السبت 4 حزيران (يونيو) 2011

نحو مشروع النهضة العربية الجامعة

السبت 4 حزيران (يونيو) 2011 par نعيم قاسم

شكلت المقاومة منعطف التغيير الحاضر، وإن 25 أيار سنة 2000 هو فاتح باب الانتصارات في القرن الحادي والعشرين، هذه الانتصارات فُتحت أبوابها ولا إمكانية لإغلاقها، ونحن معنيون في المواقع الشعبية المختلفة أن نحافظ عليها. إنجازات الانتصار في كل اتجاه، في الاتجاهات الثقافية والعسكرية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية، ولا تنحصر في بابٍ واحد، لذا علينا أن نخوض في كل المجالات لتثمير هذا الانتصار.

[**مشروع النهضة العربية*]

كلما تكثفت دوائر الاهتمام في أمتنا للبحث عن المشتركات الموجودة بيننا كلما حققنا إنجازات أكبر. نحن ندعم كل صورة من صور العمل الوحدوي، سواء اتخذ صفة اجتماع الأحزاب أو القوى أو المؤتمرات أو الشخصيات أو الأفرقاء في أي موقع من مواقع عملنا العربي في هذه المنطقة على امتدادها، أو غير ذلك... ونعتبر أن أي عمل وحدوي مشترك يجب أن يكون خاضعاً لثابتتين اثنتين، ولا إمكانية لقيام مشروع النهضة العربية إلاَّ بهاتين الثابتتين الصالحتين من أجل أن نجتمع ونتعاون مع بعضنا.

أما الثابتة الأولى : فهي مشروع المقاومة، المقاومة التي تجمع، والمقاومة التي تحرر، والمقاومة التي لا تبحث عن سلطة وتوزيع المغانم. مشروع المقاومة محوره محور الصراع في منطقتنا، وهو فلسطين، من لم يؤمن بتحرير فلسطين كرمزٍ وقلبٍ للصراع لا قيمة لمقاومته في هذه المنطقة، ولو رفع شعاراتها، ما لم تكن فلسطين قبلة التحرير. وهذه ليست منَّة على فلسطين، بل لأن فلسطين هي المدد والعطاء والأساس والتغيير والثورة والانطلاقة. بعضهم يفكر بفلسطين من الناحية المبدئية والإيمانية والقناعات والوجدان، وأقول للبعض الآخر حتى ولو فكرتم بفلسطين من موقع مكاسبكم فاعلموا أن فلسطين المحررة هي طريق التحرير لكل الوطن العربي، وأن فلسطين المغتصبة هي التي ستخيم على اقتصاد كل العالم العربي، تحت عنوان: قوة «إسرائيل» ومكانة «إسرائيل» ومشروعية وجود «إسرائيل»، من هنا نحن ندعو إلى المقاومة، ونذكر لها أربعة مرتكزات :

الأول : نحن نؤمن بكل أشكال المقاومة، وعلى رأسها المقاومة العسكرية، ونعتبر أن المقاومة بالقلم والدعاء والمال والموقف والسياسي، من الكبير والصغير وفي المواقع المختلفة، كلها تصب في خانة المقاومة، ولا نقبل أن يجري تمييز بين مقاوم وآخر في أي موقع، فلكلٍ قدرته، المهم أن نتكامل مع بعضنا وتكون البوصلة واحدة وهي مواجهة العدو المحتل لفلسطين.

الثاني : لا نقبل بتصنيف المقاومين على أساس البعد الأيديولوجي، فلكلٍ الحق أن يحمل الأفكار التي يريدها، ومن رأى حسابه عند الله فحسابه عند الله جلَّ وعلا، ومن رأى حسابه في مكانٍ آخر فله أن يؤمن بما يؤمن، وغداً نلتقي في يومٍ من الأيام. نحن نهتم بالعنوان المقاوم، ولا نلاحق ولا نسأل ولا نغوص في تفاصيل الاعتبارات الفكرية أو القناعات التي يحملها الأفراد أو الجهات، وهذا من مصلحة المقاومة كي نجتمع ونتقوى ببعضنا، نعم علينا أن نستفيد من تجاربنا، ومن قدراتنا، وأن نعيد النظر في بعض خطواتنا أو أفكارنا من خلال الحوار، وهذا أمرٌ مطلوب، وأن لا نجمد على قناعات قد تكون غير قادرة على مواكبة الواقع المعاصر لكن في النهاية علينا أن نقبل بعضنا كمقاومين بصرف النظر عن المنطلقات التي أوصلتنا إلى المقاومة.

الثالث : رأس الحربة في كل مقاومة في منطقتنا إنما تكون بالأولوية لأصحاب الأرض المباشرين ونحن معهم، ففي فلسطين الفلسطينيون هم رأس الحربة ونحن معهم، وفي لبنان اللبنانيون رأس الحربة ونحن معهم، وفي العراق العراقيون رأس الحربة ونحن معهم، ومن الخطأ أن تحل أي جهة نيابة عن الجهات الأخرى أو أن تستغفلها، أو أن تكون في موقع يحاول أن يوجهها وكأن المقاومة حكرٌ على جهةٍ دون أخرى. لدى شعوبنا كل الخير، وكل شعب يتحرك في وطنه من أجل المقاومة ونحن معه نناصره وندعمه ونتعاون معه، وليكن اسم التحرير معنوناً بحركته، نحن لا نبحث عن العنوان إذا انتصر أي واحد في منطقتنا العربية، فنحن منتصرون ولو لم يكن اسمنا على لوحة الانتصار، يكفينا أن يمتد أريج الانتصار إلى كل بيتٍ ودسكرة ولو لم تُعرف الأسماء ولا العناوين.

الرابع : هذه المقاومة هي حالة، ممتدة عبر الزمن وفي الحاضر ويجب أن تمتد إلى المستقبل، والحالة تمر بتجارب مختلفة، وتستفيد من خبرات بعضها بعضاً. لا أحد يحتكر المقاومة ولا أحد يعتبر نفسه قائداً أو حاملاً أو حامياً لهذه المقاومة، كلنا نستفيد من بعضنا. وبمحطات الزمن تبرز هذه المقاومة أو تلك، فهذا الأمر يتبع الظروف وقرار التصدي، لمن لديه الحيوية وهيأ المقومات وجعلها من مسؤوليته وأولويته، ولذلك نحن نعتبر المقاومة واحدة في تاريخها وحاضرها ومستقبلها بتجارب متعددة ونماذج مختلفة، ولكل نموذجٍ طعمه، وليختر الناس الطعم الذي يحبونه من هذه النماذج.

الثابتة الثانية : مواجهة المشروع الأميركي بمفرداته الاستكبارية الاستعمارية، وهذا ما يتأسس على أمور ثلاثة :

الأول : يجب وقف الوصاية الأمريكية على الدول والشعوب، وكذلك طرد الأنظمة المستبدة والعميلة أو الشروط التي تساهم في تعطيل قدرات شعوبنا في هذه المنطقة، ولذلك نحن ضد أي شكل من أشكال الوصاية الأميركية سواء دخلت من الشباك أو من الباب، أكانت بتدخل مباشر، أو بالحيلة التي تأتي تارة تحت عنوان المساعدات، وثانية تحت عنوان التدريب، وثالثة تحت عنوان الخبرات، ورابعة تحت عنوان شهادات تمنح من الكونغرس الأمريكي.

الثاني : نرفض مشروع «الشرق الأوسط الجديد» بحلته الجديدة بعد أن سقط من بوابة حرب تموز سنة 2006، مهما كان هذا المشروع، طالما أن قيادته أميركا وأن مركزيته «إسرائيل»، وبالتالي من حقنا في وطننا العربي أن يكون لنا مشروعنا، وعلى الآخرين أن يقبلوا مشروعنا الشعبي، ولن نقبل أن يفرض علينا أحد تحت عنوان آحادية السلطة في العالم مشروعاً، سواء سُمي بـ «الشرق الأوسط الجديد» أو بغير ذلك.

الثالث : نؤكد على أهمية الخيارات الشعبية الحرة، ونضع علامات استفهام كبيرة على الخيارات الشعبية التي تحركها المساعدات الأميركية والأوروبية، لأن هناك خطر كبيراً أن يتحول الثوار إلى أدوات بيد المشروع الأميركي من غير أن يعلموا ذلك، من هنا نحن مع خيارات الناس في مواجهة أوضاعهم في بلدانهم، ضمن حوار مع السلطة أو معارضة لها، شرط أن تتحقق النتائج بناء على الحراك الداخلي والنتائج الداخلية، لا بناءً على الاستعانة بالأجنبي مهما كانت عناوين ومبررات هذه الاستعانة.

على هذا الأساس نحن نعتبر أن الثابتتين الجامعتين لنهضة عربية حقيقية : دعم المقاومة، ومواجهة المشروع الاستكباري. من آمن بهاتين الثابتتين فنحن معه، ومن لم يكن معهما نحاوره أو نختلف معه، ولكننا في مسار وخيار يختلف عن مساره وخياره.

[**مصر الثورة*]

الثورة المصرية الشعبية قدَّمت إنجازاً كبيراً وهيأت لتحولات كبيرة في منطقتنا، ولو لم يحصل في مصر إلاَّ سقوط المخلوع حسني مبارك لكان أمراً عظيماً. لكن علينا أن نلتفت كي لا تأخذنا بهجة الانتصار، فمن ناحية أن لا نطلب كل شيء من الثورة المصرية وهي لا زالت فتية، ومن ناحية أخرى لا نستعجل نتائجها وهي ما زالت في طور التكوين والإعداد، وقد سبق العمل فيها القول، وسبق الشعب الأحزاب، وسبق التغيير الاستعداد للتغيير، ما يستدعي إعطاءها الفرصة لتتخطى هذه المرحلة، ولكن أذكِّر بثلاثة أمور :

الأول : من المهم أن تبقى الثوابت الأساسية حاضرة في العمل وفي الثورة، وأن لا يتم التنازل عنها تحت أي عنوان أو ذريعة، بأن تبقى «إسرائيل» عدواً، وعند العجز عن إعلان ذلك بوضوح لا لُبس فيه لظروفٍ استثنائية، فلا أقل من عدم وسمها بصفة الصديق، وهذا أضعف الإيمان بإنكار القلب بدل تحويل الإنكار القلبي إلى لسانٍ يدعم «إسرائيل».

الثاني : أن نحذر من محاولات الالتفاف الأميركي على الثورة المصرية والتي تجري بشكل يومي وحثيث، فهذا خطر حقيقي.

الثالث : أن لا تشكل السلطة إغراءً للتنافس، ما يُبعد الثورة عن أهدافها، فليختر الشعب من يريد ولو أخطأ في خياراته - بحسب زعم البعض -، وليكن الاهتمام لأي موقع حزبي بدعوة الناس وتعبئتهم وتثقيفهم لتحسين خياراتهم، ولكن على الجميع أن يحترم خيارات الشعب.

[**واقع الثورات العربية*]

بكل صراحة نحن نعتبر أن الحالات العربية التي نعيشها اليوم والثورات العربية ليست متشابهة، دعونا ندخل إلى العمق وإلى التفاصيل أكثر لنحدِّد موقفنا :

أولاً : هناك نموذج مصر وتونس، هذا النموذج أنجز الخطوة الأولى على طريق الانتصار بإزاحة الحاكم المستبد، وأمامه خطوات طويلة إلى الأمام، نأمل أن ينجح أخوتنا في مصر وتونس لتحقيقها بعيداً عن توجيهات أميركا ومن وراءها.

ثانياً : ليبيا واليمن، تتداخل فيهما مصالح المستكبرين المستعمرين مع متطلبات الشعبين هناك، ما يجعل الإرباك واضحاً بحسم نتائج المواجهة، وما يضعهما في دائرة الحذر الشديد لما يمكن أن تصل إليه النتائج، وهذا ما يتطلب تعاملاً حذراً ودقيقاً لمصلحة الشعب طبعاً.

ثالثاً : ما يحصل في البحرين، حيث يوجد شعبٌ مظلوم بالتآمر الدولي عليه، ولكن لن ينجح النظام البحريني في طريقة أدائه باستمراره في القمع، وفي النهاية كلمة الشعب لا بدَّ أن تترك أثراً.

رابعاً : في سوريا تتداخل المطالب الشعبية مع التآمر الخارجي، بحيث بلغ حجم التآمر درجة جعل المسار في الاعتراض ينحو منحى الفتنة، بينما المطلوب أن ينجز المسؤولون في سوريا بالتعاون مع الشعب السوري إصلاحات حقيقية جدية ومطلوبة، ولكن في آنٍ معاً لا يجوز الذهاب إلى المجهول بأدوات الدعم الأجنبي والتفجيرات التي لا تحمل أفقاً إلاَّ التخريب والفوضى.

أعتبر أن سوريا قطعت مرحلة إيجابية حتى الآن، ودليلي على ذلك ليس ما يحصل في سوريا، وإنما ما يحصل من تكثيف العقوبات الأميركية والأوروبية يوماً بعد يوم، لأنهم خائفون أن تتعرض فتنتهم الوليدة لانتكاسات اضافية، ولذا يكثفون العقوبات لتعويض نقص الأوكسجين في الداخل، نحن ندعو إلى معالجة الوضع في سوريا بالتعاون بين النظام والشعب، والاستماع إلى مطالب الناس وإيجاد الحلول الموضوعية، فالوضع في سوريا يختلف عن البلدان الأخرى.

خامساً: لفتني أولئك الوسطاء العرب الذين يريدون معالجة مشاكل بعض الأنظمة العربية مع حكامها، وهم هرمون ويعانون من أمراض مزمنة، ولعلَّ الله يوفق أن نرى نتائج إيجابية في مواقع الاهتراء قريباً في واقع تلك الأنظمة العربية.

[**مشروعان متقابلان*]

لقد سمعنا خطاب أوباما، وأذكر أن أحد الصحفيين سألني قبل الخطاب: ما الذي سيقوله أوباما في خطابه بحسب اعتقادكم؟ قلت: لا شيء. قال: وكيف، وكل وسائل الإعلام والمحللين ينتظرون هذا الخطاب؟ قلت له: سيبحث عن آيات قرآنية يتلوها، لكنها من قرآن لا علاقة له به، إلاَّ أن بعض ضعاف النفوس يقبلون التخدير على أنغام تلاوة الآيات، لأنهم لم يعتادوا العمل بها، فيقبلونها بالنطق دون العمل، وهكذا هو أوباما.

ذكَّرنا أوباما بالسياسات الإستكبارية الظالمة للإدارات الأميركية المتعاقبة، وأعلن بوضوح بأن أمريكا ما زالت منحازة إلى «إسرائيل» الدموية والعنصرية والمجرمة، وأنه يحمل عدائية مفرطة تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه المقاومة الحرة الشريفة في كل منطقتنا، وقد أصبح واضحاً، فحيث يكون الموقف الأمريكي يكون الظلم والعدوان والاستبداد، وحيث الموقف المقابل سنجد المقاومة والحرية والتحرير.

نحن مع محور المقاومة والممانعة، نعم بكل وضوح، نحن مع إيران وسوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، نحن مع كل الشعوب الذين رفعوا قواعد المقاومة لمواجهة الاستكبار الأمريكي، نحن مع فجرٍ جديد نصنعه بأيدينا، ولسنا بحاجة للمساعدات الأمريكية ولا لغيرها، ولسنا بحاجة لتعليمات مجلس الأمن ولا لرعايته، بأيدينا وبتظاهراتنا وبحريتنا ننجز تحرير أرضنا في لبنان وفي كل المنطقة، إن شاء الله تعالى.

- [**بحث قدم في الدورة الـ 22 للمؤتمر القومي العربي في بيروت.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 71 / 2165325

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165325 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010