الثلاثاء 7 حزيران (يونيو) 2011

كتاب | خارج الإطار .. النضال لأجل الحرية الأكاديمية في «إسرائيل» 2/4

تأليف : إيلان بابي | عرض : عبدالله ميزر
الثلاثاء 7 حزيران (يونيو) 2011

«إن الرحلة خارج الصهيونية هي رحلةٌ فكريةٌ وإيديولوجية، وسياسيةٌ بالطبع. لكنّها تتضمن أيضاً اضطراباً عاطفياً وجفاءً اجتماعياً يختبره الشخصُ من قبل أشخاصٍ مختلفين»، هكذا قال البروفيسور إيلان بابي عن تجربته، وعن الضغوطات التي تعرّض لها على الصعيد الاجتماعي والأكاديمي في «إسرائيل».

في هذا الكتاب الصادر عن دار النشر البريطانية «بلوتوبرس» بعنوان «خارج الإطار: النضال لأجل الحرية الأكاديمية في «إسرائيل»» في 246 صفحة من القطع المتوسط للبروفيسور «الإسرائيلي» إيلان بابي، الذي يعدّ من المؤرخين «الإسرائيليين» الجدد، ومن أكبر المتحدّين للسياسات الصهيونية، التي ترمي إلى قمع الأصوات المعارضة، وتنبذ كلّ من يصف حرب 1948 بعملية التطهير العرقي، والتي يصرّ إيلان بابي على حدوثها، ويؤكّد كلامه بالتقارير والأبحاث والمقابلات مع ضحايا النكبة. يناضل بابي لأجل الاعتراف بالنكبة داخل «إسرائيل»، وعدم نكرانها، لأن ذلك يضمن عملية سلام حقيقية على المدى المنظور. يعمل بابي الآن في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إيكستر، وهو مدير المركز الأوربي للدراسات الفلسطينية في الجامعة نفسها، ومدير مشارك في مركز إيكستر للدراسات الإثنية السياسية.

كما يتحدث بابي عن قصة الطفلة/السيدة فاطمة، التي كانت شاهدة على المقابر الجماعية في 1948، وظلت أسيرة المشاهد الكارثيّة طيلة خمسة عقود من الزمن، ولابدّ للقارئ - مهما كانت صلابته - أن يذرف دمعة على الإنسانية المهدورة بشكل عام، والفلسطينية بشكل خاص.

[**«إسرائيل» تعتمد في تدميرها للفلسطينيين على الدعم الأمريكي والتفكك العربي*]

يجد بابي أنّ البعض في «إسرائيل» ليس لديه اطلاع على ما جرى في النكبة، والبعض الآخر يجد أن ما حدث كان عملاً ضرورياً ومبرراً أخلاقياً بحجة الدفاع عن النفس. يجد أنه مهما كانت التفسيرات والآراء، فإن القصة الكاملة لم تروَ بعد، كما أن هناك الكثير من «الإسرائيليين» المتحسّسين من تاريخ بلادهم وما يحدث على أرض الواقع، ويقول: «عليهم أن يكونوا يقظين إلى حقيقة الأفعال الشنيعة، التي ارتكبتها القوات «الإسرائيلية» في 1948، وأخفتها عنهم، لا بدّ من إخبارهم بما جرى، ذلك أنّ مثل هذه الأفعال التي تكررت في تاريخ «إسرائيل»، من الممكن أن تتكرّر لاحقاً إذا لم يتصرف الآخرون لإيقافها قبل فوات الآوان». يذكر إيلان بابي أنه قام بكتابة أجزاء عديدة من كتابه «تاريخ فلسطين الحديث: أرض واحدة، شعبان» خلال الزوبعة التي عصفت بالجميع في «إسرائيل» وفلسطين في خريف 2000. يلخص فيه تاريخ فلسطين في آخر مئتي سنة، وكانت محاولة منه تتزامن مع انتفاضة الأقصى، وقال عن ذلك: «في دراستي، شعرت بأنني لم أعد أستطيع إغلاق النوافذ على العالم الخارجي وتأثيراته: لم يعد هناك من مجال أكثر للانطوائية التقليدية للمؤرخ المحترف».

[**قضية كاتز*]

يتحدث إيلان بابي في الفصل الثالث من الكتاب الذي يحمل عنوان «قضية كاتز»، عن قضية الطالب تيدي كاتز من قسم تاريخ «الشرق الأوسط» في جامعة حيفا، الذي قدّم رسالة ماجستير حملت عنوان «النزوح الجماعي للعرب من القرى إلى تخوم جنوبي جبل الكرمل»، نال بها درجة عالية. تحدث فيها عن حرب 1948، وركّز على خمس قرى فلسطينية ساحلية بين الخضيرة وحيفا، وخاصة قريتي أم الزينات والطنطورة، التي أثارت جدلاً حاداً بسب تأكيده ارتكاب قوات الهاجانه «الإسرائيلية» مجزرة في قرية الطنطورة في 22-23 مايو/ أيار 1948، التي راح ضحيتها حسب ما جاء في بحثه مئتي قروي، غالبيتهم من الشباب، وقد أثارت جدلاً كبيراً في الوسط الأكاديمي والصحافي، لما فيها من كشف لفترة سوداء من التاريخ «الإسرائيليّ»، قامت فيها القوات «الإسرائيلية» بعمليات التطهير العرقي في حرب 1948. وكان إيلان بابي الأكاديميّ الوحيد الذي دعمه من الوسط الأكاديمي، بالإضافة إلى الفلسطينيين داخل «إسرائيل» وبعض الناشطين اليهود.

في بداية حديثه عن كاتز يقول: «تيدي كاتز، طالب كبير في السن من كيبوتس ماغال، الذي يبعد بضع كيلومترات جنوب حيفا، قرر أن يبحث في سجلات حرب 1948عن الكيبوتس». ويضيف: «لكاتز شوارب تشبه شوارب ستالين، ودائماً ما يرتدي شورتاً، حتى في أشد الأيام برداً من أيام السنة، كان ينظر إلى التاريخ كطريقة لإغناء حياته، ويسهم في تعزيز حركة السلام المحلي».

يشير بابي في هذا الفصل إلى التفاصيل البحثية لأطروحة الماجستير التي قدّمها كاتز، وجاءت بدايات البحث من قريته التي اكتشف أنها مبنية على بقايا قرية عربية تدعى «زيتة»، ويشير إلى أنه تم إخلاء القرويين منها بقوة السلاح بعد الحرب، نظراً لموقعها المناسب وتربتها الغنية بين حيفا وتل أبيب. كما يذكر أن الوافدين إلى كيبوتس ماغال كانوا غير سعيدين عند وصولهم، لأنهم شاهدوا هؤلاء الذين جرّدتهم الحكومة من ملكية منازلهم.

يشير بابي إلى أن كاتز التقى بالعديدين من أهالي زيتة، ودعا بشكل عفويّ إلى خطة للمصالحة، واقترح على نشرة الأخبار المحلية أن يزور القرويون المهجّرون البيوت القديمة في الكيبوتس، وأن يقطفوا ثمار الزيتون من الأشجار المتبقية. وفي أحد فصول البحث تحدث عن المجزرة التي حدثت في قرية طنطورة التي تحدثنا عنها في البداية، رغم أنه لم يذكر كلمة «مجزرة» في بحثه، لكن يشير إلى أن القوات «الإسرائيلية» أسرت المدنيين وقتلتهم بعد استسلام القرية.

يشير بابي إلى أن البحث بقي في رفوف المكتبة فترة أشهر، إلى أن اكتشفها أحد الصحافيين في جريدة «معاريف» اليومية، ويدعى آمير جيلات، وكتب عنها، ثم بعد أسبوعين نشر الصحافي نفسه ردوداً من بعض الجنود في اللواء الإسكندروني الذي استولى على طنطورة، ويدحضون ما ورد في بحث كاتز، وآخرون يجدونها حقيقة وفقاً لشهود عيان من الفلسطينيين.

يشير بابي إلى أن المحاربين القدامى من اللواء الإسكندروني - الكتيبة 33 - لم يكن من عادتهم الحديث علانية عن أمور مثل التطهير العرقي أو المجازر، بل دائماً ما كانوا يتحدثون عن قصص البطولة والأخلاق الحميدة. وحينها قرّرت جمعية المحاربين القدامى رفع شكوى ضدّ كاتز، وطالبوه بأن يدفع لهم مبلغ مليون شيكل «إسرائيلي».

وطلب كاتز المساعدة من الجامعة، لكن الجامعة رفضت أي مسؤولية عن بحثه، بل اتخذت الجامعة قرارها قبل أن تبدأ المحاكمة، وأزيل اسمه من قائمة الشرف، وتقررت محاكمته بتاريخ 13 ديسمبر/ كانون الأول 2000.

[**كاتز تحت التهديد الصهيوني*]

يشير بابي إلى أنه في الأحد عشر شهراً بين إعلان المحاكمة وبدئها، تعرّض كاتز لتهديدات هاتفيّة ومضايقات في الكيبوتس، كما كان توقيت المحاكمة حرجاً يتزامن مع انتفاضة الأقصى، خشيت حينها السلطات «الإسرائيلية» من تصاعد أزمة في الحرم الجامعي لجامعة حيفا، الذي يشكّل الطلاب الفلسطينيون فيه نسبة 20%، فلجأت الجامعة إلى منع أيّ نشاط سياسيّ، وفرضت عقوبات متشدّدة على الطلاب الفلسطينيين الذين قاموا بنشاطات عبّروا فيها عن هويتهم الفلسطينيّة مثل التلويح بالعلم الفلسطينيّ أو الدعوة إلى تحرير فلسطين، وتمّ التشجيع على نشاطات من هذا القبيل للطلاب اليهود، حيث تمّ تصوير الوضع على أنه حالة حرب.

هنا يشير بابي إلى أنّ كاتز طلب في الليلة التي تسبق المحاكمة أن يتم التعامل مع قضيته على أنها شأن أكاديميّ وليس كمسألة إجراميّة. يرى بابي أنه من المفترض لدولة تدّعي أنها ديمقراطية خلال السنوات الخمسين الأخيرة، ومع التطورات التي حدثت لها، فلابدّ أن تبقي المناقشة ضمن الحدود الأكاديمية، لكن الإجراءات والأخلاقيّات الأكاديميّة العامّة لم تتبع في هذه القضية. كما أن الجامعة لم تدعم كاتز في قضيته، وهذا كان السبب الذي رفضت فيه القاضية طلب كاتز، وتمّ وضعه - وهو في العقد الخامس - أثناء المحاكمة في قفص الاتّهام، رغم أنه تعرّض قبل المحاكمة ببضع أسابيع لجلطة دماغية، ووجّهت إليه تهمة التلفيق المنظّم لمعلومات جمعها، وبشكل تطوعي قدّمها إلى الطرف الآخر.

يشير بابي إلى أنّ حصانة المحكمة كانت قليلة جداً، وكان كاتز في حالة شاحبة وشبه مخدّرة، نتيجة المضايقات ومرضه الأخير، وكان من الصعب عليه أن يستمر في مواجهة الانتهاكات العامة التي يتعرّض لها، ووافق كاتز على التوقيع على رسالة اعتذار يوضّح فيها عدم حصول أيّة مجزرة وتضمنت التالي: «بعد مراجعة الدلائل، أنا متأكّد الآن من أنه ما من شكّ لديّ بعدم وجود أيّ أساس للادعاء أنه بعد استسلام الطنطورة، قام اللواء الإسكندروني أو أيّ وحدة أخرى من قوات الدفاع «الإسرائيليّة» بقتل المقيمين، أودّ أن أوضّح أنّ ما كتبته كان سوء فهم. ولم أكن أقصد أن أشير إلى أنه حدثت مجزرة في الطنطورة، ولا أؤمن بأنّه سبق وأن حدثت مجزرة في الطنطورة».

يشير بابي إلى أنّ من نجوا من الطنطورة بقوا على تواصل معه ومع كاتز، ولم يشعر هؤلاء بخيبة أمل كما شعر هو وكاتز، ويقول بابي في إشارة إلى عدم الاعتراف بمصداقيّة المحاكم «الإسرائيليّة»، التي يجدها الفلسطينيّون باطلة مبنية على باطل: «لم تكن لدى هؤلاء توقعات، ولا احتاجوا إلى محكمة «إسرائيليّة» لتقرّر إذا ما كانوا يفترون أو يروون الحقيقة حول ما حدث لهم في 1948». ويقول أيضاً: «بالنسبة إليّ، لم تكن هذه نهاية القصّة، خلال وبعد قضية كاتز لدي نضاليّ الخاص ضدّ نكران النكبة في «إسرائيل»، وواجهت حملة شخصيّة من التشهير والمقاطعة».

[**الفساد الأكاديمي في «إسرائيل»*]

على الرغم من أن علاقة بابي مع جامعة حيفا أصبحت تتجه نحو التعقيد، بسبب قضية كاتز ومجزرة الطنطورة، إلا أن العزلة المتزايدة بشكل عام، جاءت من الافتقاد إلى حرية التعبير والبحث داخل «إسرائيل». وهذا الشيء - برأيه - واضح من خلال التوتر المتصاعد بين الجامعة والطلاب الفلسطينيين، ويتوجّه بالنقد إلى المجتمع الأكاديميّ في جامعة حيفا، التي تقلّد كل حركة للحكومة دونما توجيه أيّ انتقاد لها، ويجد أن عزلته كانت متوقعة وسط مجموعة من العلماء والأكاديميين الجبناء في دولة تسمّي نفسها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط».

خلال تلك السنة - حسبما يذكر - أجرى بابي بحثه حول مجزرة الطنطورة بالاعتماد على المواد المؤرشفة والدلائل الشفوية الجديدة، وأصبح منهمكاً في هذا الموضوع أكثر من كاتز، وزاد في تشديده على ارتكاب المجزرة أكثر، حتى إنه لجأ إلى كتابة بحثه بلغات عدة، لكن المحاربين القدامى من اللواء الإسكندروني، لم يتجرؤوا على توجيه دعوى قضائيّة ضدّ بابي كما فعلوا مع كاتز. وذلك لتيقنهم أن إيلان بابي لن يستسلم تحت ضغوطات المحكمة، كما سيلجأ بابي إلى تقديم ما يؤمن به من حقائق حول النكبة في منتديات «إسرائيليّة» عامّة ودوليّة.

تركّز نقد بابي للجامعة بسبب تواطؤها مع الإذلال اللامنتهي والسياسات القاسية التي تتبعها «إسرائيل» مع الفلسطينيين في الأقاليم المحتلة، خاصّة في ما يتعلق بالمواد الغذائيّة، التي قادت إلى إصابة الفلسطينيين بأمراض مختلفة تتعلّق بنقص التغذية، وكذلك تهديم المنازل بشكل لا مثيل له وعلى نطاق واسع، بالإضافة إلى قيام الاستخبارات «الإسرائيليّة» باغتيال الأبرياء، ومن ضمنهم الأطفال. هذا فضلاً عن المضايقات المستمرة على نقاط التفتيش، وتدمير الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة في الأقاليم الفلسطينيّة المحتلة. ويشير بابي إلى أنه حاول أن يظهر انتقاداته على المسرح الدولي، وذلك لسببين: أولهما، لأنه ليست هناك قوى داخليّة يمكنها أن توقف «إسرائيل» من تدمير الفلسطينيّين أو أن تنهي الاحتلال. ثانياً: وهو الأسوأ برأيه، السياسة الأمريكية المنحازة لـ «إسرائيل»، والتكاسل الأوروبي وعجز وتفكّك الدول العربية.

يشير إلى حالة النبذ التي كان يعيشها داخل الأكاديميّة «الإسرائيليّة»، بحيث ابتعد عنه الكثير من الزملاء والأصدقاء القدامى، وألغوا الكثير من الدعوات الموجّهة إليه للمشاركة في المؤتمرات والمحافل الأكاديميّة. وانتقاماً منه على نقده، قام عميد كلية الإنسانيّات في جامعة حيفا البروفيسور بين - آرتزي ورئيس المدرسة التاريخيّة البروفيسور جيلبر، بحظره من المشاركة في أيّ حدث رسميّ تحت رعايتهما، كما كان لهما دور كبير في قضية كاتز - حسبما يذكر بابي.

كما يتحدث عن حملات التشهير به، والحض على قتله، حتى إن البروفيسور بين - آرتزي طلب من النيابة طرد بابي من الجامعة، بسبب موقفه من قضية كاتز، والتهمة كانت: «انتهاك بابي واجبات العضو الأكاديميّ والإشهار ببعض البروفيسورات من كليات العلوم الإنسانيّة وتعريضهم للخطر»، وعن ذلك قال بابي: «تجرأت باتهام الجامعة بالجبن الأخلاقي، وعزّيت الدوافع السياسيّة إلى التصرف في قضية كاتز، وهذا يمكن وصفه بأنه مسألة غير أخلاقية وغير أكاديميّة وليس مسألة حرية التعبير»، ويضيف: «في الحقيقة، كنت متّهماً من قبل هؤلاء، الذين رأوا أنفسهم كحراس للتاريخ القومي، ولذلك لم يكن بمقدورهم السماح لأطروحة مثل أطروحة كاتز أو تصريحاتي والنتائج التي توصلنا إليها على أنها شرعيّة في البحث الأكاديميّ».

يرى بابي أنّ ما حدث يظهر الطبيعة الوحشية للتطهير العرقي في عام 1948، ويعطي مصداقية لطلبات الفلسطينيين بالتعويض والعودة للوطن، وإنّ عرض هذه الأعمال الوحشيّة من قبل أكاديميين «إسرائيليين» يجعلهم أمام حقائق غير متنازع عليها في أعين العالم، وحتى إنه يزرع الشك في أذهان «الإسرائيليين» أنفسهم، والأكثر أهمية أن عملية التطهير العرقي في عام 1948، مرتبطة بشكل مباشر بعملية السلام اليوم وأي صيغة من صيغ الحلول المستقبليّة.

[**بابي في قفص الاتهام*]

يتحدث بابي عن الضغوطات التي تعرّض لها، وتلقيه الدعم من زميله من المؤرخين «الإسرائيليين» الجدد بيني موريس، الذي حذّر من أنه سيركّز على قضية التطهير العرقي أكثر، وسيكشف الحقائق بشكل أكبر إذا ما استمرت الضغوطات على إيلان بابي على نحو متزايد، ويبدأ بابي بنص التهمة الموجهة له: «إن التشهير المستمر بالجامعة ومؤسّساتها، في كل من المنشورات المكتوبة والأحداث العامّة في «إسرائيل» والخارج، من وقت إلى آخر تلقينا العديد من ردود الأفعال المندهشة من زملاء في الخارج، لم يفهموا كيفية السماح للبروفيسور بابي بالتصرف بهذا الإسلوب، في الوقت الذي هو عضو دائم في كلية جامعيّة. وفي الآونة الأخيرة تحديداً، تلقينا رد فعل عاطفيّاً وساخطاً للعرض الذي قدّمه البروفيسور بابي في كامبردج. قدّم مواد قاسية عن أفكاره مرتبطة بالجامعة و«إسرائيل»». ويضيف بابي ما أضافه البروفيسور بين - آرتزي قائلاً: «طلب البروفيسور بابي مؤخراً مقاطعة الأكاديمية «الإسرائيلية»، وإن أفعاله تهدّد كل أعضاء المجتمع الأكاديمي، خاصة أعضاء هيئة التدريس الناشئين، لأن المقاطعة ستقيّد الوصول إلى المنح البحثية في المجلات العلمية ....».

كانت الشكوى المقدّمة إلى القضاء تطلب مقاضاة بابي على الانتهاكات التي قام بها، واستخدام سلطة المحكمة القانونية لطرده من الجامعة. وأدرك بابي حينها أن ذلك لم يكن طلباً، بل كان قراراً ضده. ولجأ بابي في اليوم نفسه إلى كتابة رسالة إلى أصدقائه حول العالم يبين فيها الحقيقة وراء توجيه هذه الاتهامات إليه، ويشير في رسالته إلى أن حالته أفضل من حالة زملائه في الأقاليم المحتلة ممن يعيشون تحت المضايقات والانتهاكات اليومية التي يقوم بها الجيش «الإسرائيليّ».

يذكر بابي أن الاستجابة الدولية كانت مدهشة، فخلال أسبوعين من الزمن، قام أصدقاؤه بتشكيل لجنة دولية نيابة عنه، نجحت في الحصول على 2100 رسالة دعم، وجهت إلى عميد جامعة حيفا.

[**رسائل الاستنكار :*]

يذكر بابي أن السلطات الجامعية علّقت الإجراءات لاندهاشها من اللجنة الدفاعية التي بدأت، وتمّ تأسيس موقع إلكتروني من قبل لجنة الدفاع الدولية، التي قدّمت عوناً كبيراً لبابي، وفي تلك الأثناء أثارت القضية فضول الصحافة «الإسرائيلية»، وعلى الرغم من أن «هآرتس» لم تكن تدعم وجهة نظره، لكن أوردت الردود والاستجابات التي جاءت ضد قرار الجامعة في صفحة البداية، وقد أحرجت السلطات الجامعية إلى حدّ كبير. واختار بابي مجموعة ليست بالقليلة من الرسائل، ونشرها في هذا الكتاب، نظراً لأهميتها، خاصة أن الغرب كان ينظر إلى «إسرائيل» على أنها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط».

من إحدى الرسائل إلى عميد جامعة حيفا، كتبها البروفيسور المساعد جيفيري سومونس في قسم التاريخ، في كلية نورث جورجيا، قال فيها: «لفت نظري أن إيلان بابي يخضع للرقابة، ومن الممكن أن يتم طرده من جامعة حيفا. آمل أن يكون هذا الأمر مجرد شائعة وليس حقيقياً ....»، ويكمل: «أودّ أن أقدّم دعمي للبروفيسور بابي، كما أقدمه لأيّ مثقف يتم إسكاته ...». وكتب البروفيسور ديفيد أوزونوف، رئيس قسم الصحة البيئيّة في جامعة بوسطن: «أنا أشعر بصدمة وألم عميقين من سماع الإجراءات المتخذة ضدّ إيلان بابي، خاصة أنه عالم معتبر بشكل كبير في جامعتكم. وفي الوقت الذي تكون فيه آراؤه على نقيض من آراء زملائه، فإنه يبقى سبباً بسيطاً لطرده من الجامعة ...».

بعد قراءة التهم الموجّهة إليه في عشر صفحات في العبرية، كتب البروفيسور جاكوب كاتريل من المعهد «الإسرائيلي» للتكنولوجيا في حيفا: «إنني قرأت الشكوى المقدّمة ضد بابي بدقة في عشر صفحات، وأكتب إليك لأنصحك بقوة أن تسقط هذه الدعوى وتمنع عنه التهم الرسمية الموجهة إليه».

كما كانت هناك رسائل احتجاج من فرنسا، خطّها المؤرخ الفرنسي باودوين دوبيرت، واقتطفنا جزءاً منها: «بعد سماع الأخبار المخيفة، التي تتعلق باحتمال طرد البروفيسور بابي من الجامعة، أكتب إليك هذه الرسالة لأعبّر فيها عن قلقي العميق. فإذا ما لجأت إلى إسكات أحد الأصوات المعبّرة عن معارضتها في الأكاديمية «الإسرائيلية» بالقياس إلى سياسة الحكومة العمياء والجائرة وغير المثمرة، لن يتعرّض احترامك الشخصي للتهديد فقط، بل الاحترام الكليّ لمهنتك وبلادك». حان الوقت الذي يتوقف فيه المجتمع الأكاديمي «الإسرائيلي» عن دعم هذه الحكومة ورئيس الوزراء الذي انتخب بناء على أجندة أمنية، وجلب من العنف والحزن الكثير. حان الوقت ليستنكر المجتمع الأكاديمي «الإسرائيلي» بوضوح الاحتلال وبناء المستوطنات، وتطالب بسلام حقيقي يقوم على الاعتراف بدولة فلسطينيّة مبنية متأسسة على الأقاليم المحتلة في 1967. إن الصمت حلّ تلجأ إليه النعام فقط. ولا يزال الأمل ينتابني من أن أغلب العلماء «الإسرائيليين» لن يتصرفوا مثل النعام». كما يورد بابي رسالة طويلة من البروفيسور آفي شاليم، رئيس قسم العلاقات العامّة في جامعة أكسفورد، يعبّر فيها عن الحالة السيئة للأكاديمية «الإسرائيلية»، ويصادق على آراء بابي التي لا يشوبها الشك، حيث هي مبنية على العمل البحثي، ومن ضمن ما قاله: «ليس هناك من شك أن هذه الحركة لمقاطعة الأكاديميين «الإسرائيليين»، هي بسبب سياسة الحكومة «الإسرائيلية» الحالية. أنا أعارض هذه المقاطعة، لأنها لا تلائم القيم الأكاديمية .....»، ويكمل: «في الحقيقة لو أن هذه المحاكمة تمضي إلى الأمام، سأنشر هذه الرسالة في الإعلام وأحشد كل ما يمكنني من الدعم الدوليّ للبروفيسور بابي».

ذكر بابي ما كتبه البروفيسور ياسوماسا كوردوا من هونولولو، هاواي، ونجد أن هذه الرسالة توضّح آلة الدعاية القوية لـ «إسرائيل» في الغرب، التي تظهر «إسرائيل» على أنها دولة ديمقراطية، ومما جاء في رسالته: «شعرت بحزن كبير لسماع حدوث محاكمة للبروفيسور بابي، أفهم أنه يمكن أن يطرد من الجامعة. وأنا أكتب هذه الرسالة كمناشدة لك لسببين :

1- قابلت وتحدثت مع بابي وأعرف أنه عالم «إسرائيلي» وطنيّ، يؤمن بالديمقراطية والسلام.

2- لا أريد أن أرى «إسرائيل» تجسد الصفات، التي يوجّهها أعداؤها إليها من أنها دولة عنصرية، معادية للديمقراطية، ومخادعة». ويقول في مكان آخر: «الحرية الأكاديمية شرط ضروري لوجود الجامعة، ولن يكون هناك من تطوير لأفكار جديدة من دون الحرية الأكاديمية».

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178175

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2178175 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40