الثلاثاء 17 أيار (مايو) 2011

النكبة والاستبداد

الثلاثاء 17 أيار (مايو) 2011 par الياس خوري

لم نكن في حاجة الى تصريحات السيد رامي مخلوف الى جريدة «نيويورك تايمز»، كي نعرف ان الاستبداد هو الوجه الآخر للنكبة، وان أمن «إسرائيل» هو محصلة للتعفن الاستبدادي الذي ساد المشرق العربي، منذ اربعة عقود.

النكبة، بالنسبة الى الفلسطينيين، ليست ذاكرة، بل هي حاضر مأسوي مستمر منذ ثلاثة وستين عاما. من الخطأ ان ننسى ان الفلسطينيين لم يُتركوا لمصيرهم بعد نكبتهم، بل امعن النظام العربي في قمعهم، وضرب كل محاولاتهم لاستعادة قضيتهم، وصولاً الى المتاجرة بها، وتحويلها الى اداة يبرر فيها الاستبداد العربي انظمته المهترئة بالفساد، والمبنية على آليات تحكّم المافيا بالقرارين السياسي والاقتصادي.

لكن رامي مخلوف فضح اللعبة بأسرها، حين ازاح القناع الوطني المخادع، كاشفاً السر الذي يعرفه الجميع، حول الخدمات الكبيرة التي يقدمها الاستبداد لدولة الاحتلال. وعاد الى النغمة التي اطلقها بعض القادة الأمنيين السوريين عشية الانسحاب من لبنان، وهي نغمة تمزج الاستجداء بالوعيد.

في شباط (فبراير) حين تهاوى النظام الموميائي الفاسد لحسني مبارك، اصيبت «إسرائيل» بالهلع، ووجدت «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، نفسها في خندق واحد مع انظمة الاستبداد العربية.

مع ثورة مصر عادت اللغة الى المعنى، فأنكشف مستور العلاقة بين الاستبداد و«إسرائيل»، فالاستبداد شرط لاستمرار الاحتلال، كما ان الهيمنة «الإسرائيلية» هي شرط لديمومة الاستبداد.

هذه هي المعادلة التي لجأ اليها مخلوف، في وصفها الحائط الأخير الذي يستطيع نظام الاستبداد العربي الاستناد اليه. غير ان ما فات الملياردير السوري وابن خال بشار الأسد ادراكه، هو ان «إسرائيل» لم تعد قادرة على انقاذ حلفائها المعلنين او المستترين، فذهبت دعوات قادتها للأمريكيين من اجل انقاذ نظام الديكتاتور المصري هباء. تماما مثل الموقف السعودي الذي قام بمحاولة شبيهة وفشل.

لم يكشف مخلوف سراً يعرفه الجميع. وانا هنا لا اريد ان اتحدث عن مجزرة تل الزعتر او عن فضيحة حرب المخيمات، والى آخره... بل اريد ان اشير الى ان من يراقب جبهة الجولان الهامدة منذ اربعة عقود، يفهم ان السيد مخلوف عبّر عن واقع الحال، لكنه وقع في خطأ فادح، عندما لم يفهم ان لا احد يستطيع انقاذ الاستبداد حين يقرر الشعب الثورة عليه.

وقع الكثيرون في خطأ تحليل الموقف الأمريكي او الأوروبي من الثورات العربية. فالدول الغربية لم تدعم الثورات، بل اضطرت الى الانحناء مرغمة امام عصفها الذي لا يقاوم. واذا كانت هناك من ثورة مضادة، فيجب البحث عنها في مشروع توسيع مجلس التعاون الخليجي، وليس في امارات سلفية مزعومة فبركها الاعلام الغبي في سورية.

خطأ السيد مخلوف يشبه خطأ حيتان النهب في مصر، الذين بقوا حتى اللحظة الأخيرة يتمسكون بخيط الدعم الأمريكي للنظام، غير مدركين انه لا توجد قوة عظمى في الأرض تستطيع إنقاذ الديكتاتور في خريفه.

غير ان مخلوف ذكّرنا بما اُجبرنا على نسيانه. عشية ذكرى النكبة، اعادنا هذا الرجل الى اول الحكاية، والحكاية تبدأ من حقيقة ان الاستبداد يجد شرعيته في الخارج، وان «إسرائيل» كانت ولا تزال جزءاً من هذه الشرعية رغم كل الكلامولوجيا الكاذبة عن الممانعة، التي لا تمانع سوى في حق الشعوب العربية في الحرية.

اعادت الثورات العربية قضية فلسطين الى مكانها الطبيعي على الخريطة العربية، لن يستطيع اي نظام ديمقراطي سوف يولد في سورية، وضع قضية الجولان في برّاد الممانعة، او الاستمرار في سحق فلسطينيي المخيمات، وخصوصاً في لبنان. ففي الديمقراطية هناك شعب يحاسب، لأن الشعب يمتلك الدولة وليس العكس، وهذا ما يعرفه السيد مخلوف جيداً، لذا استنجد بـ «إسرائيل»، كي تنقذ «ممانعته» الوهمية من الشعب السوري، لأن سقوط النظام سوف يترتب عليه فقدان الأمن في الاراضي السورية والفلسطينية المحتلة.

OOO

في الذكرى الثالثة والستين للنكبة، تفتح الثورات الشعبية الأفق من جديد. فالتعفن السياسي الذي شهدته فلسطين، لم يكن ناجماً فقط عن انتهاء صلاحية القيادات الفلسطينية المختلفة، وذلك الانقسام الأحمق الذي فصل غزة عن الضفة، بل كان محصلة موت السياسة في المشرق العربي، حين صارت مصر رهينة التوريث، ونجحت الديكتاتورية في سورية في الاستفراد بالشعوب السورية واللبنانية والفلسطينية، بحيث تحولت السياسة العربية الى لعبة في ايدي قوى اقليمية لا وجود فيها لأية دولة عربية.

من هنا يحق للفلسطينيين اليوم، رغم العسف «الإسرائيلي» ووحشية الاحتلال، بأن يبدأوا في رؤية نهاية النفق المظلم الذي حاصر قضيتهم. فلسطين ستجد مرة اخرى في الشعوب العربية سندأ ودعماً، وستكون في قلب الهم العربي، لأن الشعوب العربية التي توحدت حول شعار اسقاط النظام، سوف تتوحد من جديد حول قضية العدالة والحرية في فلسطين.

لا يستطيع الفلسطينيون ان يكونوا خارج الثورات العربية، فالنكبة كما صاغها استاذنا قسطنطين زريق ليست نكبة فلسطين وحدها، بل هي نكبة المشرق العربي ايضاً.

اليوم يزيح العرب عن كاهلهم نكبتهم بالاستبداد، كي يبدأوا مسيرتهم نحو ايقاف النكبة المستمرة في ارض فلسطين، كمقدمة لاستعادة العرب حرياتهم وكراماتهم.

OOO

فتحت ذكرى النكبة الأفق، في مارون الراس ومجدل شمس والقدس وغزة اعلن الفلسطينيون شكل علاقتهم بالثورات العربية، بأن رسموا لها افق الحرية الفلسطيني كنقطة تقاطع.

لم تكن المسيرات ممكنة لولا الثورة الشعبية العربية، ولا يستطيع اي نظام ان يقايض الحرية بفلسطين، ففلسطين هي اسم آخر للحرية، وانتفاضات شعبها هي جزء من انتفاضة المصريين والتونسيين والسوريين واليمنيين والليبيين من اجل تحررهم من الاستبداد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 105 / 2166101

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2166101 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010