لولا الانتفاضات الشعبية التي بدأت منذ نحو نصف عام في تونس ثم تمددت إلى مصر واليمن وسوريا لما جاءت الذكرى الثالثة والستون لنكبة فلسطين بهذه الصورة المختلفة كلياً عن السنوات السابقة.
فلسطين في هذه الذكرى عربية مئة في المئة .. حملها الضمير العربي الشعبي الذي اتضح تماماً أنه ضمير حاضر ومتكلم وفاعل، وليس ضميراً غائباً كما هي ضمائر بعض السياسيين العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص، أولئك الذين يزعجهم مثل هذا التوهج الوطني العارم.
شباب وشابات بلا أبوة أو «أبوات» سياسية وقيادية وحزبية، حملوا أنفسهم إلى الجغرافيات الحدودية القريبة من فلسطين، بينهم وبين القدس شريط من الأرض التي ابتلعها الصهيوني منذ ثلاثة وستين عاماً في وضح النهار.
مرة ثانية، تونس ومصر وسوريا واليمن وكل الوطن العربي هو ظهر فلسطين وصدرها وعمودها الفقري، أي أن أي مواطن عربي هو في هذه الحالة في قلب ثقافة جديدة وفي قلب تاريخ جديد.
إن ما يأمله الشارع العربي والشارع الفلسطيني بشكل خاص أن تصبح الانتفاضات الشعبية العربية وقوداً يومياً لهذه الحالة الحدودية الفلسطينية بحيث لا ينتهي ولا يتوقف توجه الشباب العرب إلى شمال لبنان وإلى الجولان وإلى نهر الأردن، أي لا تتحول ذكرى النكبة إلى مناسبة سنوية، وإنما إلى فعل يومي هو امتداد للأفعال الشعبية اليومية في عدد من العواصم العربية.
إذا أصبحت هذه المناسبة الفلسطينية فعلاً يومياً على شكل انتفاضة ولكنها هذه المرة على حدود فلسطين وباتجاه فلسطين، فإن ذلك سيشكل وضعاً مزعجاً للكيان «الإسرائيلي» ومزعجاً أيضاً لبعض أزلام السلطة الذين يريدون البقاء في حالة الجزر السياسي وليس المد الشعبي الوطني.
محمود درويش كان يقول ومازال يقول : «حاصر حصارك يا أخي ..».
هذه المرة، في ذكرى نكبة فلسطين، نحن أمام مفاجأة حقيقية، فالحصار يقوم به الشعب على العدو «الإسرائيلي»، الشعب يريد إسقاط «إسرائيل»، الشعب يحكم حصاره على رقبة «إسرائيل».
15/5 من كل عام، ليس يوماً واحداً في كل عام، إنه كل الأيام.