الخميس 26 أيار (مايو) 2011

«حديث العفو» يعكر صفو مصر

الخميس 26 أيار (مايو) 2011

لم تتوقف جدلية العفو عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك مقابل التنازل عن ثروته وممتلكاته، بالرغم مما أعلنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر في بيان رسمي من أنه لا عفو عنه أو عن أسرته، وهي جدلية بدأت بحديث للمستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض في أحد البرامج التلفزيونية فهم على سبيل الخطأ، في حين أنه لم يكن يقصد من ورائه كما أكد في لقاء آخر إثارة «حديث العفو» عن مبارك وأنه كان فقط يتحدث عن أنواعه ومحدداته القانونية.

اللافت أن إحدى الصحف اليومية حديثة الإصدار في مصر كشفت عما اعتبرته سبقاً صحافياً ويتعلق باستعداد مبارك إلى إلقاء خطاب اعتذار للشعب طلباً للعفو، وهو ما تناقلته وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية على نحو واسع، ما أثار ما وصفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالكثير من البلبلة في الشارع المصري، واتهم مسربي هذه الأخبار بالكذب ونشر الشائعات بهدف الوقيعة بين الجيش والشعب، رافضاً أسلوب الاعتماد على مصادر مجهولة المصدر، مؤكداً أنه لا يتدخل في الإجراءات القضائية، ووصل الأمر باللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع المصري للشؤون القانونية وعضو المجلس الأعلى إلى التهديد باللجوء إلى المادة 13 من قانون العقوبات التي تتيح تقييد وسائل الإعلام والصحف في حال نشرت أو عرضت مواد تخل بالأمن القومي للبلاد بشكل استثنائي، وقد تم بالفعل استدعاء رئيس تحرير الصحيفة ومحرري التقرير للتحقيق في النيابة العسكرية التي أمرت بإخلاء سبيلهما بعد تعهد بعدم نشر أي أخبار أو تقارير تتعلق بالقوات المسلحة إلا بعد العودة إلى الجهات المعنية فيها.

ووفقاً لدوائر سياسية مصرية فإن إثارة حديث العفو عن مبارك الآن ينبئ عن محاولة للالتفاف على ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي نجحت في الإطاحة بالرئيس السابق ما يمهد لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انبثاق الثورة، خاصة أن العفو عنه قد يفتح الباب للعفو عن رموز نظامه وأغلبهم من كبار السن والمصابين بأمراض الشيخوخة، وهي المبررات التي يتكئ عليها أصحاب الدعوة إلى العفو عن مبارك الرجل المسن وصاحب الأمراض العديدة، والأهم من ذلك أنه صاحب الضربة الجوية في حرب أكتوبر من عام 1973، ولكن هذه المبررات كما يرى الكثير من المختصين لا تخضع للمنطق القانوني أو السياسي، وإن كان البعض يرى إمكانية أن تجري مناقشة الفكرة من خلال حوار وطني شامل بمشاركة كافة القوى السياسية التي تقرر ما إذا كان بالوسع العفو عن مبارك من عدمه، في ظل توافر شروط معينة من أهمها عدم شموله نجليه أو أي من أركان نظامه الذين ارتكبوا جرائم سياسية وجرائم الفساد المالي والذين يرفضون العفو عن مبارك، وهم يمثلون تيار الأغلبية في مصر يستندون في موقفهم إلى المعطيات التالية :

[****] أولاً : إن حجم ثروة مبارك لم يتحدد بعد، فكل يوم تكشف تقارير الجهات الرقابية عن مصادر جديدة في هذه الثروة سواء في الداخل أو بالخارج، وذلك على الرغم من محاولة نفي تضخم هذه الثروة والتي جاءت على لسان محاميه فريد الديب، مشيراً بعد أن نفى واقعة تسجيل مبارك كلمة لبثها عن طريق قنوات مصرية وعربية، يعتذر فيها للشعب ويطالب بالعفو والصفح عنه، مع التنازل عن كل ممتلكاته وأمواله إلى أن كل ما لديه عبارة عن فيلا اشتراها عام 1997 بمبلغ نصف مليون جنيه في شرم الشيخ، ورصيده في البنك الأهلي لا يتجاوز مبلغ الستة ملايين جنيه هي حصيلة خدمته في القوات المسلحة والرئاسة على مدى 62 عاماً، لافتاً إلى أنه لا يمتلك أي حسابات خارج مصر أو عقارات أو قصور في أي مكان داخل مصر أو خارجها سوى فيلا شرم الشيخ، معتبراً أن الحديث عن وجود أرقام مبالغ فيها يهدف إلى تشويه صورة مبارك.

غير أن ما كشف عنه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في حديثه لـ «الأهرام» مؤخراً يصب في منحى يؤكد أن ثروة مبارك من الضخامة بمكان، رغم أنه بدوره يرفض منطق المبالغة الذي سعى إليه البعض في الحديث عن هذه الثورة، فهيكل اعتماداً على تقارير للبنك الدولي مدعومة بتقارير من المخابرات الأمريكية يقدر هذه الثروة في الخارج بين 9 و11 مليار دولار وذلك رقم في حد ذاته مهول وفق تعبيره، ومن قبل قدرت صحيفة «الغارديان» البريطانية ثروة مبارك بنحو 5 .4 مليار دولار، وذلك كله يعني أن الرأي العام المصري لن يسمح بمنطق العفو في ظل حالة الحرمان التي عاشتها الأغلبية خلال الثلاثين عاماً من حكمه وضاقت بها السبل، ما أدى إلى دخول أكثر من 40% من الشعب المصري منطقة تحت خط الفقر وغياب الخدمات الرئيسية والتي كانت مخصصة للأغنياء فحسب، أما هم فكانوا يحصلون عليها بصعوبة شديدة في ظل تدني مستوى الدخول إلى حدودها الدنيا وصعود معدل الأسعار على نحو لا يتسق مع الأجور، فانتشرت العشوائيات والحالات المرضية التي لم يكن بمقدور أصحابها الحصول على علاجها بفعل تدهور المستشفيات العامة وارتفاع تكلفة المستشفيات والعيادات الخاصة.

[****] ثانياً : إن إعفاء مبارك من المحاكمة، يتعارض مع نصوص القانون، ويجب التعامل مع الأمر في إطاره الطبيعي باعتباره مواطناً عادياً يجب محاكمته من دون تهويل أو تهوين، فالحكم في النهاية هو القانون، ووفق رؤية المستشار محمود الخضيري رئيس نادي القضاء السابق بالإسكندرية، فإنه من الناحية القانونية يجوز للرئيس السابق رد الأموال بالكامل أمام جهاز الكسب غير المشروع وسيكون المقابل عدم محاكمته والاكتفاء برجوع الأموال للشعب المصري . أما عن قضية القتل العمد للمتظاهرين فلابد أن يحاكم لأنه المسؤول الأول والأخير في القضية باعتباره رئيس الدولة في ذلك الوقت، قائلاً «ستكون عقوبة مخففة».

وفي المقابل فإن الباحث السياسي عمار علي حسن يلفت إلى أنه لا يملك أحد قرار العفو عن مبارك كونه مواطناً ماثلاً الآن أمام القضاء، والطرف المدعي عليه ليس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وإنما الشعب المصري وعلى رأسهم أهالي الشهداء، لذلك فهم أصحاب القرار، لافتاً إلى أن المسألة المطروحة الآن هي الشق المادي، ولكن هناك الشق المتعلق بالفساد السياسي الذي يجب محاكمته عليه، معتبراً أن طرح العفو بهذه الصيغة مصادرة لحق الشعب، ويرى أنه من الأفضل إصدار حكم على مبارك بعد مثوله أمام القضاء.

ولا يختلف منظور السفير عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق والذي ناصب حكم مبارك العداء عن الطرح السابق، مؤكداً أنه لا يجوز مطلقاً منع محاكمة مبارك وأسرته، مشيراً في ذلك للعديد من القضايا التي يعد مبارك هو المتهم الرئيسي فيها، منها قضية قتل المتظاهرين ونهب الأموال وتصدير الغاز للكيان الصهيوني، قائلاً «هذا استخفاف بمشاعر المجتمع المصري، فعليه رد الأموال للشعب ومحاكمته أيضاً، فليس معنى رد الأموال أنه لن يحاكم».

[****] ثالثاً : ثمة اتجاه عام يرى أن مبارك ينبغي أن يخضع لمحاكمة سياسية وشعبية، من دون أن يقتصر الأمر على مجرد محاكمة تتعلق بفساده المالي، فوفقاً لأصحاب هذا الاتجاه، فإن الأوراق والحيل القانونية التي يلجأ إليها بعض المحامين يمكن أن توفر مساحة لبراءة مبارك منها، لكن الانتهاكات والجرائم التي وقعت طوال مده حكمه التي اقتربت من الثلاثين عاماً يمكن أن توفر ذرائع واضحة وسافرة لمحاكمته سياسياً، وقد حددها «هيكل» في العدوان على روح النظام الجمهوري والبقاء في الرئاسة 30 سنة، وتعديل الدستور للسماح بتوريث السلطة، والتصرف في موارد البلد وثرواته كما لو كانت ملكاً شخصياً، كما أن النظام السابق أهمل إهمالاً جسيماً في قضايا لا تحتمل الإهمال، مثل قضية مياه النيل والفتنة الطائفية والتعاون مع «إسرائيل»، ما جعل أحد وزرائها يصفه بأنه «كنز استراتيجي» لها، وتزييف إرادة الشعب، وانتهاك حقوق الإنسان، والتواطؤ في أعمال سرية لتحقيق غايات سياسية ومالية، فضلاً عن جرائم تزوير الانتخابات لمصلحة الحزب الوطني، وإقصاء القوى السياسية والحزبية الأخرى وهي كلها كما يقول هيكل تهم سياسية وليست تهماً قانونية، والتعامل حيال هذه الجرائم لابد أن يكون سياسياً ما يستوجب الأمر محاكمة برلمانية بعد تشكيل مجلس الشعب المقبل، وهو ما حظي بالتأييد من دوائر قانونية وسياسية عدة في مصر، غير أن المجلس العسكري وأركان حكومة الدكتور عصام شرف خاصة المستشار محمد عبدالعزير الجندي مازالوا متمسكين بالقانون الطبيعي لمحاكمة مبارك ورموز نظامه، وإن كانت دوائر شباب الثورة ترى أن البلاد من المفترض أن تخضع لمحددات الشرعية الثورية التي توفر في ظل ادعاءات البعض بعدم وجود نصوص في القوانين الحالية تجرم الفساد السياسي الآليات المطلوبة لأي محاكمة سياسية مرتقبة في المستقبل.

على أية حال، يمكن القول إن مصير مبارك مازال معلقاً سواء في ما يتعلق بمحاكمته قانونياً أو سياسياً، خاصة أن الملابسات الصحية المحيطة به مازالت تخضع للرأي الطبي الذي لم يحسم بعد موقفه من إخراجه من مقر حبسه الاحتياطي بمستشفى شرم الشيخ الدولي، وتحويله إلى سجن طرة إلى جانب نجليه ورموز نظامه الكبار، وهو ما دفع النائب العام إلى تشكيل لجنة طبية جديدة للبت في أمره.

لكن شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير أكدوا رفضهم التام لخيار المصالحة والعفو مع مبارك ورموز نظامه خلال التظاهرة التي نظموها بميدان التحرير يوم الجمعة الفائت، وشددوا على أنه لا تنازل عن محاكمة الرئيس السابق وزوجته ونجليه، وجميع رموز الفساد حتى في حالة إعادة أموالهم التي قاموا بنهبها من الشعب المصري، وطالبوا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتطبيق القانون على الجميع ومحاسبة جميع رموز الفساد، مؤكدين أن الهدف من جمعة 20 مايو/ أيار التحضير ليوم «جمعة الغضب» في 27 مايو الجاري اعتراضاً على الإفراج عن فتحي سرور ومرتضى منصور وسوزان مبارك وزكريا عزمي، واعتراضاً على الدكتور يحيى الجمل صاحب طرح خيار المصالحة، وللمطالبة بإعادة اعتقال كل من أفرج عنه ومحاكمة مبارك عن جرائم القتل.

- **صحيفة «الخليج» الإماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178305

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178305 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40