

[**دولة الجيش أم جيش الدولة؟*]

يبدأ إيلان بابي في الخاتمة التي تحمل عنوان «مشروع: نزع السلاح من «إسرائيل»»، بالحديث عن فترة ولادته، حيث كان عمر «إسرائيل» ثماني سنوات حينها، وعندما انضم إلى الجيش كان قد مضى نصف قرن على تأسيس «إسرائيل»، وما يقارب قرناً على تواجد الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، وكان حتى تلك الفترة، غافلاً بالمجمل عن العالم المناقض للتطهير العرقي والفصل العنصري والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين والاحتلال.

يشير إلى لحظات الصحوة من الأوهام التي كان غارقاً فيها، ويذكر أن الهولوكوست لا يبرّر للصهاينة أن يرتكبوا مجازر بحق الفلسطينيين. كما يشير إلى أن اليهود لعبوا دوراً فعّالاً في القضاء على الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والتمييز العنصري في الولايات المتحدة، والدكتاتورية في أمريكا الجنوبية، والإمبريالية في جنوبي شرقي آسيا، والكولونيالية الجديدة في إفريقيا، ويرى أن «إسرائيل» ما أقدمت على القيام بمثل هذه الانتهاكات لو أنها امتلكت أخلاق أولئك اليهود ومبادئهم.

كما يتطرق إلى بدايات الحركة الصهيونية، والأفكار التي نادت بها، ويعرض دافعين لتأسيسها، الأول يتمثل في إيجاد وطن آمن للمجتمع اليهودي، والثاني في إعادة تعريف اليهودية في صيغة علمانية، والاستفادة من ربيع الأمم المحيطة بها من المجموعات العرقية والدينية والثقافية، لكن يجد أن التوجه لتحقيق الحلم الصهيوني بات مشروعاً استعمارياً يرتكب الفظاعات بالسكان الأصليين.

يتمنى بابي لو أن الحياة تعود به إلى الفترة التي استقر فيها الصهاينة الأولون في عام 1880، الذين لم يعلنوا عن حلمهم بالاستيلاء على أراضي الغير وتطهيرها من سكانها الأصليين . ويرى أن عملية عسكرة المجتمع «الإسرائيلي» كانت قوية وفعالة، بحيث أصبحت «إسرائيل» جيشاً ضمن دولة، ويلاحظ أن هناك نقطتين تستحقان التركيز عليهما أكثر في هذا السياق، الأول هو عسكرة النظام التعليمي، الذي يجعل الأجيال المقبلة من «الإسرائيليين» يجدون الحقيقة عبر القيم العسكرية والصراعات المسلّحة. الثاني هو الدور الاقتصادي البارز الذي تلعبه صناعة الأسلحة «الإسرائيلية» في الإنتاج الوطني لـ «إسرائيل»، وبشكل خاص دورها الحاسم في التوازن التجاري والتصدير، وتعتبر «إسرائيل» المصدّر الخامس للأسلحة في العالم، ولذلك فإن أي حديث معادٍ للعسكرة، يمكن وصفه بسهولة على أنه إضعاف للاقتصاد والصناعة «الإسرائيلية».

يشير بابي إلى أن استخدام القوّة ضد الفلسطينيين كوسائل لفرض التحكّم على الأراضي وحجز السكان هو أمر معمول به منذ 1948، ويرى أنه سواء الآن أو في الفترة اللاحقة، فإن الأقلية الفلسطينية الموجودة في «إسرائيل»، التي نجت من التطهير العرقي في عام 1948، ستحتج على الاضطهاد وستواجه القبضة الشديدة للسلطات «الإسرائيلية».

[**خطة طريق مستقبليّة*]

يشير إيلان بابي أنه باندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، اختفت بالمجمل كلّ المساعي الداعية للانفتاح تقريباً، بعد أن كانت هناك رغبة كبيرة من قبل المثقفين والأكاديميين والموسيقيين والصحافيين «الإسرائيليين»، الذي طوّروا أفكاراً حول صلاحية الإيديولوجية الصهيونية.

يجد بابي أن المجتمع اليهودي في «إسرائيل» في بداية القرن الواحد والعشرين، قد أقفل الأبواب، التي كانت مفتوحة بعض الشيء في عام 1990، واليوم أصبح أكثر صلابة في عناده وقناعاته الإيديولوجية. ويرى أنه أمام أكثر من قرن من الاستيلاء على الأرض، وأربعين سنة من الاحتلال، تبحث الحركة الوطنية الفلسطينية والناشطون عن الاستجابة المناسبة للسياسات التدميرية التي تنفّذ ضدّهم، فقد حاولوا بكل السبل، بالكفاح المسلّح وحرب العصابات والدبلوماسية، لكن لم ينفعهم ذلك في شيء، ومع ذلك، فإنهم لا يزالون يبحثون عن استراتيجية لا عنفية تضمن لهم حقهم.

يرى بابي أن الجاليات اليهودية في العالم، وبشكل خاص في العالم الغربي، تملك دوراً فعالاً في نزع السلاح، ذلك أن دعمهم المادي والمعنوي لـ «إسرائيل» يشير إلى تبنيهم الإيديولوجية التي تقود الدولة، ولا يجد غريباً أنه في السنوات القليلة الماضية، ازدادت أصوات اليهود غير الصهاينة الذين يرفعون شعار «ليس باسمي»، ويرى أن وجود هذه الأصوات اليهودية، يسرّع في عملية السلام والمصالحة، ويمكن لها أن توقف الممارسات غير القانونية التي تحاول فيها «إسرائيل» تبرير جرائمها ضدّ الفلسطينيين باسم جرائم ارتكتبت ضد اليهود في أوروبا.

ويقول بابي في نهاية الخاتمة: «في كل الأحوال، إن ما يعلّمه الأكاديميون عن «إسرائيل»، وما يقدّمه الصحافيون، وما يعتقده الناس المتمتعون بالوعي حول ذلك وما يقرّره السياسيون، هي الأشياء التي تحمل مفتاح تغيير الحقيقة في «إسرائيل» وفلسطين. إن هذه الحقيقة القاتمة لها أصداء ليس فقط على السلام في «الشرق الأوسط»، بل أيضاً على مستوى العالم ككل. إنها ليست قضية خاسرة، وقد حان الوقت للتحرك».

نجد أن بابي ألحق بكتابه قسماً يضمّ الدلائل والتفاصيل حول كل ما ذكر في الكتاب حول المجازر التي ارتكبت، وفيها الكثير من الوثائق وشهود عيان على الانتهاكات «الإسرائيلية»، يتناول ما حدث في الطنطورة بإسهاب، وعن الشائعات التي ترددت، وعن معاملة النساء، والدلائل التي تدحض البدع «الإسرائيلية»، التي تنفي حدوث مجازر وعمليات تطهير عرقي في 1948، ونذكر ما أورده بابي من كلام إيلي شيموني، أحد المحاربين القدامى في اللواء الإسكندروني في عام 2000، قائلاً: «ليس لديّ أدنى شكّ من أنّ مجزرة حدثت في الطنطورة. لم أخرج إلى الشوارع وأصرخ بذلك. إنها ليس قضية تدعو للفخر . لكن عندما تصبح القضية في متناول العامة، لابدّ للمرء أن يروي الحقيقة. بعد 52 سنة، تملك «إسرائيل» من القوة والنضج ما يكفي لتواجه ماضيها».

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2166041

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166041 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010