لا يحب جنرال من طراز راكوميلاديتش أن يظهر في الصور شاحباً وهزيلاً بعد كل تلك القوة العضلية التي كان يتمتع بها قبل خمسة عشر عاماً سفك خلالها الكثير من الدم من دون أن يرفع - حتى - قبعته احتراماً لجلال الموت الذي كان ينتشر تحت ظلال قبعته في البوسنة.
الدمويّون من هذا النوع صعب عليهم الاعتذار إلى الضحايا، لأن الضحايا أكثر منهم وأكثر من استعمالات الموت التي جرت على أياديهم، وهكذا وبطريقة سادية إلى النهاية، يحتفظ رجل مثل ميلاديتش بصورته التذكارية القديمة .. القديمة تماماً، في ذاكرته فقط، أما إذا كانت هذه الصورة بالنسبة إليه وهي في أقصى درجات ضعفه مجرد فوتوغراف أو كاميرا تلفزيونية، فإنه يأخذها، أي صورته، من باب التذكار .. أي اللامبالاة.
الموت مصير الظالم والمجرم والقاتل في كل تاريخ الدنيا وعقائدها، والعدالة في شرائع الأرض التي وضعها الإنسان لكي يخفف من شر الإنسان ضد الإنسان .. هذه العدالة لا تنام. هكذا يقال دائماً في الأدبيات القانونية إن عين العدالة لا تنام، وبالفعل، بعد فرار جبان واختفاء أشبه باختفاء رؤوس العصابات دام خمسة عشر عاماً، ها هي محكمة لاهاي بانتظار قاتل في البوسنة، وخلال هذا الأسبوع.
بعيداً تماماً عن وضع رجل تطلبه العدالة الدولية .. يمكن لمن تابع طفولة وحياة ميلاديتش أن يتساءل: كيف يمكن لرجل أن يرمي بكل قوّته إلى استعمال أدوات الموت ضد أناس هم على صورته ومن جنسه البشري، وليسوا أبداً من فصائل الحيوان.
القارئ العربي وغير العربي لديه فضاء إلكتروني مفتوح بحجم عين الشمس لكي يعود إلى تاريخ رجل يقتل ويقتل من دون أن يشعر بأن أعصابه حارّة ودورة دمه سريعة ..
بكلمة ثانية .. صورة الجنرال راكو ميلاديتش المطلوب للعدالة الدولية في بحر هذا الأسبوع وتم اعتقاله وهو ضعيف وسيئ الحظ، يبدو أن صورته التذكارية إذا أراد التقاطها له في اللحظات الأخيرة من حياته هي صورة مُلتقطة أيضاً في الوقت نفسه لأشباه وأقارب وأصدقاء له في هذا العالم المتوحش.
ميلاديتش جنرال محترف في الحرب وفي القتل، ولكن الاحتراف أيضاً له وجوه أخرى .. كأن نلتقط صوراً لأطفال يضحكون من أجل المستقبل ..
ارحل .. ارحل .. من أجل المستقبل.
RLS
