السبت 21 أيار (مايو) 2011

أوكامبو عدوّ العرب والأفارقة

السبت 21 أيار (مايو) 2011 par منير شفيق

المحكمة الجنائية الدولية هي الأنياب. ولويس أوكامبو المدعي العام هو المخلب. أما المحرّك لهما والمتحكّم فيهما، فهي الإدارة الأمريكية والصهيونية العالمية. والذين تمتدّ إليهم الأنياب والمخلب فأمريكا هي التي تختارهم وتنتقيهم انتقاءً.

أما الهدف من تحريك المحكمة كما تبيّن من حراكها، أو كما استُخْدِمَت حتى الآن، فوضع الرئيس أو الكبار في السلطة تحت الابتزاز السياسي، وليس لأخذهم فعلاً إلى المحكمة وإنزال العقوبة بهم. والسيد أوكامبو جاهز للتنفيذ، كما لتعطيل التنفيذ، إذا ما استجيب للابتزاز والمساومة.

فمنذ البدء وبالرغم من توقيع 140 دولة على ميثاق المحكمة (ميثاق روما)، لم توقع الإدارة الأمريكية، بالرغم من الإحراج الشديد، عليه، فيما هي التي أسهمت في إنشاء المحكمة، وتحكمت في صوْغ ميثاقها.

فالمحكمة منذ البدء لا علاقة لها بجرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها الجيش الأمريكي، أو الكيان الصهيوني، أو أيّ دولة من الدول الكبرى، أو أي من الحلفاء المقرّبين لأمريكا. ولهذا يجب أن تكون مرفوضة من حيث أتى.

هذان الأمران يجعلان مسماها مناقضاً لممارستها ومسعاها. أي الانتقائية في استخدامها للابتزاز والمساومة أو الدول المعفاة من تحرّك المحكمة ومدّعيها العام ضدّها.

القائمة طويلة بالنسبة إلى رؤساء ووزراء وقادة وضباط يتوجّب على أوكامبو التحرّك ضدهم ولكنه لا يفعل، ويرفض أيّ قضية تمسّهم حتى لو كانت التهمة ثابتة عبر الصورة والصوت والخطاب والفعل المشهود.

السيد أوكامبو، وبحجج واهية، رفض كل القضايا التي قدّمت ضدّ الاحتلال الأمريكي في العراق، وما ارتُكِب من جرائم حرب فيه، أو ما يتحمّل مسؤوليته من عمليات إبادة. ولا حاجة بالتذكير بالفلوجة وسجن «أبو غريب» ووثائق ويكيليكس.

والأمر أشدّ وأنكى عندما يتعلق بجيش الكيان الصهيوني وما ارتكِب من جرائم حرب وإبادة جماعية طوال تاريخه، بما في ذلك جرائم شاهدها العالم على شاشات الأقنية الفضائية في عدوانه على قطاع غزة 2008/2009 أو على لبنان في 2006.

وفي المقابل، وعلى سبيل المثال، تحرّك أوكامبو ضدّ الرئيس السوداني عمر البشير. وقد أرادت أمريكا ابتزازه وهي تمرّر مخططها لتقسيم السودان.

والآن تُحرّك أمريكا أوكامبو ومحكمته لوضع معمر القذافي تحت الابتزاز ولتمرير مخططها في إجهاض الثورة.

فعلى الرغم من ارتكاب معمر القذافي لجرائم تدخل في عداد جرائم الحرب، لا سيما في الفترة الأخيرة ضدّ الثورة الشعبية التي تحركت ضدّه في ليبيا، فإن تحرّك أوكامبو أو تحريك أوكامبو ضدّه لا علاقة له بتلك الجرائم، ولا بإقامة العدالة، ولا حتى بردعه عن مواصلة حربه ضدّ شعبه. لأن المطلوب ابتزازه كما ابتزاز المجلس الوطني الانتقالي في الآن نفسه.

ولهذا فإن كل من رحبّ بقرار أوكامبو ضدّ معمر القذافي وسيف الإسلام وعبد الله السنوسي يرتكب خطأ مبدئياً، مهما حمل في جعبته من قائمة جرائم ارتكبها المعنيون ومهما كانت جراحه من القذافي.

فالمحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام ومن وراءهما يجب أن يبقوا تحت الإدانة، وأن تُفضح الأهداف المتوخاة من تحريك قضايا يستهدف منها غير ما يتوهمه الذين لا يقرؤون ما وراء الأكمة. فالمحكمة ومدعيها العام ومن وراءهما يجب أن يُدانا مهما فعلا.

التجربة الليبية تشهد على ذلك. فقبل التدخل العسكري الأمريكي-الأطلسي في ليبيا استخدمت أمريكا مجلس الأمن لفرض عقوبات على القذافي وأولاده لكي لا يرحلوا من ليبيا، ثم حرّكت أوكامبو بالتلويح بمتابعتهم قضائياً بوصفهم مجرمي حرب. وكان من الواضح عبر الخطوتيْن أن المطلوب من القذافي وأولاده أن يقاتلوا باستماتة فلا يغادروا كما فعل حسني مبارك وزين العابدين بن علي أمام حراك شعبي سلمي استهدف رحيلهم وإسقاط النظام. فالخطوتان، عملياً، سَدَّتا أمام القذافي أي منفذ للهروب. فأمريكا كانت تدفعه إلى القتال مع تفوّقه العسكري لكي تخترق المجلس الوطني الانتقالي وتبتزه وتساومه.

وعندما أصدر مجلس الأمن قراره بالتدخل العسكري تحت حجّة حماية المدنيين وفرض حظر جوّي غاب موضوع أوكامبو، ولم يعد إلى المسرح إلاّ في الأسبوع الأخير. ولم يخجل أوكامبو في مقابلته الصحفية في 16/5/2011 من القول أن أمام القذافي فرصة أخيرة قبل أن تقرّر المحكمة قبول الدعوى ضدّه.

هذا يعني أن قرار تثبيت الدعوى ضدّ القذافي مرهون باستجابته لما هو مطلوب منه أمريكياً، وليس بالأمر المقضيّ بسبب ما ارتكب من جرائم.

وهذا يعني أن محكمة الجنايات الدولية مسيّسة وألعوبة بيد أمريكا؛ ما يقضي برفض وضعها الحالي من حيث أتى. ومن ثم من الخطأ التعامل معها بازدواجية وانتقائية. فالموقف من المحكمة ومدعيها العام يجب أن يكون مبدئياً.

من هنا يجب أن يُشجب تدخل المحكمة الجنائية الدولية ضد القذافي من قِبَل الذين يطالبون برحيله قبل الذين يتعاطفون معه، تماماً كما الموقف من شجب التدخل العسكري الأمريكي-الأطلسي. وهو الشجب الذي أثبتت صحته التجربة الليبية شأنها شأن كل التجارب الأخرى في العالم.

فيا للتجربة الليبية ما أعقدها حين تكون هنالك ثورة شعب تستحق كل دعم، وعنوانها الأول أبطال مصراتة والزنتان فيما تواجه رئيساً استسلم لأمريكا منذ 2003 وأسهم في فصل جنوب السودان عن شماله، وعاث شخصياً في بلده استبداداً وفساداً واستباحة وصولاً إلى ارتكاب جرائم حرب، وفيما سمح المجلس الوطني الانتقالي لأمريكا وفرنسا وأوروبا باختراقه والتأثير في أغلب قراراته، بما في ذلك التعاون مع تدخل عسكري أمريكي-أطلسي جاء ليُجهض الثورة ويهيمن على ليبيا.

فالثورة في ليبيا يجب أن تمضي في تحقيق هدفها برحيل القذافي وإسقاط نظامه، والنضال ضدّ الاختراق وضدّ التدخل الخارجي ومخططاته وإحباط محاولته الهيمنة على ليبيا الغد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2178558

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178558 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40