السبت 28 أيار (مايو) 2011

حان الوقت لإسقاط الوهم إلى غير رجعة

السبت 28 أيار (مايو) 2011 par عوض عبد الفتاح

أوقع خطاب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أمام مؤتمر المنظمة الصهيونية الأمريكية، (الإيباك)، صدمة في صفوف البعض من متخذي القرار على الساحة الفلسطينية والعربية. هؤلاء المصدومون هم ممن أدمنوا على الرهان والتعلق بالعم سام لفترة طويلة من الزمن جرى خلالها إعادة القضية الفلسطينية الى ما قبل البدايات، أي قبل أن تتبلور حركة التحرر الفلسطيني المعاصرة بقيمها التحررية من الاستعمار الصهيوني.

لم يستمع هؤلاء للموقف الوطني والقومي الذي ينطلق من فهم سياسي وعلمي سليم لقيم وآليات السياسة الأمريكية، ولطبيعة العلاقة الأمريكية -الصهيونية القائمة على المصلحة المترابطة والتي عمرها عقود من الزمن، وهي علاقة تعاون استعماري للمنطقة العربية. وقاربوا المسألة من باب ضرورة خوض التجربة، وكأن حياة الشعوب حقل تجارب، ولم يدركوا أن ممارسة مبدأ التجربة في الصراع ينطوي على مخاطر كبرى تدفع الشعوب ثمنها ليست فقط على المستوى القيمي بل على مستوى الأرواح.

إن خوض تجربة المفاوضات مع «إسرائيل» ومع حليفها الامبريالي، الإدارة الأمريكية، بالطريقة التي جرت فيها، وبتجريد أسلوب المفاوض من المقاومة، كلف شعب فلسطين أنهاراً من الدماء دون الوصول الى الغاية النهائية - تحرير الوطن، وجرى قضم ما تبقى من الوطن بحيث تحولت البقية الباقية الى سوق للعقارات يجري الحديث فيه عن تبادل أجزاء من أراضي الوطن. والأخطر، أن خط الدفاع الأخير، ألا وهو البيت المعنوي للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير أو حركة التحرر الوطني الفلسطيني، تعرضت للتدمير، مع قيمها ونهجها.

نعم، جرى ذلك كله في ظل المفاوضات العبثية والكارثية حيث زوّدت هذه المفاوضات «إسرائيل» بمظلة وحماية من الانتقادات الدولية وأبعدتها عن العقوبات الفعلية.

بعد خطاب أوباما ونتنياهو، لم يعد أمام الواهمين أي مبرر لمواصلة التشبث بالمفاوضات على النحو التبسيطي وبطريقة مجرّدة من الكرامة والوثوق بالذات، والوثوق بقوة الشعب الفلسطيني وطاقاته. ليست المفاوضات إلا وسيلة أو مرحلة تأتي بعد حسم المعركة الرئيسية مع الاحتلال والنظام «الإسرائيلي» العنصري. والشعب قادر على ذلك، إذا ما أجيد التحضير لهذه المواجهة وإدارة الصراع بطريقة ناجعة.

لا يمكن الانطلاق الى هذا الخيار، بدون إعادة تقييم المرحلة تقييمًا جريئًا وتقييم النظرة الى النظام الأمريكي باعتباره مشاركًا في ممارسة الظلم على الشعب الفلسطيني وليس قوة محايدة، وأن «إسرائيل» هي «أداته» المؤثرة في هذا النظام، ولا بدّ بالتالي من جعل الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وسياسة القهر العنصرية الممارسة ضد 20% من مواطنيها، مكلفة.

إن تشديد أوباما على أن تُكرّس «إسرائيل» كدولة يهودية، هو بمثابة حماية نظام التمييز العنصري ضد عرب الداخل، ومنح الشرعية لمواصلة إلحاق الأذى الكبير ضد مئات الآلاف من البشر فقط لأنهم غير يهود.

الاستنتاج الرئيسي من خطاب أوباما هو إصراره على تجريد الشعب الفلسطيني من أية وسيلة للضغط على «إسرائيل»، حتى من الذهاب الى الأمم المتحدة لإثارة قضيته وانتزاع اعتراف بحقه في إقامة دولته. هو يُشيد بالثورات العربية وبالشعوب العربية التي خاضت نضالاً ثوريًا وداميًا ضد أنظمة القهر، ولكنه يُحرّم ذلك على شعب فلسطيني الأحوج الى ثورة عارمة تطيح بواقع الاحتلال الكولونيالي وبنظام القهر العنصري.

لقد جسّد أوباما طبيعة النفاق الذي يتسم فيها النظام الأمريكي، وهو نظام يقوم على المصالح لا على المبادئ. وبالتالي فإن ثورة شعب فلسطين ومعها الثورات العربية هي القادرة على إيصال الرسالة الى صانعي القرار في الولايات المتحدة بأن الظلم وسياسة الانحياز لا تدوم.

لم يترك أوباما ونتنياهو أمام القيادات الفلسطينية خيارات أخرى سوى إعادة رسم استراتيجية بعيدة المدى لنضال طويل تشمل الميدان الفلسطيني أولاً، ومن ثم الساحات الدولية والعربية وساحات كل أنصار الحرية والعدالة في العالم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2165263

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165263 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010