الخميس 2 حزيران (يونيو) 2011

عندما ترأس الحكم الشخصية المريضة

الخميس 2 حزيران (يونيو) 2011 par د. علي محمد فخرو

اجمع في أية شخصية بشرية صفات النرجسية المحبُّة للذات حبًاً مريضاً والمؤلٍّهة للنفس إلى حدود الجنون، اجمع مع تلك الصٍّفات المرض النفسي المعروف بالسًّايكوباثي، حيث الضمير نائم لا توقظه أية أخلاق أو قيم إنسانية، ثمًّ أضف إلى كلُ ذلك عنجهيًّة قبليًّة أو عشائرية أو عصابًّية مذهبية، عندها ستخرج بشخصية شريرة حقودة أنانية تعيش على ظلم الآخرين وعلى تحقير كرامتهم.

هذه الشخصية هي ما رأيناها أمامنا وهي تسقط على وجهها في تونس ومصر، وما زلنا نراها في الكثير من الأقطار العربية، وعلى الأخص في ليبيا واليمن.

هذه الشخصيات لا تستطيع قط أن تتصور أحداً يتحدًّى حقًّها في أن تجلس إلى الأبد في كرسي ألوهية الحكم. ولذا لا يمكن أن ترى في الملايين المنادين برحيلها وبسقوط نظامها القمعي الفاسد إلاً حفنة من الحاقدين الحاسدين الكافرين بالنعٍّمة، ولا في الألوف من الضًّحايا الشُّهداء إلاً ثمناً معقولاً تتطلبه هيبة الدولة، أي هيبة رئيس الدولة.

هذه الشخصيات تذهب إلى فراشها وتنام قريرة العين لا تحرٍكها ضمائر ولا تزعجها كوابيس القلق والندًّم. وهي تشعر بالأمان، إذ تعلم أن من قرًبتهم واشترتهم ودرًّبتهم في مدرستها من الأزلام والعبيد سيقومون بمهّمة حراستها وتبرير كلٍّ شرورها والدًفاع عن كلً مجازرها.

إن نوع أنانية هذه الشخصيات وصفها وصفاً رمزياً بليغاً الكاتب الروائي الانكليزي ديريك ريموند عندما وصف السايكوباث «بأنه الفرن الذي لا يعطي حرارة» إنه يملك شخصية تحرق الأخضر واليابس في فرن شرورها، ولكن لفرط لؤمها وأنانيًّتها لا تنتج حتى حرارة تفيد بها الناس والعباد. أما الجانب النرجسي وعبادة الذات في هذه الشخصية فقد عبًّر عنه الكاتب الإسباني بيو بارويا في قوله: «عندما يكثر الإنسان النظر إلى نفسه فانه سيصل يوما ما إلى عدم قدرته التُّفريق بين وجهه الحقيقي وبين القناع الذي يلبسه» بل يستطيع الإنسان الإضافة بأن على هؤلاء رفع ألف قناع مزيٌّف يلبسونه قبل أن يكشفوا عن وجههم البشع الحقيقي.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع مثل هذه الشخصية المريضة المغموسة في زيف الشيطان، لو ولٍّيت الحكم والسلطة، أن لا تكون شخصية دكتاتور مستبد ظالم أناني مهلوس؟ إن طبيعة الأمور تحتٍّم أن يكون الجواب كلاً. ومع ذلك فالأقنعة قادرة على تغطية الوجوه، فلا نرى العيون الشرٍيرة ولا نلحظ الأسنان الملًّطخة بالدم. ولذلك قال أحدهم بأن الدكتاتور يبدو طيباً حتى آخر دقيقة.

من هنا مثلاُ ما نسمعه يومياً على لسان الناطقين الإعلاميين في سلطة الحكم في اليمن وليبيا، على سبيل المثال، من تذكير بطيبة وحنان شخصيتي رأس الحكم حتى لو بدا للناس بأنهما يعزفان على القيثارة بينما تحترق الأرض الليبية والأرض اليمنية، تماماً مثلما فعل نيرون روما قبل حوالي ألفين سنة.

الواقع أن هذه الشخصيات المعقدة لا تستطيع أن تكون حتى شخصيات المستبًّد العادل الشهيرة. فصفة العدل تحتاج إلى شخصية تحبُّ الآخرين على الأقل بمقدار محبًّتها لنفسها وتملك ضميراً حيُّاً وتتجنًّب القسوة البهيمًّية. ومثل هذه الصًّفات لا يمكن أن تتوفًر في الشخصية النرجسًّية ـ السايكوباثية التي يكثر وجودها في الحياة السياسية العربية.

[**ما الحل لهذه المعضلة؟*]

الحلُ بالطبع، لو أمكن، أن يتجنب العرب تولية أمرهم إلى مثل هذه الشخصيات، سواء أكانت التولية بالوراثة السياسيـــة أم بالانتخاب.

ولما كان ذلك شبه مستحيل، إذ حتى في الديمقراطيات العريقة انتخب الناس أنطوني بلير وانتخبوا جورج بوش الابن ، وهما شخصيتان نرجسيتان ـ سايكوباثيًّتان بامتياز، فان الحل في النظام الانتخابي على الأقل، أن لا يقبل مستقبلاً شباب الأمة العربية الذين نعول عليهم، انتخاب أي رئيس دولة أكثر من دورتين.

ومثلما أدخل شعبا بريطانيا وأمريكا بلير وبوش في مزبلة التاريخ فان باستطاعة العرب مستقبلاً أن يتخلًّصوا من شخصيات الحكم المريضة مبكراً، وذلك قبل أن يتجذًّر شرًها في المجتمعات وتفرٍّخ شياطين الإنس والجن من حولها.

المظاهرات العربية المليونية الرًائعة، مثل التي قادها شباب العرب مؤخراً، يجب أن تصبح ظاهرة عربية دائمة لتصل إلى ذروتها عند أيًة محاولة من قبل أي رئيس حكم عربي في البقاء في الحكم أكثر من دورتين أو عند أول إشارة من أن الدستور سيغيًّر من أجل ذلك الهدف الاستبدادي المرفوض.

ولعلُّنا تعلُّمنا أن وأد الشرً في مهده أفضل بكثير من مجابهة متأخرة حين تكون المجابهة مصحوبة بالدموع والدماء والجثث والعويل والإستغاثات التي نشاهدها ونسمعها بألم وحرقة يومياً على شاشات التلفزة العربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165259

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165259 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010