الجمعة 27 أيار (مايو) 2011

سطوة صهيونية على سياسات الولايات المتحدة

الجمعة 27 أيار (مايو) 2011

استقبل الكونغرس الأمريكي رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بحفاوة بالغة، ووقف أعضاء الكونغرس له مراراً، مصفقين ومتضامنين، رغم أنه لم يأت بجديد وكرّر طرح مواقفه السياسية المعهودة. يحمل هذا الترحيب والاحتضان عدّة رسائل موجّهة للإدارة الأمريكية وللرئيس الذي يسعى للفوز بولاية ثانية، ولـ «إسرائيل» نفسها وبالتالي للعرب والفلسطينيين.

كان الاحتضان بادٍ بوضوح، ويؤكّد التصفيق الحار لنتنياهو والوقوف له أنّ الدعم الأمريكي لـ «إسرائيل» لم يتزحزح، بل ربما تصاعد. ما هو سر العلاقة الأمريكية «الإسرائيلية»؟ وهل ما زال اللوبي الصهيوني المناصر لـ «إسرائيل» يتمتع بتأثير واسع على السياسات الأمريكية؟

تراجعت الدعاية «الإسرائيلية» في السنوات الأخيرة عالمياً، وحذّر سياسيون ومحللون مراراً مما أسموه «عزلة «إسرائيل» وتآكل شرعيتها»، لكن خطابها ما زال يجد في الولايات المتحدّة ليس آذاناً صاغية فحسب، بل تصفيق وتشجيع. الاستنتاج الذي لا يحتاج إلى الكثير من الجهد يشير إلى أن الضغط الصهيوني بجزئيه الأمريكي واليهودي يؤتي ثماره في غياب ضغط مضاد.

[**علاقات حارّة في عزّ الحرب الباردة*]

في حقبة الحرب الباردة كان ثمة انسجام كامل بين المصالح الأميركية و«الإسرائيلية». فـ «إسرائيل» كانت بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ذراعها في منطقة «الشرق الأوسط»، المجاورة للاتحاد السوفياتي السابق، والتي تقع فيها أهمّ مصادر الطاقة العالمية. وكانت «إسرائيل» تلعب في تلك الحقبة دور الذراع العسكري والسياسي والدعائي الأمامي للمصالح الأميركية، وكانت مهمتها القيام بالنيابة عن واشنطن ما يلزم من أعمال عسكرية قذرة، تهدف إلى ضبط المنطقة في إطار المصالح الأميركية ومنع تسرّب النفوذ السوفييتي إليها. وكان هذا المفهوم الأميركي لدور «إسرائيل» متماشياً مع مصالح الحركة الصهيونية العالمية، ومع مشاريع «إسرائيل» ومخططاتها.

لكن بعد نهاية الحرب الباردة، كيف حافظت «إسرائيل» على مكانتها أمريكياً في الوقت الذي تتراجع دعايتها في باقي أنحاء العالم؟

[**اللوبي الصهيوني وصناعة الإستراتيجيّة*]

يشكل اللوبي الصهيوني قوة أساسية في الولايات المتحدة وله تأثير واسع على صنع القرار الأمريكي، وقد نجح هذا اللوبي طوال العقود الماضية بزرع أعضائه ومناصريه في أهمّ المراكز الرئيسية والحساسة في الحياة الأمريكية، وسيطر على مراكز البحوث والدراسات السياسية والإستراتيجية والإعلامية والصحفية، وبالتالي أحكم سيطرته على صنع الإستراتيجية والسياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالمنطقة العربية والإسلامية، وضمن التأييد لـ «إسرائيل» وسياساتها.

وقد كشفت وثائق نشرها موقع «ويكيليكس»، التأثير الواسع لـ «إسرائيل» في رسم سياسات متعلقة بمنطقة «الشرق الأوسط»، بل وبينت إحدى الوثائق أن «إسرائيل» لها القول الفصل في صفقات السلاح بين الولايات المتحدة والدول العربية، الأمر الذي يشير إلى عمق العلاقات الاستراتيجية «الإسرائيلية» الأمريكية.

[**الحرب الشخصية*]

وينتهج هذا اللوبي وأنصاره سياسة التضييق على منتقديه وعلى من يشكك في الرواية «الإسرائيلية»، ولا يكتفي بنبذهم، بل يقاطعهم ويدعو لمقاطعتهم، ويشن عليهم حملات تشويه ترمي للنيل من صدقيتهم ومكانتهم الاجتماعية، حتى أصبح توجيه النقد لـ «إسرائيل» أو التشكيك في صحة روايتها ضرب من المغامرة.

يوجه اللوبي الصهيوني تهمة معاداة السامية للمنتقدين، ورفع في الكثير من الأحيان دعاوى قضائية ضدهم في البلاد التي تسمح قوانينها بمقاضاة المعادين للسامية، وتعرّضت الكثير من الشخصيات الفكرية للملاحقة والتضييق والمقاطعة بل والتنكيل وأمثله على ذلك المفكر أدوراد سعيد والمفكر الأمريكي اليهودي نورمان فنكلشتين، والكاتب الفرنسي روجيه غارودي.. والأمثلة كثيرة. بعد دخول أصوات يهودية إلى دائرة النقد، لم يتغير طابع تعاطي اللوبي الصهيوني معهم، لكن التهمة الموجهة لهم تغيرت من معاداة السامية إلى «محاولة النيل من شرعية «إسرائيل»».

[**«اسلاموفوبيا» في خدمة اللوبي*]

يهيمن اللوبي الصهيوني بشكل مباشر وغير مباشر على وسائل الإعلام الأمريكية النافذة، ويمتلك موارد مادية هائلة يستخدمها في تحقيق أهدافه حيث يمول الحملات الانتخابية للسياسيين، فيضمن ولاءهم. وهذا اللوبي منظّم بشكل يتيح له التأثير على التوجهات الانتخابية لليهود الأمريكيين مما يزيد من مكانته وثقله في المجتمع الأمريكي.

عندما وقعت عملية 11 سبتمبر 2001، استثمرتها «إسرائيل» واللوبي الصهيوني إلى أبعد الحدود، واعتبرت «إسرائيل» نفسها شريكاً في ما سماه الرئيس بوش «الحرب على الإرهاب» بحجة أنها كالولايات المتحدة ضحية لهذا «الإرهاب الإسلامي» وقد قطفت ثمار تلك المشاركة مزيداً من الدعم الأميركي المالي والعسكري.. ومزيداً من التغطية على جرائمها ضد الإنسانية التي استهدفت الفلسطينيين واللبنانيين.

وفي الوقت الحالي يخوض واللوبي الصهيوني وأنصار «إسرائيل»، حملة ترهيب من العرب والإسلام، اصطلح على تسميتها «اسلاموفوبيا»، وترمي إلى الحفاظ على علاقات مميزة مع «إسرائيل» لأسباب عقائدية، وقد نجحت تلك الحملة في رسم صورة سلبية للعربي والمسلم، وإلصاق تهمة «الإرهاب» له، وفي تصوير «إسرائيل» على أنها ضحية هذا «الإرهاب» وشريكة الولايات المتحدة في محاربته.

[**دوافع تأييد «إسرائيل» أمريكياً : أيدلوجية يمينية محافظة، عقيدة دينية أصولية، ونفعية سياسية انتهازية*]

تنشط في الولايات المتحدة ثلاثة تيارات متمايزة وهي كلها محافظة، ومؤيدة لـ «إسرائيل»، تيار اليمين الجديد، تيار المسيحيين الأصوليين، وتيار التمامية البروتستانتية، ويقول الباحث د. عماد فوزي شُعيبي أن التقييم العربي لهم، كثيراً ما يتم الخلط بينهم بصورة غير دقيقة بوضع «البيض كله في سلة واحد»، وذلك بسبب ولاءهم المشترك تقريباً لـ «إسرائيل». إلا أن هذا الولاء يتأرجح بين خيارات صهيوينة وإيديولوجية مباشرة لدى تيار اليمين الجديد (المحافظون الجدد وبعض رموزه كان على صلة ـ ولا يزال ـ شديدة بـ «الليكود»)، وبين خيار إيديولوجي ديني لدى تيار التمامية البروتستانتية، وخيار مصلحي نفعي لأسباب انتخابية، وبتأثير لعبة الانتخابات لدى تيار المسيحيين الأصوليين.

ويضيف : فبين تيار اليمين الجديد وتيار التمامية البروتستانتيّة ثمة قاسم مشترك وهو دعم «إسرائيل» (كلٌّ لأسبابه)، وبين تيار اليمين الجديد وتيار المسيحيين الأصوليين هنالك إجماع على مسألة ضرورة حقن المجتمع الأمريكي بالقيم المسيحية، وأيضاً كلٌّ لأسبابه؛ إذ بينما يأتي هذا التوجه أصيلاً عند تيار المسيحيين، فإنه يتضح باعتباره براغماتياً (أصيلاً!) لدى اليمين الجديد بالنظر إلى أنهم علمانيون!؛ إلا أن ذريعتهم في ذلك تتمثل في أن الدين هو الوسيلة الوحيدة لملء الفراغ لدى الجمهور الواسع بما يساعد على فرض النظام.

[**محاصرة أوباما*]

الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي اعتمد نجاحه في الانتخابات على فشل سياسات المحافظين الجدد، يجد نفسه اليوم، وهو على أعتاب الترشح لولاية ثانية محاصراً ومكبلاً، بلوبي «إسرائيلي» قوي، وتيارات يمنية أمريكية صهيونية لها وزن وثقل في الكونغرس الأمريكي، واضطر أمام سيل الانتقادات التي وجهها له أنصار «إسرائيل» لتبني سياسة أكثر منسجمة مع الخطاب الصهيوني، ووضع في مقام الدفاع عن نفسه، والتراجع عن بعض من حدة خطابه.

[**إدوارد سعيد كتب قبل عشر سنوات : اللوبي الصهيوني مهيّمن تماماً على السياسية الأمريكيّة، وصورة العربي بالنسبة للصهيوني الأمريكي هي تخيلات عن كل شيء يمكن تبشيعه وازدراءه*]

كتب المفكر إدوارد سعيد عدة مقالات هامة عن تأثير اللوبي الصهيوني على الحياة السياسية الأمريكية، وحذّر من إساءة فهم العرب وتقديرهم للصهيونية الأمريكية وتأثيرها على القضية الفلسطينية. وانتقد سعيد السياسة الفلسطينية والعربية التي تمثلت بإلقاء مصير الشعب الفلسطيني في أحضان الولايات المتحدة من دون إدراك استراتيجي للطريقة التي تخضع فيها الولايات المتحدة للهيمنة إن لم يكن للسيطرة التامة للوبي الصهيوني الذي يتماهى مع حزب (الليكود) «الإسرائيلي».

ويصف سعيد صورة العربي في ذهن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة بالقول : لا يمثل العربي بالنسبة للصهيوني الأمريكي أشخاصاً حقيقيين بل تخيلات عن كل شيء تقريباً يمكن تبشيعه وازدراءه، وبالأخص «الإرهاب» ومناهضة السامية.

وقال سعيد أن الاستراتيجية الممكنة للعرب، ليس إقامة حلف مع الصهاينة أو مع النخب السياسية الأمريكية بل تنظيم حملة تعبئة جماهيرية موجهة إلى المواطنين الأمريكيين لمصلحة حقوق الفلسطينيين الإنسانية والمدنية والسياسية، وكل الترتيبات الأخرى سواء أوسلو وكامب ديفيد مصيرها الفشل لأن الخطاب الرسمي يخضع كلياً، ببساطة، لهيمنة الصهيونية. لذا فإن كل ترتيبات السلام التي تتم على أساس تحالف مع الولايات المتحدة هي تحالفات تعزز النفوذ الصهيوني بدلاً من التصدي له.

وعن هيمنة اللوبي الصهيوني يقول سعيد : مارست «أيباك» نفوذاً كبيراً على مدى سنين، ولا يرجع ذلك إلى استنادها إلى جالية يهودية حسنة التنظيم وذات صلات جيدة وحضور بارز وناجحة وثرية، فحسب بل أيضاً لأنها في أغلب الأحوال لم تلق مقاومة تذكر. وهناك رهبة واحترام كبيران لـ «آيباك» بحيث لا يمكن لأحد أن يعارضها «أيباك» وأن يحتفظ بموقعه في الكونغرس.

ويتحدث سعيد بإسهاب في مقالاته عن سطوة اللوبي وفكره على وسائل الإعلام الأمريكية، وعن الإجماع المذهل في كل قطاعات الإعلام الأمريكي، من السينما إلى التلفزيون والراديو والصحف والمطبوعات الأسبوعية والشهرية والفصلية واليومية والفصلية، حيث تتبنى جميعها الخطاب «الإسرائيلي» الذي تحول إلى خطاب أمريكي.

- **المصدر : موقع «عـ 48 ـرب» وفصل المقال



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178099

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2178099 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40