الثلاثاء 17 أيار (مايو) 2011

إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو مشروع «إسرائيلي»

الثلاثاء 17 أيار (مايو) 2011 par د. سعيد العامرية

إن ما تعلنه السلطة الفلسطينية بأنها ستتقدم في شهر سبتمبر/أيلول 2011 بطلب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 هو مشروع «إسرائيلي» وليس فلسطينياً، ويذكرنا بما جرى سنة 1974 باستصدار قرار «منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني» من مؤتمر القمة العربية، حسب ما جاء في الصفحة (15) من كتاب الأستاذ هيكل (قرأ ميكافيللي)، وبالتالي تحويل القضية الفلسطينية من قضية عربية إلى قضية قطرية فلسطينية، والاستفراد بالشعب الفلسطيني الموجود على أرض فلسطين، بعد أن قام الكيان الصهيوني بإبرام اتفاقيات سلام مع الدول المحيطة بفلسطين التاريخية التي كانت الضفة الغربية وقطاع غزة أمانة لديها بموجب قرار من الجامعة العربية سنة 1951، وأضاعت هذه الدول الأمانة سنة 1967، وبموجب هذا القرار تم إخلاء مسؤولية هذه الدول من استرجاع قطاع غزة والضفة الغربية ومنع المناضلين والمجاهدين العرب من الانطلاق من هذه الدول المجاورة لفلسطين لمحاربة العدو الصهيوني، بعد أن وقعت هذه الدول اتفاقيات سلام مع هذا العدو. وعلى كل المفاوضين الفلسطينيين الشرفاء أن يعرفوا أن «إسرائيل» هي دولة أمر واقع وليس لها الحق في السيادة على شبر واحد من أرض فلسطين، وليس لها أي شرعية أو سند قانوني، وأن كل الاتفاقيات الفلسطينية والعربية مع هذا الكيان الصهيوني هي اتفاقيات باطلة شرعاً وقانوناً للأسباب الآتية :

[**بطلان الاتفاقيات وفقاً لأحكام القانون الدولي :*]

عرّفت المادة الثانية من اتفاقية فيينا لعام 1969، الخاصة بقانون المعاهدات، المعاهدة بأنها «اتفاق دولي يعقد كتابة بين دولتين أو أكثر، ويخضع للقانون الدولي، سواء في وثيقة واحدة أو أكثر»، وترتيباً على ذلك فإن أية اتفاقية دولية يجب أن تخضع لقواعد القانون الدولي. وقد استقرت قواعد القانون الدولي على أن الشروط اللازمة لصحة التعاقدات الدولية هي أهلية التعاقد والرضا ومشروعية موضوع التعاقد.

[** أولاً : أهلية التعاقد*]

إبرام الاتفاقيات الدولية مظهر من مظاهر سيادة الدولة والسيادة في القانون الدولي مرتبطة بالشرعية ارتباطاً وثيقاً، وحيث إن الكيان الصهيوني كيان غير شرعي فإن سيادته على الإقليم العربي الفلسطيني منعدمة، لأن السيادة على أرض فلسطين وحتى عام 1917 كانت للدولة العثمانية ولا يمكن أن تكون «إسرائيل» وريثاً شرعياً للدولة العثمانية في السيادة على الإقليم العربي الفلسطيني، فلذلك فإن السيادة على الأراضي العربية التي خسرتها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى هي للأمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج وهي كل لا يتجزأ، ولذلك فإن السيادة القانونية على أرض الإقليم العربي الفلسطيني هي للأمة العربية جميعها، ولا بد لصحة أي اتفاق حول السيادة على أرض فلسطين العربية أن يلقى موافقة أغلبية الشعب العربي، وإذا تم أي تنازل عن أي شبر من أرض العرب في فلسطين دون موافقة أغلبية الشعب العربي الذي يقطن الآن في الأرض العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، فإن هذا التنازل والاتفاق يعد اتفاقاً باطلاً بطلاناً مطلقاً حتى ولو تحقق المستحيل ووافق الشعب العربي الفلسطيني بملايينه على هذا التنازل.

[**ثانياً : الرضا*]

إن الاتفاقيات بشكل عام لا تنعقد صحيحة إلا بتوافر الرضا التام لأطراف الاتفاقية ووجود الرغبة الحرة لديها بالالتزام بهذه الاتفاقية، أما إذا عاب الرضا غلط أو غش أو إكراه فإن هذه الاتفاقية تعدّ باطلة، وقد نصت اتفاقية فيينا على هذه العيوب الثلاثة كأسباب لبطلان الاتفاقيات الدولية وأضافت إليها حالة جديدة وهي حالة إفساد ممثل الدولة بوساطة دولة متفاوضة أخرى. وقد نصت المادة (53) من اتفاقية فيينا على أن «تعتبر المعاهدة باطلة بطلاناً مطلقاً إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة». ولما كانت منظمة التحرير الفلسطينية والحكومات العربية التي وقعت اتفاقيات السلام مع العدو الصهيوني قد أُكرِهت بطريقة أو بأخرى على التوقيع عليها من قبل الحكومة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذه الاتفاقيات تعد مخالفة لقواعد القانون الدولي الآمرة، ولذلك فإنها جاءت باطلة بطلاناً قانونياً مطلقاً.

[**ثالثاً : مشروعية موضوع الاتفاقية*]

استقرت قواعد القانون الدولي على أنه يجب لصحة انعقاد المعاهدة الدولية أن يكون موضوعها جائزاً أو مشروعاً، أي أن يكون الأمر الذي تم الاتفاق عليه لا يتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي أو الالتزامات الدولية المنصوص عليها في المادة (103) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص «إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لهذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به، فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق».

ولما كان موضوع الاتفاقيات العربية «الإسرائيلية» يتعلق بالسيادة على الإقليم العربي الفلسطيني، وهو موضوع لا يحق لأي دولة التفاوض عليه مع كيان غير مشروع لا يملك أية سيادة على أرض فلسطين، لأن الإقليم العربي الفلسطيني تم احتلاله من قبل بريطانيا والعصابات الصهيونية، وهذا يتعارض مع المادة (53) من اتفاقية فيينا التي نصت على عدم جواز اكتساب الإقليم عن طريق الحرب، الأمر الذي يترتب عليه عدم مشروعية وجود الكيان الصهيوني، وبالتالي بطلان أي اتفاق معه متعلق بالحدود، لأن الاتفاق على الحدود عمل من أعمال السيادة على الإقليم.

ولما كانت الاتفاقيات العربية «الإسرائيلية» المذكورة تتعارض مع العديد من القواعد الآمرة في القانون الدولي، وأول هذه القواعد حرية الدولة التي وقعت على الاتفاقية في تصرفاتها، وقد تمت مخالفة هذه القاعدة في كل الاتفاقيات العربية «الإسرائيلية»، لأن كل الحكومات العربية التي قامت بتوقيع هذه الاتفاقيات لم تكن حرة في تصرفاتها، وإنما كانت مرغمة على التوقيع على هذه الاتفاقيات نتيجة للضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على هذه الحكومات، ولأن شعوب هذه الحكومات لم يؤخذ رأيها في التوقيع على هذه الاتفاقيات أسوة بما تقوم به دولة العصابات الصهيونية.

ومن الشروط الواجب توافرها في المعاهدة الصحيحة كذلك، ألا تخالف هذه المعاهدة ميثاق الأمم المتحدة، وقد خالفت كل هذه الاتفاقيات نص المادة 103 من الميثاق التي تنص على أن تكون العبرة بالتزامات الأعضاء المترتبة عليهم بموجب الميثاق، الذي نص في المواد 2/1، 2/4، على عدم التهديد بالقوة أو استعمالها في العلاقات الدولية واحترام السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة، وحيث إن اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني قد تضمنت تنازلاً عن أجزاء من السيادة على أقاليم الدول العربية، فإن هذه الاتفاقيات تكون باطلة بطلاناً مطلقاً لمخالفتها لقاعدة أخرى آمرة من قواعد القانون الدولي.

وحيث إن الكيان الصهيوني قد تم إنشاؤه من قبل قوات الاحتلال البريطانية، وحيث إن أعمال قوات الاحتلال المتعلقة بالسيادة على الأراضي المحتلة هي أعمال غير مشروعة، فإن الكيان الصهيوني كيان غير مشروع أقيم بالقوة المسلحة البريطانية وقوة العصابات الصهيونية أثناء فترة احتلال بريطانيا للإقليم العربي الفلسطيني وللمنطقة العربية.

أما القول إن الكيان الصهيوني أصبح أمراً واقعاً لا يمكن تجاهله بصرف النظر عن مدى مشروعيته، فهو قول لا يستند إلى القانون الدولي، لأن الأمر الواقع ليس وضعاً مجرداً يحميه القانون الدولي أياً كان الأساس الذي يستند إليه وأياً كانت آثاره، لأن القانون الدولي يحمي الأمر الواقع الذي يستند إلى أساس مشروع ويرتّب آثاراً مشروعة، وهذه الأسس والآثار غير موجودة في الأمر الواقع الصهيوني.

إن أسباب الحماية التي قد يسبغها القانون الدولي على الأمر الواقع إنما تستند إلى الحفاظ على استقرار الأوضاع الدولية وتحقيق السلم والأمن الدوليين، وإذا انعدمت هذه الأسباب لا يجوز أن تتواصل حماية القانون الدولي لهذه الأوضاع، إذ يتعين عندئذٍ إزالة هذه الأوضاع، لأنها تسببت في تعكير صفو السلام والأمن الدوليين، ولأن قواعد القانون الدولي العام كلها تقوم على توفير أسباب الحماية للسلام والأمن في سائر أرجاء العالم.

وحيث إن الكيان الصهيوني لا يقوم على أسانيد مشروعة في القانون الدولي، ولا يحترم قرارات المنظمات الدولية، فإنه لا بد أن يسأل المجتمع الدولي عن القيمة القانونية لهذا الكيان، وعن جدوى استمرار عضوية هذا الكيان في الأمم المتحدة، حيث كان يجب أن تسحب الأمم المتحدة اعترافها بهذا الكيان منذ أمد بعيد نتيجة للأعمال الإرهابية التي قام بها منذ إنشائه.

ومع ذلك فإننا نعرف أن الأمور في ظل السيطرة الأمريكية لا يمكن أن تجري وفقاً للمشروعية وحدها، لأن هذه المشروعية تصطدم في الواقع باعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية تفقدها جزءاً من الفاعلية على أن هذه الاعتبارات لا يمكن أن تجرد المشروعية من فاعليتها، فالحق يبقى حقاً كما هو سواء واجهته اعتبارات تضعف من إمكان الحصول عليه، أو تساعد على الحصول عليه. والواقع الذي تواجهه الأمة العربية اليوم في صراعها مع العدو الصهيوني لا بد أن يدفعها إلى التعامل بذكاء مع الأمر الواقع الذي يفرض وجود الكيان الصهيوني والقانون الدولي الذي لا يعترف بمشروعية هذا الكيان، وكيفية التصدي للقوة الأمريكية التي تساند الكيان الصهيوني. ولا بد كذلك من معرفة القوة التي تساند الحق العربي في فلسطين، وهي قوة الإيمان بالله الخالق القادر على كل شيء (إن ينصركم الله فلا غالب لكم)، وقوة الإيمان بالحق العربي في فلسطين المستند إلى القانون الدولي، وفي إمكانات الأمة العربية والأمم الأخرى المساندة للحق العربي، وفي ظل هذه المواقف لا بد أن تجد الأمة العربية نفسها أمام خيار لا بديل عنه وهو استعمال القوة لتطبيق قواعد القانون الدولي التي تجرد الكيان الصهيوني من كل مشروعية. واستخدام القوة من أجل فرض السلام أمر تقره قواعد القانون الدولي كما يقره ميثاق الأمم المتحدة، وهذا السلام الذي تطالب به الأمة العربية هو البديل للإرهاب الذي مارسته الحركة الصهيونية على الأرض العربية وفي العالم طوال تاريخها.

وأخيراً فإننا نرى أن الحل الوحيد للنزاع العربي الصهيوني هو تحول الكيان الصهيوني من كيان عنصري استيطاني إلى دولة عربية يحكمها القانون على غرار ما جرى في جنوب إفريقيا، وحتى تصل الدول العربية إلى هذا الهدف عليها أن تتقدم إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية بطلبات عن طريق جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والدول الأخرى المؤيدة للقضية الفلسطينية، لإلزام الكيان الصهيوني بتنفيذ قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 والقرر رقم 194 لسنة 1947 المتعلق بحق العودة، وكذلك تطبيق قرار منظمة الطيران الدولية الصادر سنة 1974 الذي قضى بأن مطار القدس هو مطار عربي، وكذلك كل القرارات الدولية التي صدرت ضد الكيان الصهيوني سواء من الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى، وآخرها قرار «غولدستون» حول جرائم الصهاينة في عدوانهم على قطاع غزة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 146 / 2165950

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165950 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010