الاثنين 30 أيار (مايو) 2011

نتنياهو لم يكتف بالإملاء

الاثنين 30 أيار (مايو) 2011 par د. كلوفيس مقصود

للوهلة الأولى كان لنتنياهو ما كان يريد .. وأكثر، لم يكتف بأسلوب الإملاء كما توقعنا في عجالة سابقة، بل اتخذ منهج الجزم، لذا حتى المسلمات البديهية التي التزمتها سياسات الإدارات السابقة كإدارتي جورج بوش وكلينتون أن تكون حدود يونيو/ حزيران 67 مع بعض التعديلات في الأراضي التي توجد فيها مستوطنات كثيفة مقابل نسبة عادلة من أراضٍ لدولة فلسطين، هذه كانت المواقف الأمريكية الغابنة، ولكن لم يتم التنبه لها من قبل مفاوضي السلطة الفلسطينية، لذا عندما أكدها الرئيس أوباما كقاعدة لدور أمريكي مستأنف صمم رئيس وزراء «إسرائيل» نتنياهو إلغاء نقطة انطلاق «عملية السلام» وفرض رفضه القاطع لما كان يعتبر مُسلمة بذريعة «أن حدود يونيو/ حزيران 67 غير مؤهلة للدفاع عن «إسرائيل»»، وبمعنى آخر كان هذا الرفض لتعريف حدود «إسرائيل» يتماشى مع امتناعها منذ قيامها عن الاعتراف بأي حدود لها حتى تستكمل مشروعها الصهيوني في استمرار التمدد الاستيطاني في الإطار الجغرافي غير المسموح تعريفه.

[*** * **]

يستتبع أن «إسرائيل» لا تعترف بأنها دولة تحتل أرضاً عربية، لأن ذلك يجعلها مسؤولة عن تطبيق بنود اتفاقيات جنيف الرابعة، وهكذا نجحت في التنصل منه كون منظمة التحرير في اتفاقيات أوسلو تشترط وضوح السند القانوني قبيل الشروع في التفاوض. وبرغم أن الانتفاضة الأولى ركزت على ضرورة وضوح الأساس القانوني كما أصرّ الدكتور حيدر عبد الشافي أثناء ترؤسه وفد «المفاوضات» في واشنطن قبيل أوسلو جاءت أوسلو لتقنن إلى حد كبير تغييب كون «إسرائيل» دولة محتلة، ما أفسح المجال أمام ما هو حاصل الآن، وهو أن الرؤساء الأمريكيين منذ مؤتمر مدريد، رضخوا للغموض، وهذا الالتباس بقصد أو بغير قصد، ولذا كانت النتيجة تسليم إدارة «المفاوضات» إلى الولايات المتحدة، كونها بمفهوم الرئيس الراحل السادات «تملك 99 في المئة من الأوراق»، ما دفع «إسرائيل» على إثر معاهدة الصلح مع مصر إلى التصرف كمغتصبة لأرض لها حق تاريخي وأمني بملكيتها، ما مكّن نتنياهو في خطابه أمام اللوبي «الإسرائيلي» أن يكون واضحاً في ذلك، وأكثر وضوحاً وحسماً أمام الكونغرس، وأن يجزم بأن القدس الموحدة هي العاصمة الأزلية والأبدية لـ «إسرائيل» اليهودية، والدولة القومية للشعب اليهودي. كما لم يتردد لثانية في رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين «إلا خارج دولة «إسرائيل»» غير المعروفة الحدود، كما أرسى في خطابه أمام الكونغرس شرعية التمييز العنصري لعرب 48، كما أصرّ على وجود قوات عسكرية على حدود الأردن داخل دولة فلسطين المفترضة التي يجب أن تكون منزوعة السلاح، والتي لن تقوم إذا تمت المصالحة بين فصائل المقاومة (نعم المقاومة) الفلسطينية، خاصة، وكرر أنه يستحيل التفاوض مع حكومة يعتبرها امتداداً للقاعدة. في هذا المضمار أعاد تأكيد كون قطاع غزة هو «كياناً معادياً» وأبدى استياءه من قرار مصر فك الحصار عن قطاع غزة وفتح معبر رفح، ما جعل مصر الثورة تستعيد تدريجياً دورها الرادع لاستباحة «إسرائيل» حقوق الشعب الفلسطيني، والحيلولة دون جعل سلوكها وخروقاتها المتواصلة للقوانين والقرارات الدولية منفلتة من العقاب، وتحويلها كل مساءلة عن خروقاتها لحقوق الإنسان، ومنها حق العودة، بمثابة تهديد لشرعيتها، ودليل على أن تتولى الإدارة الأمريكية حمايتها، أجل حمايتها، من خطر اعتراف أكثرية أعضاء الأمم المتحدة بدولة فلسطين المستقلة، فاللجوء إلى الأمم المتحدة يشكل «تهديداً» لكيانها كما تدعي، وأن نجاح هذا المشروع سيشكل طوقاً على «الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة» ما أدى برئيس «الإيباك» إلى تحميل الرئيس أوباما مسؤولية إجهاض هذا المشروع الذي من شأنه عزل «إسرائيل» عالمياً، ما دعا إيهود باراك وزير الحرب «الإسرائيلي» إلى اعتبار سبتمبر/أيلول بمثابة «تسونامي ضد «إسرائيل»».

لن أعلق على مناظر جاهلية التصفيق المكرر لمعظم أعضاء الكونغرس التي حولها خطاب نتنياهو إلى عامل ضغط على الرئيس أوباما حتى يعود إلى حظيرة الرضوخ لعملية ابتزاز من خلال الإيحاء بأن «إسرائيل» حاضرة بقوة في الخريطة السياسية الأمريكية وأنها، كما أوحى نتنياهو إلى الرئيس أوباما بأن أي تعديل أكان كبيراً أو طفيفاً في ما يخص مطالب «إسرائيل» سيكون مكلفاً. من هذا المنظور اعتبرت قيادة الحزب الجمهوري أنها حققت إنجازاً، ما دفع بعض القادة الديمقراطيين، إلى التهافت لتأييد أهداف «إسرائيل» كما أعلنها نتنياهو.

صحيح أن اللوبي «الإسرائيلي» حقق إنجازاً مهماً، لكنه في الوقت نفسه، زرع بذور ردود فعل ناقدة لهذا التدخل السافر حيث تم توظيف منبر الكونغرس لتحدي صلاحيات الرئيس الأمريكي المسؤول الأول عن السياسات الخارجية، كما ورد في افتتاحية «النيويورك تايمز» بالأمس، كما أثار ذلك ردود فعل تدين مسرحية الكونغرس، كما أن زيارة نتنياهو وإن حققت له نجاحاً إلا أنها استولدت غضباً وإن محدوداً إزاء تراخي الإدارة الأمريكية لمحاولة نتنياهو واللوبي «الإسرائيلي» الهيمنة، ومن ثم الضغط على صانعي القرار والرأي، للحيلولة دون استقلاليته، خاصة في هذه المرحلة التي أبرزت حيوية الأمة العربية وتحرر شعوبها من الخوف واستهدافها الكرامة القومية والإنسانية، ما يعني أن هذه الجماهير الثائرة لن تبقى غائبة عن دورها في تحرير فلسطين عملياً، التزاماً منها بأن أمن وأمان شعب فلسطين مسؤولية قومية، بل وهي في طليعة مسؤولياتها التاريخية والمستقبلية أيضاً. وأخيراً .. لماذا تمكن نتنياهو من أن يتباهى بإنجازات زيارته لواشنطن رغم ما تنطوي عليه من إخفاقات متوقعة. فالاستكبار الذي مارسه كما التحديات السافرة التي قام بها، وحماقة الاستفزازات التي شكلها وتشويهه الواضح للحقائق، وتعمده إحراج الرئيس الأمريكي تدفعه إلى التخلي عن التباين الضئيل والانضباط بالتطابق المطلوب الذي يحمل في ثناياه احتمالات إذا أحسنا توظيفها على قيام جمهور عربي مكثف، وخطاب عربي واحد يعيد إلى عوامل التصحيح حيوية قادرة على تفنيد عناصر ومصطلحات الترويج للحقائق، والتصدي لسياسات الإملاء التي يقوم بها أنصار وزبانية «إسرائيل» بمنهج. خطاب عربي يقوم ليس على الرد والتفنيد فحسب، بل على الدعوة المتواصلة لابراز الحقائق واتباع منهج الإقناع والقيام بحملات مكثفة للتنوير. صحيح أن هذا لا يكفي إذا لم تكن من كلفة لسياسات التمييز للأوراق الأمريكية، لكن التنوير الإعلامي لا يكفي إن لم يكن يعبر عن جبرية الالتزام العربي، وفي تمكين الجاليات العربية ألا تكون مرآة للتفكك الراهن في الأمة، بل خميرة تعكس قيم وأهداف وأخلاقيات ما يسمى بـ «الربيع العربي» الواعد.

يستتبع هذا التمكين للدعوة العربية أن نستعيد القدرة على نقد بناء للخطوات التي قام بها الرئيس أوباما، والتي كانت خاطئة وإن كان مفترضاً أنها ناتجة عن حسن نواياه. فمثلاً كانت مطالبته ل «إسرائيل» بـ «تجميد» مؤقت للاستيطان (عشرة أشهر) وكان على السلطة الفلسطينية عدم القبول بهذه المبادرة، كون «التجميد» هو إقراراً بحق الاستيطان وأن التجميد المؤقت هو إقرار بحق الاستيطان وبالتالي بحق «إسرائيل» في التملك وبالتالي اختفاء سمة الاحتلال من المباحثات. ثم طالب الرئيس أوباما «إسرائيل» بعد انقطاع «المفاوضات» بثلاثة أشهر إضافية كحافز للفلسطينيين بـ «العودة إلى طاولة المفاوضات» ما أدى إلى رفضها من قبل نتنياهو. فتمكن الإعلان الصهيوني من أن يجعل من التجميد «تنازلاً أليماً».

وبدوره أصبح الاستيطان القائم خاصة في محاولة تهويد القدس إحدى النتائج التي أكدها نتنياهو في خطابه أمام اللوبي «الإسرائيلي» وفي الكونغرس. أجل هذه الاستفزازات الواضحة جعلها نتنياهو حقائق مفروضة وبالتالي عرّى دولة فلسطين من عاصمتها أي من دون أن تكون القدس عاصمة لها، لأن نتنياهو قلب الحقائق، وجعل من الأمر الواقع الذي يفرضه على الأرض المغتصبة، بمثابة أملاك مطلوب استعادتها إما لأسباب أمنية تسوق عالمياً وإما بزعم تاريخية حقوق «إسرائيل» وهو ما يعتبره العالم ويعترف به على أنه أراضٍ محتلة.

إن زيارة نتنياهو لواشنطن والكونغرس التي تسوقها «إسرائيل» إنجازاً إنما هي وَهْمٌ أكثر مما هي واقع، وَهْمٌ يبهر إلى أن يصطدم بالحقائق، فالجزم هو استباق للمساءلة .. هو قمع للاعتراض .. هو سمة لطبائع الاستبداد .. هو الحائل دون صيرورة العدالة .. وكما صار واضحاً للسلام أيضاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2177692

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2177692 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40