الأربعاء 8 حزيران (يونيو) 2011

كتاب | خارج الإطار .. النضال لأجل الحرية الأكاديمية في «إسرائيل» 3/4

تأليف : إيلان بابي | عرض : عبدالله ميزر
الأربعاء 8 حزيران (يونيو) 2011

«إن الرحلة خارج الصهيونية هي رحلةٌ فكريةٌ وإيديولوجية، وسياسيةٌ بالطبع. لكنّها تتضمن أيضاً اضطراباً عاطفياً وجفاءً اجتماعياً يختبره الشخصُ من قبل أشخاصٍ مختلفين»، هكذا قال البروفيسور إيلان بابي عن تجربته، وعن الضغوطات التي تعرّض لها على الصعيد الاجتماعي والأكاديمي في «إسرائيل».

في هذا الكتاب الصادر عن دار النشر البريطانية «بلوتوبرس» بعنوان «خارج الإطار: النضال لأجل الحرية الأكاديمية في «إسرائيل»» في 246 صفحة من القطع المتوسط للبروفيسور «الإسرائيلي» إيلان بابي، الذي يعدّ من المؤرخين «الإسرائيليين» الجدد، ومن أكبر المتحدّين للسياسات الصهيونية، التي ترمي إلى قمع الأصوات المعارضة، وتنبذ كلّ من يصف حرب 1948 بعملية التطهير العرقي، والتي يصرّ إيلان بابي على حدوثها، ويؤكّد كلامه بالتقارير والأبحاث والمقابلات مع ضحايا النكبة. يناضل بابي لأجل الاعتراف بالنكبة داخل «إسرائيل»، وعدم نكرانها، لأن ذلك يضمن عملية سلام حقيقية على المدى المنظور. يعمل بابي الآن في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إيكستر، وهو مدير المركز الأوربي للدراسات الفلسطينية في الجامعة نفسها، ومدير مشارك في مركز إيكستر للدراسات الإثنية السياسية.

كما يتحدث بابي عن قصة الطفلة/السيدة فاطمة، التي كانت شاهدة على المقابر الجماعية في 1948، وظلت أسيرة المشاهد الكارثيّة طيلة خمسة عقود من الزمن، ولابدّ للقارئ - مهما كانت صلابته - أن يذرف دمعة على الإنسانية المهدورة بشكل عام، والفلسطينية بشكل خاص.

[**«إسرائيل» حوّلت غزة إلى سجن كبير ورمت مفاتيحه في البحر*]

يتحدث إيلان بابي في الفصل الخامس من الكتاب بعنوان «العدّاء الأفضل في الصف» بالحديث عن القصص التي شاهدتها السيدة فاطمة عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها، ويستهلّ الفصل بفقرة يعبّر فيها عن القصة التي يدخل في تفاصيلها مع فاطمة، وترجمنا بعضها لتوضيح المحتوى الذي يتحدث عنه : «هذه القصة مبنية على الأحداث في موقعين. مجزرة طنطورة في 1948، التي تلعب دوراً كبيراً في قصة هذا الكتاب والبحث في جامعة حيفا، خاصة الذي أجراه طالب الماجستير تيدي كاتز، ثم أنا أجريت البحث. تغيّرت الأسماء وتم روايتها وإلهامها بحكايات من قريتي طنطورة والفردوس». ويجد أن الطريقة التي يحاول فيها المؤرخون رواية هذه القصص، فيها تحمّل كبير للتجربة المؤلمة وغير السعيدة، عند إعادة سرد ما قمعته السلطات «الإسرائيلية» لسنوات طويلة.

[**العدّاء الأفضل*]

يبدأ بابي بوصف شاعريّ، يشعر القارئ وكأنه يقرأ رواية مفعمة بالحزن، وفي الحقيقة هي رواية الألم الفلسطيني، شخصياتها أبطال حقيقيون، يتجرّعون الأسى والمعاناة منذ طفولتهم، لا يشفون من صور ومشاهد العنف والقتل، التي أحيقت بهم وذويهم، ولمّا تزل تنبض الذكريات الموجعة بدواخلهم، تأخذهم تارة إلى موقع الحدث، وتارة أخرى إلى ما قبل الحدث، وفي الحالتين يبقى الأسى والحنين إلى الأحبة ملازماً لهم.

يتحدث بابي عن قصة المقابر الجماعية التي شهدتها فاطمة الطفلة الصغيرة في عام 1948، حيث كانت العدّاء الأفضل في صفها في المدرسة، وساعدها عَدْوُها على اللحاق بالأجساد المغدورة لأبناء قريتها، ولتشهد كيف أن السلطات «الإسرائيلية» غطت تلك المقابر بزراعة أشجار الصنوبر فوقها، ظناً منهم أن التاريخ لن يكشف جرائمهم، وفاطمة الطفلة الغضّة المتألمة، عاشت مع أحزانها التي أرّقتها طوال خمسين عامّاً، ومن بعض ما قاله بابي ترجمنا التالي: «كانت فاطمة لاتزال يانعة، عائدة من مدرستها الجديدة، كانت تشعر بالتعب من يوم مملوء بتكرار ما طلب المدرّسون حفظه، كانت تتجه إلى المنزل عندما قابلت أخاها الأكبر، الذي أسرع إليها على طول الطريق، وينادي على النساء في المنزل أن يخفوا ما يمكنهم أن يخفوه، لأن اليهود قادمون».

يشير بابي إلى أن فاطمة كانت لاتزال تعاني الثقوب في قدميها، بسبب الرمل الساخن، عندما أبعدهم الصهاينة عن منازلهم، فصلوا الرجال والنساء تحت تلك الشمس الحارقة. وفي حالة شبه إغماء، شهدت فاطمة تلك المشاهد المؤلمة.

يتحدث بابي في هذا الفصل عن مُسلم عوّاد، وهو مؤرخ فلسطيني، لديه منصب دائم في الجامعة، يشرف على الطالب «الإسرائيلي» ياكوف في أبحاثه الجامعية، كما كان يهتم بما حدث في النكبة، لكن لم يتجرأ على الكتابة عنها.

ومن خلال بحث ياكوف كشف إحدى المذكرات لابن عمه، الذي كان ضابطاً في الفرقة «الإسرائيلية» في 1948، وقد وثّق في مفكرته اليومية حدوث أعمال قتل جماعي، وأثارت هذه القضية اهتماماً كبيراً من الصحافة بعد دخولها في القضاء، كما تمّ استدعاء فاطمة للإدلاء بشهادتها في المحكمة، وبعدها قررت المحكمة نبش القبور، للتأكّد من حدوث مجازر حقيقية.

يشير بابي إلى مجيء الدوريات «الإسرائيلية» في الليل إلى القرية، وفرضت حظر التجول، كي لا يزعجهم أحد من العرب في تلك الليلة، وكي لا يعلم أحد السبب الذي جاءت من أجله الدوريات «الإسرائيلية». لكن فاطمة علمت، لأنها سمعت أصوات صفارات الإنذار ومكبّرات الصوت، والتي لم تسمعها طوال خمسين عاماً، أحسّت أن المشهد سيتكرر، ورغم أن ابنها علي والطالب «الإسرائيلي» ياكوف، ذهبا إليها في منزلها، إلا أنهما لم يستطيعا منعها من الخروج في الظلام، وسط حظر التجول، أرادت-وهي غارقة في الذكريات- أن تشير إلى مكان المقابر الجماعية، لكن وسط الظلام في ساحة القرية أصابتها رصاصة غادرة.

[**معركة أكاديمية لأجل التاريخ*]

في الفصل السادس بعنوان «المعركة لأجل تاريخ 1948» يتحدث عن التحضير لمؤتمر حول التطورات الحديثة في التاريخ الفلسطيني - «الإسرائيلي» في 1948 حول الحرب والنكبة، بناء على اقتراح البروفيسور أسعد غانم، وهو زميل لبابي في قسم العلوم السياسية، وكان من المفترض أن يشارك في النقاش الشاعر سلمان ناطور، وسيتم التركيز على الاتجاهات النقدية الحديثة على الجانب الفلسطيني (مع التأكيد على الدراسات التي انتقدت القيادة التقليدية والأنظمة العربية). وفي الجزء اللاحق من اليوم، كان بابي يريد أن يقدّم مع تيدي كاتز والبروفيسور أودي آديف، صورة محدّثة عن الجدالات التاريخية لحرب 1948 ضمن المجتمع الأكاديمي في «إسرائيل».

وعند إعلان المؤتمر بعد موافقة رئيس قسم العلاقات الدولية البروفيسور مايكل غروس، يتصل عميد قسم العلوم الاجتماعية به وبمايكل غروس، ليعلمهما بإلغاء المؤتمر بناء على أوامر من عميد جامعة حيفا، ذلك أنه لا يسمح بعقد مؤتمر يشارك فيه البروفيسور أودي آريف، لسبب أنه في أوائل سنوات السبعينات من القرن الماضي، تم إلقاء القبض على أودي آريف بتهمة التجسس لسوريا والمجموعات الفلسطينية، وأودع في السجن لسنوات عديدة، وبعد إطلاق سراحه، حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة لندن تحت إشراف البروفيسور العراقي سامي زبيدة، الذي يعدّ من أفضل العلماء البارزين في «الشرق الأوسط». وكانت أطروحة الدكتوراه لآريف حول التاريخ الصهيوني وبشكل خاص في 1948، وهو يحاضر في الجامعة المفتوحة في «إسرائيل» في الوقت الحاضر.

يشير بابي إلى أنه دخل في كل هذه التفاصيل مع عميد الجامعة، رغم أن آريف كان ضحية العقيدة الصهيونية أكثر من كونه متهماً بـ «الخيانة»، ووفقاً للقانون «الإسرائيلي» فهو يعتبر كأيّ مواطن «إسرائيلي» بعد فترة الحكم. لكن عميد الجامعة رفض السماح بانعقاد المؤتمر، وقرر أن يرسل رسالة رسميّة يزعم فيها أنه لم يملأ الاستمارات المطلوبة لعقد مؤتمر.

يتحدث بابي عن بشاعة الموقف الذي عاشه، عندما حضر المحاضرون والمدعوون وعائلته، وكانت أبواب الصالة مقفلة، يحرسها أمن الجامعة، مسلحين بالمسدسات، وأخذه رئيس الأمن إلى غرفة، وسلّمه رسالة من عميد جامعة حيفا البروفيسور يهودا هايوت، وتذكر الرسالة أن الأفعال التي يقوم بها بابي تعدّ خرقاً خطراً لقوانين الجامعة، ولذلك تمّ إغلاق الصالة وألغي الحدث.

يذكر بابي أنهم ذهبوا إلى الكافتيريا، وعقدوا مؤتمرهم هناك، بشرط عدم الوقوف، وكانت من أشدّ الندوات انتقاداً حول التاريخ في 1948، ويرى أن ما حدث ليس حدثاً منعزلاً بحدّ ذاته، بل يحدث يومياً في الحرم الجامعي يعكس بؤس حال الحقوق الإنسانية والمدنية في «إسرائيل»، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية.

يؤكّد بابي أن هذا الأمر لا يزال معمولاً به في الأكاديميات «الإسرائيلية»، حتى إن الكثير من الطلاب يخشون من تأييده والتكاتف معه لهذه اللحظة، ويقول: «أحثّ القرّاء على الاحتجاج والتعبير عن استيائهم بالطريقة التي يعتبرونها مناسبة، ليس لأجلي، بل لأجل من كان ولايزال ضحية الإيديولوجيات والنزعات الحالية داخل «إسرائيل»: لأجل الفلسطينيين أينما كانوا، تحت الاحتلال، داخل «إسرائيل» أو في مجتمعات اللجوء والمنفى، إن هذا كان ولا يزال نداءً للتكاتف مع الأصوات المعارضة داخل المجتمع اليهوديّ. وبعض هذه الاحتجاجات، في النهاية ستكون إسهاماً كبيراً في عملية السلام والمصالحة في «الشرق الأوسط». ربما تساعد ذاكرة هؤلاء الأصوات الفلسطينيين على المصالحة والغفران، وذلك لأجل بناء حياة جديدة على الأرض الممزّقة».

[**المنزل الجامعي*]

لم يحاول بابي عقد أي مؤتمرات بعد الذي جرى، حتى إنّ أحداً لم يدعه إلى أيّ مؤتمر، لأن ذلك كان يؤثر في مهن ومستقبل من يدعو بابي إلى ندوات ومؤتمرات، والإقصاء لم يقتصر على الجو الأكاديمي، بل تمّ عزله اجتماعياً، حيث تم توبيخ أحد أصدقائه عندما تناول القهوة معه في الغرفة العامة، كان بوسعه أن يدرّس، لكن كل من يتخرج من الطلاب تحت إشرافه كان يعتبر مذنباً، وفي عام 2005 – 2006، أصبح حضوره في الحوارات التاريخية والفكرية أمراً مستحيلاً. وجد بابي أن هذا المنع المفروض عليه داخل المجتمع اليهودي «الإسرائيلي»، تمّ تعويضه بالاستقبال بين المجتمع الفلسطيني داخل «إسرائيل»، وفي الأقاليم الفلسطينية المحتلة وفي أنحاء العالم.

قبل أن يغادر بابي إلى إنجلترا، ازدادات حدة انتقاداته للأفعال الصهيونية وسياساتها، كما اتخذ من بيته في منطقة مرج ابن عامر- الذي انتقل إليه في ما بعد - مكاناً لإلقاء محاضرات على العديد من الأشخاص ممّن أراد أن يسمع عن آرائه.

يشير إلى أن الصحافة سلطت عليه الانتباه عندما انتقل ليعيش في تلك المنطقة الهادئة، حيث نشرت الصحافة المحلية ملفاً عن «الولد الجديد» في البلدة. وكان على وشك الرد في مقال مطوّل، إلا أن زوجته نصحته بالدخول في حوارات بناءة مع المجتمع، وبسرور قبل بابي التحدي، ورأى أنه من الأفضل أن يدعو من يريد الحوار إلى منزله، ونشر إعلاناً في الصحيفة المحلية، وتفاجأ بأنه وجد أكثر من خمسين شخصاً في الساعة التاسعة مساءً في منزله، وأول سؤال طرح عليهم، هو ما اسم القرية التي بنيت عليها هذه البلدة الصغيرة التي يقطنونها، ولم يكن أحد من الضيوف يعلم أيّ شيء، فأورد لهم أمثلة من الماضي، ولم يشاركه المستمعون الكثير من آرائه، ومما قاله عن سنة 1948 على أنه عملية تطهير عرقي، وكان يتكرر السؤال الاستفزازي: «إذاً، أنت تشكّ بحقنا الأخلاقي في أن نكون موجودين هنا؟» واستمرت هذه اللقاءات في المنزل، والتي أصبحت بالنسبة لبابي أداة رئيسة في كفاحه لنكران النكبة في «إسرائيل»، حتى إنه بدأ في السنة الثانية يحضر وثائق وتقارير مؤكدة من المؤرخين «الإسرائيليين» والفلسطينيين والروائيين والكتّاب، وضحايا النكبة. يتحدث بابي عن إحدى الوثائق التي قدّمها للمستمعين في إحدى محاضراته المنزلية، والتي كانت تضم ما يقارب سبعين شخصاً، هذه الوثيقة كانت شهادة الطبيب الممارس في المشفى المحلي عند دخول القوات «الإسرائيلية» إلى مدينة اللد، حيث يصف الطبيب كيفية تجميع الناس في المساجد، والقيام بفصل المسيحيين عن المسلمين، ثم الرجال عن النساء، كما يشير إلى عملية نهب البيوت وإلحاق الضرر بها. يتحدث عن حالات سرقة المجوهرات والأشياء النفيسة من النساء، والتفتيش عن المخفيّ منها. وكان اللقاء الأخير في منزله مع الناس بعد أسر «حزب الله» لجنديين «إسرائيليين» في صيف 2006، ورد الفعل «الإسرائيلي» العنيف، وكانت دلائله على السياسات «الإسرائيلية» الإباديّة مستندة حينها على ما تقوم به القوات «الإسرائيلية» من مجازر على أرض الواقع في لبنان وبعدها في غزة.

[**من غزة إلى لبنان*]

في الفصل الثامن بعنوان «القشّة الأخيرة: من غزة إلى لبنان»، يظهر بابي حالة من رومانسيّة المكان، ويشعر - وسط العزلة المفروضة عليه - أن هناك من يفهمه من الأصدقاء، ويقدّر آراءه، ويشعر أن المكان الذي قضى فيه بضع سنين في منطقة مرج ابن عامر، كانت ملاذاً آمناً له ولأطفاله.

ويشير إلى حالة جنرالات الحرب في «إسرائيل»، الذين كانوا يرسمون سيناريوهات الحرب العالمية الثالثة، وتحديد موقع «إسرائيل» منها، لكنهم باتوا يتلقون أوامر للاستفادة من خبرتهم في إسكات الأحياء الفقيرة والناس العزّل في الضفة الغربية وقطاع غزة.

يتحدث بابي عن هؤلاء الجنرالات من منطق العارف بهم، فقد كان يدرّسهم في الجامعات «الإسرائيلية»، ويرى أنهم شعروا بإحباط كبير بعد اندلاع الانتفاضة الأولى في 1987، حيث مقتوا ذلك النوع من المواجهات، التي لم تكن تليق بمستواهم العسكري، خاصة أنهم يقمعون المدنيين.

يشير بابي إلى استمرار الإرادة الفلسطينية بإنهاء الاحتلال رغم أن الانتفاضة سُحقت بقوة السلاح حينها، كما يشير إلى كتاب للصحافيَين «الإسرائيليين» رافيف دروكر وأوفير شيلاج، اللذين تربطهما علاقات متينة مع قوات الدفاع «الإسرائيلية»، يوضّحان التدريبات العسكرية قبل الانتفاضة الثانية المبنية على سيناريو مرسوم لحرب كاملة النطاق. حيث توقع «الإسرائيليون» في حال حدوث انتفاضة فلسطينية أخرى، أنه سيكون هناك ثلاثة أيام من «الشغب»، التي من الممكن أن تتحول إلى مواجهة مباشرة مع الدول العربية المجاورة، خاصة سوريا. يرى بابي أن هذا النوع من المواجهة كان مطروحاً لإبقاء قوة الردع «الإسرائيلية»، وتعزيز ثقة الجنرالات في قدرة جيشهم على خوض حرب تقليدية. وبابي يشير إلى أن حالة الإحباط كانت كبيرة إلى حدّ لا يطاق، حيث تحولت الأيام الثلاثة الأولى من التعامل مع الانتفاضة إلى عقد من الزمن.

يتحدث بابي عن حالة الخزي والعار لأقوى جيش في «الشرق الأوسط»، خاصة في الانتفاضة الثانية في عام 2000، حيث ألحق الدمار بكل المدن والبلدات الفلسطينية، ودمّر البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.

ويجد أن التركيز «الإسرائيلي» على لبنان، وفي ما بعد على غزة، سمح للحكومة «الإسرائيلية» خلال 2006، ببناء جزء كبير من جدار الفصل العنصري، الذي فصل الضفة الغربية عن «إسرائيل». وبالنسبة لـ «الإسرائيليين»، فإن الجدار كان الرمز الأكبر الذي يجسّد توافق آرائهم.

[**إقصاء الوجود العربي*]

يشير إلى المراوغة التي قامت بها الحكومة «الإسرائيلية»، بعد موافقتها على وثيقة خطة الطريق 2002 أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا بقيام دولة فلسطينية مستقلة تكون جنباً إلى جنب مع «إسرائيل» في حالة سلم، ولاحقاً في مؤتمر أنابوليس مع الفلسطينيين والأمريكيين في 2007 عندما قبلت بمفاوضات السلام، وكانت المراوغة الأولى: أنها عرّفت منطقة كبيرة من الضفة الغربية بالقدس الكبرى وألحقتها، وذلك سمح لها ببناء مراكز تجمعات وبلدات ضمن المنطقة الجديدة. والثانية: وسّعت المستوطنات القديمة لدرجة أنه لم يعد هناك من حاجة إلى بناء مستوطنات جديدة.

يتحدث بابي عن السياسات «الإسرائيلية» داخل الأقاليم المحتلة، ومع دول الجوار وإيران، ويركّز بشكل أكبر على الأحداث الدموية في غزة، حيث أرادت «إسرائيل» أن تتخذ منها سجناً، وترمي مفاتيحه إلى عرض البحر، وعن وصف ما حدث في غزة قال التالي: «في سبتمبر 2006، بدأت «إسرائيل» بسياسة الإبادة ضد غزة . في صباح الثاني من سبتمبر، قتل ثلاثة مواطنين من غزة، وأصيبت عائلة كاملة بجروح في بلدة بيت حانون . قبل أن ينتهي اليوم حدثت حالات قتل أخرى. بعد ذلك، أصبح مشهد العنف حدثاً يومياً بمعدل قتل ثمانية فلسطينيين كل يوم في ذلك الشهر أثناء الهجمات «الإسرائيلية»، وأغلبهم كانوا من الأطفال. كما أن المئات تشوّهوا، وأصيبوا بجروح وعجز».

يشير إلى حادثة أسر الجندي «الإسرائيلي» جلعاد شاليط، والتي اتخذتها «إسرائيل» ذريعة لزيادة أفعالها الوحشية، رغم أن الجيش كان قبل أسره يقصف القطاع، لكن بعد الأسر ازداد القتل وأصبح منظّماً بشكل أكبر، ويذكر أن الصحافة «الإسرائيلية» ذكرت بعضاً من حالات القتل التي تحدث في سبتمبر 2006، ولكن غالباً في خطوط مجهرية، ويقول بابي: «إن وحشية ولاإنسانية الأفعال «الإسرائيلية» كانت كما افترضتها لأصدقائي وجيراني ممن شاركوني على الأقل النفور والاستنكار. لكن المجتمع اليهودي في «إسرائيل» على النقيض من آمالي وافتراضاتي الوردية، لم يكن ما بعد الصهيونية، بل كان أكثر صهيونية حتى». ويشير إلى أنه في الفترة التي ظهرت فيها الفضائيات ووسائل الإعلام البديل، أصبح المجتمع «الإسرائيلي» قادراً على رؤية ما يجري خلف جدار الفصل، وأن يشاهد كيف يتم معاملة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، لكنه - حسبما يؤكّد بابي - لم يرغب في فهم الحقيقة خارج وجهة النظر الرسمية «الإسرائيلية»، وعن ذلك قال: «في أكثر المستوطنات «الإسرائيلية»، والتي كانت قريبة إلى القرى الفلسطينية، أراد السكان اليهود بناء جدار لإقصاء الوجود العربي. حتى إن روؤساء البلديات العربية - اليهودية المختلطة تحدثوا بشكل علني عن رغبتهم في طرد الفلسطينيين من بلدياتهم».

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178246

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178246 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40