أخطر ما يمكن أن يحيط بالقدس بعد حصارها بالاحتلال «الإسرائيلي» وتمكنه من التوغل حتى تحت الأرض وعمل حفريات عمودية تتجه إلى العمق الأرضي للمدينة المقدسة، وبالتالي تخريب الأساسات المعمارية ذات البعد الديني والتاريخي، ثم إحاطة الاحتلال بالمدينة من الخارج والداخل وابتلاعها أو هضمها رويداً رويداً كما تذوّب الأفعى جسماً أكبر منها، ثم إيجاد وضع سكاني وسياسي فيه من الدهاء، تلك الطريقة البطيئة والصامتة التي تجعل مدينة المدائن بالتدريج مكاناً للاحتفال الديني «الإسرائيلي» كأنها تحصيل حاصل، وهكذا استلابها واختطافها وتجييرها إلى مدينة بذاكرة يهودية يبكي على أحد جدرانها «الإسرائيلي» المتدين و«الإسرائيلي» السائح و«الإسرائيلي» المسلح على السواء، بدموع تستدر عطف العالم وشفقته على «شعب من حقه أن يبكي!»، وإلى آخره من الأساليب الشيطانية «الإسرائيلية» للاستحواذ الكامل على أحب مدينة إلى قلوب الفلسطينيين، وقبلهم العرب والمسلمون.
أخطر من هذا كله البرنامج «النووي» «الإسرائيلي» المرتب جيداً للقدس، هو كما يرى البعض .. التالي :
الأخطر مما ذكر أعلاه، وهو جارٍ على الأرض يومياً بأجندات «إسرائيلية» منظمة ومنتظمة، أن تتحول القدس إلى فكرة أندلسية، أو فردوس مفقود، يبكي عليه العرب، ويذرفون الدموع، كما ذرف أبو عبدالله الصغير الكثير من الدمع وهو يغادر بلاده إلى المجهول.
الأخطر مما يفعله «الإسرائيلي» العملي والممنهج، الذي يعرف ما يريد، أن تتحول القدس إلى إنشاء سياسي، بلا موقف، وبلا خطة عمل بناءً على موقف.
الأخطر في قضية القدس، عربياً، أن تتحول المدينة إلى ذاكرة مفقودة وتاريخ مفقود يبكي عليها السياسيون قائلين عمّن يسألهم عن كل هذه الدموع إنه لا حول لنا ولا قوة.
الأخطر أن نكتفي بالقليل، كأن نكتفي بالقليل من القدس، والكثير من رام الله، إذا كان القليل يعادل الكثير.
الأخطر أن يهجم فولكلور «الإسرائيلي» وتهجم ثقافته، إلى جانب سياسته بالطبع، على مدينة وحيدة، أسيرة ومكبلة، فيما لا أحد في جوارها وأبعد من جوارها بإمكانه أن يفك هذا الأسر وهذا التكبيل.
الأخطر أن نكتفي بالقدس أنشودة وطنية، وصورة بانورامية أعلاها قبة الصخرة وشجر الزيتون.
البكاء على الأندلس، طيب وجميل، ولكن لنا الآن مئات السنوات ونحن نبكي ونستعمل الدموع على أكمل وجه، فيما «الإسرائيلي» يجيد الحفر أكثر من الكتابة، وإذا بكى يتوجه إلى حائط ليس له.
لدينا الوقت الممكن لكي نحرر القدس من الأندلس.