الثلاثاء 17 أيار (مايو) 2011

نزيف النكبة

الثلاثاء 17 أيار (مايو) 2011 par أمجد عرار

سيحتاج قادة «إسرائيل» الآن إلى جلسة تأمل وتفكير في ما رأوه وسمعوه من صرخات ألم وأمل قادمة من خلف الحدود، من لبنان وسوريا والأردن وسيناء مصر. سيجلسون مشدوهين، يتساءلون عن حصاد زرعهم بذور الطمس والتهويد وحقن النسيان. سيستعرضون صور الزاحفين عبر الأسلاك الشائكة والمستعدين لتلقي الرصاص بصدورهم. لقد ولدوا هناك في الشتات، لم يلتقطوا صوراً للذكريات على أسوار عكا وشواطئ يافا وأزقة حيفا وقلعة صفد. لم يروها وليست لها صور في قرص ذاكرتهم الطري. ظنوا أن العجائز الذين يحتفظون بالمفاتيح تحت وسائدهم، هم من يفكّر في الزحف نحو الوطن، ولم يخطر في بال أصحاب «نعمة النسيان» أن جيل النكبة لم يمت كلّه، وأن جيل ما بعد النكبة لم ينس ما تركه أولئك الذين ماتوا، بل أتاهم من حيث لم يتوقّعوا حاملاً روحه على كفه، عليهم الآن أن يتيقّنوا أن جيل ما بعد ... ما بعد النكبة لن ينسى ولن يكف عن الحلم وعن تحقيقه.

قتلوا وجرحوا وأسالوا دماً فلسطينياً وعربياً جديداً، فهذا كل ما يستطيعوه، لكنّ لا الرصاص يغتال حلماً ولا القنابل تفجّر إرادة. قيل هذا الكلام في ما مضى، رأوه شعراً وسخروا منه لأن القصائد لم تعد «الأمجاد»، بل كانت مجرد «كمنجات تبكي على العرب الخارجين من الأندلس».

«إسرائيل» تقرأ الآن الواقع جيّداً، وتعني ما تعنيه عندما تتحدّث عن زلزال عربي، لكنّ الفهم بالشيء لا يفيد من تعوّد التصرّف بمقتضى عقليّته المركّبة على العنجهيّة. مثل هذه العقلية «تحفر قبرها بيدها»، لأنها لا تستطيع أن تُخرج حاملها من ثوبه بل تدفعه للهروب للأمام والإصرار على تبرير الأساس الواهي الذي بنى عليه خرافته.

لن تتصرّف «إسرائيل» على أساس أن شيئاً تغيّر في محيطها حتى لو رأته بأم العين. لكنها تتصرف كمن قرأ الرسالة ولم يفهمها. لن تفهم أن ربيع العرب قد جعلها تلملم أوراق خريفها المتساقطة. دائماً كان هناك عرب، لكن ما كان غائباً عن الوعي هي العروبة، وها هي تصحو، بعدما استيقظت مصر على صوت ثورتها، فجاء الميلاد بأبهى ما يكون لها وللأمة، وليس مفاجئاً أن يأتي هذا الزحف العظيم على النحو الذي أصابها بالارتباك والاندهاش.

على قادة «إسرائيل» أن يقرأوا الخط العريض الذي كان خجولاً، وتقرأه من جيل ظنت أنه ذاب في النسيان حيث ولد في الشتات. قبل أيام أتيح لكوكبة من جيل «خيمة عن خيمة تفرق»، أن تدخل فلسطين كي تغني للوطن في ذكرى نكبته. وأتيح لمئات الجالسين أمام الستار المغلق في أحد مسارح رام الله، أن يروا مئة من الشباب والصبايا. انتظر الحضور صوت «أبو عرب» القادم من سوريا، ليغني للزيتون وعود اللوز الأخضر. جاء لهم بما انتظروا وتفاعلوا بالدموع والصمت الذي كسرته فتاة بثوب مطرز. جاءت من مخيم اليرموك في سوريا، ليس لتقديم باقة من غناء الغبار والفرقعات الضوئية، بل لتنزف مع وجدانها ما يؤجج ألق المناسبة. ليست لاجئة فحسب، بل ابنة شهيد قضى حين كان عمرها أربعين يوماً. انهمر كلامها كالمطر على الحضور حين روت لهم أنها عندما كبرت وسألت عن سبب استشهاد والدها، قالوا لها إنه استشهد من أجل الوطن. وبصوت كسّره الوجع قالت «حينما وصلت أرض الوطن، بكيت وعرفت أن الوطن أكبر من أبي، وعرفت لماذا أبي استشهد».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165452

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165452 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010