الجمعة 27 أيار (مايو) 2011

عن العولمة وثقافتها ... نهاية الاستئصال وبناء المنوال

الجمعة 27 أيار (مايو) 2011 par سيف الدين الأتاسي

ما انفك العالم العربي يشهد انفضاض عرى التواصل الهشة أصلا بينه وبين سائر أطياف البشرية، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2001م، حيث أضحى منتهى أمل العرب والمسلمين أن يرفعوا عن أنفسهم تهمة «الإرهاب» التي صارت تلقى عليهم جزافا وأصبحوا يؤخذون بالشبهة حيثما حلوا، وتنامي تيار في الغرب يدعو إلى حظر كل تحاور أو تعاون مع العالم العربي والإسلامي.

وليس المقام هنا تكرار مقولة المؤامرة، ولكن علينا الاعتراف أن دولنا تعاني أزمات مجتمعية شاملة تغطي المجالات القيمية والاقتصادية والسياسية والثقافية وكل ما يريده الغرب منا قد فعله لتجريدنا من كل أسباب القوة.

لكن وبوقفة متأملة لواقعنا فلا يجب رد كل الأزمات في المجتمع العربي إلى الغرب والسلوك السلطوي للإدارة بما تمثله من عصبيات وانتماءات، لكن الأمر يتعلق أيضا بسلوك الشعوب في سياق اجتماعي يسوده الفقر والأمية ما أدى إلى انتشار الاغتراب واليأس داخل مجتمعنا.

ولقد أسهم الخطاب الديني بالمحافظة على الوضع القائم رغم ضبابيته لأن ظل مرتهنا بحالة سكونية وركز اهتمامه بكافة القضايا الفرعية وابتعاده عن معالجة المسائل الجوهرية مخافة انفلات زمام التوازن الاجتماعي الهش داخل دولنا.

وثمة ضرورة التوقف عن تغذية الحساسيات الفئوية التي توقف التضامن الاجتماعي في دولنا خصوصاً في ظل تنامي الأفكار المتطرفة التي تغذيها مصالح مشبوهة.

ولابد من معالجة القضايا الموجودة على الساحة في حرية متوازنة عن طريق تحرير المجتمع من قيود كثيرة حالت دون إطلاق طاقاته وإبداعاته: بالاهتمام بالثقافة والإعلام والانترنت والوسائط الرقمية، وهي مجالات لتشكيل الرأي العام لم يتم استغلالها بشكل أمثل في أمتنا، بل تم إهدار كثير من الطاقات والأموال في حورات عقيمة ومجانية بهدف إلهاء الناس عن طرح الأسئلة الحقيقية في ظل جمود الأكاديميين والمثقفين عن الاطلاع بدور الريادة الفاعلة في دفع مسيرة التطور والمساهمة بنهوضنا إلى مصاف الدول المتقدمة.

كذلك وفي ظل غياب دعوات حقيقية إلى الحوار بين الحضارات، فاستعاض الشباب العربي عنه بالحوار الرقمي على شبكة الانترنت عن الحوار الحقيقي المباشر ولم توجه قيادات المجتمع المدني شعارات الحوار لتأخذه نحو الاعتدال وترفعه لمستوى الخطاب الكوني الذي تلتفت حوله العقول النيرة بغض النظر عن انتماءات أصحابها ومصالحهم وأهوائهم.

والمراقب للمشهد الثقافي والإعلامي العربي يجد أن الساحة غير متكافئة لأنها موجهة فقط لخدمة حسابات سياسية تدعمها الأنظمة، وتمرر أفكاراً تتوافق أو تلتقي في جزء كبير معها، فنجد معالجات تلفزيونية عديدة عن طريق إعداد وإنتاج المسلسلات التي تعرض في أوقات الذروة، وعلى سبيل المثال بث عدد من القنوات الفضائية مسلسلي «ما ملكت أيمانكم» و«الجماعة» حيث يتجه الأول إلى نقد التناقض لدى الرؤوس المدبرة في الجماعات التكفيرية بين الزج بالإغرار في عمليات لا إنسانية، من أجل تحقيق مآرب دنيوية ومنافع آنية .

أما المسلسل الثاني فقد حاول تقديم قراءة نقدية للشيخ «حسن البنا ولجماعة الإخوان المسلمين»، مبرزا سعيهم الحثيث للوصول إلى الحكم مهما كانت الأسباب ممتطين صهوة الدعوة وسيلة لتحقيق تلك الغاية التي يسعون إليها، من دون أن يتوانوا في التوسل بأي سبب يحققها لهم.

لقد انتبه كثير من المفكرين والباحثين لما توفره وسائط الإعلام الحديثة من مواقع وصفحات اجتماعية كـ «الفيسبوك» و«تويتر» وما شابهها والإفلات من الرقابة الأبوية للدولة ليس هو الهدف النهائي لحوار الحضارات ونتيجة للعولمة، بل إن هذا التلاقح المبهر بين الشعوب تحت مظلة التعددية هو غطاء لصراع طويل على النفوذ والهيمنة والقوة.

فتم اعتبار حوار الحضارات الذي تتولد عنه قيم أخلاقية مشتركة ليس بالنسبة إليهم سوى حلقة من حلقات الصراع لفكر يريد أن يسيطر على عقول البشر هدفه الاستسلام لمنطق الخنوع بدلا من المقاومة فتم هضم فلسطين وتدمير العراق كمجتمع ودولة تحت غطاء رفع شعارات الحرية الجوفاء التي بفضلها تم انتهاك كل مظاهر السيادة تحت مفهوم التدخل الأجنبي الإنساني الرحيم.

إن مهمة تاريخية تقع على عاتق نخبنا بتحويل أسلحة العولمة وخاصة في مجال المعلوماتية لخدمة مجتمعاتنا المحلية بتلقينها إيديولوجيا المقاومة ذات النفس الطويل.

فالعولمة المتوحشة لم تنجح في النهاية في تحقيق مجتمعات متجانسة وحول عالمها الافتراضي المجتمعات لتحاكي أنظمة الشركات التي تحكمها حركة الرأسمال والاستثمار وليس المعيار الحقيقي لها فسح المجال أمام ثقافة وخصوصية الشعوب في الحرية والتفكير والعمل.

فتعرضت دول منطقتنا التي ورثت حدودها السياسية من اتفاقية «سايكس بيكو» للعديد من الضغوط وواجهت خطر التفكيك كما حدث في جنوب السودان وغيرها من الدول المرشحة للتجزئة والتقسيم تحت عناوين براقة تداعب مشاعر أقلية وعرقية واثنية ولا تعالج المشاكل الجوهرية لذا لم تذق دولنا معنى الاستقلال الحقيقي وأجهضت كل مشاريع البناء النهضوي الحديثة، ولم نستطع أن نشكل دولاً لا على مستوى الحلم ولا الطموح.

ولكي تخرج دولنا ومجتمعاتنا من مأزقها عليها بنشر ثقافة الحرية وعدم الاستمرار في سياسة التناقض بين القول والفعل لأن هذا لا يمكن أن يبقى منهج حياة أو سياسة طويلة الأمد وهذا يتم بفضل الشعوب الواعية المتعلمة التي لا تضع خياراتها في سلة رجل واحد مهما قدّم لها من وعود من أجل تأسيس مجتمع الجنة الديمقراطية والحياة الكريمة، فالأجدر بنا أن نؤسس لأجهزة رقابية تحاسب الرئيس قبل المرؤوس وتحصي عليه أنفاسه، قبل أن ينقلب الحمل فرعوناً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2177782

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2177782 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40