السبت 22 أيار (مايو) 2010

الهيئة الوطنية الفلسطينية والحقوق الثابتة

بقلم : صلاح صبحية
السبت 22 أيار (مايو) 2010

مساء يوم الاثنين في 17/5/2010 وفي مخيم اللاجئين الفلسطينيين في مدينة حمص وسط سورية ألقى الأستاذ بلال الحسن بكونه الناطق الإعلامي بلسان الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الفلسطينية محاضرة بعنوان ( مستجدات الوضع الفلسطيني ) ، وكان الأستاذ بلال الحسن قد أعلن عن تشكيل هذه الهيئة يوم 24/2/2010 في مؤتمر صحفي عقده في بيروت ، كما تم إصدار ( بيان التحرك ) موقعاً من خمس وسبعين شخصية ناشطة في الحقل الوطني العام ، وفي محاضرة الأستاذ بلال الحسن المنوه عنها أعلاه سمعناه لا يتحدث عن الصراع العربي الصهيوني بل راح يصب جام غضبه على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”وبغض النظر أين أصاب الأستاذ بلال الحسن وأين أخطأ في محاضرته فهو بالنتيجة لم يكن موفقاً لخدمة هيئته الوطنية بقدر ما صبّ النار على الزيت فأشعلها لهيباً في القاعة ، فهو انتقد كلاً من السلطة وحركة “فتح” بأنهما ضد المقاومة بينما حركة حماس هي من يمارس المقاومة اليوم ، حيث يبدو الأستاذ بلال الحسن قد نسي تصريحات قادة حماس بشأن مطلقيالصواريخ على المستوطنات الصهيونية في جنوب فلسطين المحتلة عام 1948 والتي وصفت هذه التصريحات مطلقي الصواريخ بأنهم عملاء وبأنّ تلك الصواريخ صواريخ مشبوه ، فشتان بين صواريخ أبو مازن العبثية وصواريخ الزّهار العميلة والمشبوهة ، وإن كان كلا التصريحان لا يخدمان الوضع الفلسطيني بكل جزئياته ، ويمضي الأستاذ بلال الحسن في محاضرته ليتدخل في تفاصيل المؤتمر السادس لحركة “فتح” من حيث عضوية المؤتمر وكيفية منع أعضاء من إقليم سورية من الوصول للمؤتمر ، وقد تم الرد عليه بموضوعية ومسؤولية وجرأة من قبل أمين سر حركة “فتح” في حمص موضحاً حقيقة كيفية مشاركة إقليم سورية في المؤتمر وإن ما يرويه الأستاذ بلال الحسن ليس صحيحاً ، كما وصل اتهام الأستاذ بلال الحسن لحركة “فتح” بأنها أصبحت فقط في الضفة الغربية ، وبأنها لم تعد تؤمن بالحقوق الفلسطينية ، وقد تم
الرد عليه بأنّ “فتح” موجودة داخل وخارج الوطن وفي الشتات وأنّ “فتح” ما زالت متمسكة بمنطلقاتها ومبادئها وأهدافها وأسلوبها ، ومع هذا أصرّ الأستاذ بلال الحسن على أنّ روايته التي يسعى من خلالها إلى تغييب حركة “فتح” عن الساحة الفلسطينية بأنها هي الصحيحة ، وبالمناسبة مع كل الأخطاء الموجودة في حركة “فتح” فإنها بدأت تستعيد نشاطها في إقليم سورية مثل بقية الفصائل الفلسطينية بل وبشكل ملفت للنظر ، مع العلم أنّ حركة “فتح” ليس لها وجود رسمي وليس لها أي مكتب أو مقر في سورية ، ومما جاء في محاضرة الأستاذ بلال الحسن يؤكد أنه يريد أن يبني هيئته الوطنية على
أنقاض حركة “فتح” في الشتات ، ولكنْ قد اعتاد كل الذين يسعون لإيجاد مكاناً لهم هنا أو هناك أن يدخلوا من باب التهجم على حركة “فتح” ، فالتهجم على حركة “فتح” شيء وتوجيه النقد لحركة “فتح” شيء آخـر ، كنا نتمنى أن نسمع من الأستاذ بلال الحسن كلاماً يوحّد الصف الفلسطيني في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية لا كلاماً يفرّق الصف الفلسطيني .

وإذا ما عدنا للحديث عن الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الثابتة فأولى هذه الحقوق هي فلسطين الأرض والشعب والوطن ، وفي حقيقة الصراع العربي الصهيوني والذي هو بحقيقته صراع وجود لا صراع حدود نجد أنّ محل الصراع هو أرض فلسطين التاريخية وأنّ طرفي الصراع هما الحركة الصهيونية ومن ورائها الاستعمار الأوربي والأمريكي من جهة ومن جهة ثانية الشعب العربي الفلسطيني ومن ورائه الأمتين العربية والإسلامية ، وهنا يمكن أن نقول أنّ هذا الصراع يهدف من الجانب الاستعماري الصهيوني إلى شطب فلسطين جغرافياً وتاريخياً وسياسياً وثقافياً وحضارياً مقابل الهدف العربي الفلسطيني الذي يؤكد على حق وجوده في فلسطين منذ بداية التاريخ والذي يسعى لعدم السماح للعدّو الصهيوني بتحقيق هدفه وهو إقامة دولته التي يسميها (إسرائيل ) ، ومن هذا المفهوم للصراع يتحتم علينا كفلسطينيين وكعرب وكمسلمين ألا نكرّس وجود الاحتلال الصهيوني لفلسطين تحت الاسم الذي فرضه علينا العدّو وهو (إسرائيل ) ، وهذا من حقوقنا الثابتة التي يجب أن نتمسك بها في كل مكان وزمان ، ولكن الهيئة الوطنية الفلسطينية والتي مهمتها كما تقول من عنوانها هي الدفاع عن الحقوق الفلسطينية الثابتة نجدها تكرّس وجود ( دولة إسرائيل ) في كراسها الأول الذي يتحدث عن المبادىء والأهداف ، وفي محاضرات الناطق الإعلامي باسم الهيئة الأستاذ بلال الحسن ، كما في المؤتمر الصحفي له في بيروت يوم
24/2/2010 ترد كلمة ( إسرائيل ) باعتبارها دولة قائمة ذات سيادة متجاهلاً حقيقة العدّو الصهيوني المتجسّد بالمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية ، وهو يقول ما يلـــــــي :

- ( ولقناعتنا بأنّ خطر “إسرائيل” هو خطر على العرب جميعاً ، ولقناعتنا بأنّ النصر على “إسرائيل” لن يكون إلا بتلاحم فلسطيني عربي ) .

- وهو يتحدث عن ( بلورة أسس ثقافية فلسطينية ـ عربية ، تقف في وجه إسرائيل ومخططاتها ) .

- كما يتحدث أيضاً عن ( إنشاء لجنة إعلامية وثقافية ، تتابع تطورات القضية الفلسطينية ، على صعيد الأوضاع الفلسطينية الداخلية وعلى صعيد نشاطات دولة “إسرائيل” العدوانية ، وعلى صعيد السياسات الغربية المعادية والداعمة لـ “إسرائيل” ) ولا نريد أن نضيف أكثر مما ورد في كراس الهيئة الوطنية وتصريحات الأستاذ بلال الحسن لنشير ونؤكد بأن الهيئة الوطنية الفلسطينية والناطقين باسمها لا يؤكدون على حقيقة الصراع مع العدّو الصهيوني وأنهم يتعاملون مع العدّو الصهيوني بأنه دولة قائمة وهي تمارس نشاطها كأي دولة أخرى بما في ذلك احتلال أراضي الغير بالقوة ، ولذلك فإنّ الهيئة الوطنية تسمي ذلك بالاحتلال “الإسرائيلي” وليس بالاحتلال الصهيوني .

بل أنّ الهيئة الوطنية تدعي بأنّ حروب الدول العربية مع “إسرائيل” لم يكن هدفه تحرير الأراضي العربية المحتلة بل كان تحرير فلسطين لأنه يعني تحرير شعب شقيق ، فأي مغالطة هذه التي تقع فيها الهيئة الوطنية الفلسطينية والتي لا يمكن لطفل فلسطيني الوقوع فيها ، فالجميع يعلم بأنّ حرب تشرين 1973 لم تكن لتحرير فلسطين ، ولم يكن تحرير فلسطين
هدفاُ لحرب تشرين وهي الحرب الوحيدة التي شنها العرب ضد الاحتلال الصهيوني ، ولم يكن الهدف منها أيضاً تحرير الأراضي العربية المحتلة بقدر ما كانت حرب تحريك للخروج من حالة اللاحرب واللاسلام والذهاب إلى مؤتمر للسلام إن كان في جنيف أو غيره والتي كان من نتائج هذه الحرب هو اعتراف مصر الشقيقة كأكبر دولة عربية بحق الوجود للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني تحت مسمى ( دولة إسرائيل ) وخروج مصر بالتالي من دائرة الصراع العربي الصهيوني ، فأي حرب تلك التي كانت من أجل تحرير فلسطين .

وتتحدث الهيئة الوطنية الفلسطينية عن أنه يمكن تحقيق السلام بين الشعوب والأفراد عرباً وغير عرب وبأنّ هذا التعايش ممكن وواجب ، إننا نفهم بأنّه يمكن التعايش بين الأفراد سواءً كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود ولكن كيف يمكن التعايش بين الشعوب المتصارعة حول أرض واحدة ألا إذا كان تقسيم تلك الأرض بين الشعبين المتصارعين هو الحل ،وهذا يعني تنازل شعب عن حق له لشعب لا حق له على هذه الأرض ، وتحقيق مقولة الصهاينة بأنّ فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ، وهل تعترف الهيئة الوطنية الفلسطينية بانّ اليهود المنتمين لعشرات القوميات يمكن أن يشكلوا شعباً كباقي شعوب الأرض قائم على العنصرية الدينية ، وأي واجب يفرض على الشعب الفلسطيني للتعايش مع شعب ( لا يملك مقومات الشعب ) على قاعدة العيش المشترك والاحترام المتبادل والمساواة في الحقوق ،هل هذا هو الدفاع عن
الحقوق الفلسطينية الثابتة ؟

وتتحدث الهيئة الوطنية الفلسطينية عن حق العودة ، وهي تتحدث عن حق العودة بشكل تعويمي ، فهي لا تربط حق العودة بأنها عودة إلى ديارنا وممتلكاتنا التي طُردنا منها عام 1948، وبهذا يمكن تفسير حق العودة التي تتحدث عنه الهيئة بأنه يمكن أن يكون حسبما تم طرحه في مبادرة جنيف أو حسبما طُـرح خلال المفاوضات أو يمكن أن يكون إلى أرض الضفة كما يريد الدكتور سلام فياض ، ولا سيما بأن الهيئة تتحدث (عن أنّ حق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم غير مشتق من القانون الدولي ولا من قرارات الأمم المتحدة ، بل من التاريخ والجغرافيا والحقوق الإنسانية الطبيعية ) ، فالهيئة غير واضحة في هذا الحق الأساسي من حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، لأنّ عبارة ( العودة إلى أرضهم ) دون أن تعني بشكل واضح وجلي هي عودة إلى فلسطين المحتلة عام 1948 تبقى عبارة لها أكثر من تفسير ، ولا يوجد بالتالي أي اختلاف على مفهوم حق العودة بين هيئة الدفاع عن الحقوق الثابتة وبين أي جهة أخرى تعمل على تعويم حق العودة .

وماذا عن منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرها الحسن هدية العرب إلى الفلسطينيين لكي يستطيعوا مخاطبة العالم في هيئة الأمم المتحدة ، وأن العرب لم يعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني من أجل أن يكون للمنظمة قرارها الفلسطيني المستقل ، لأنّ الحسن يعتبر أنّ التمسك الفلسطيني بالقرار المستقل هو خروج عن الإجماع العربي واعتبار القضية قضية فلسطينية فقط دون أي ارتباط عربي لها ، وأنه منذ أن تمسكت المنظمة بالقرار المستقل بدأت تعيش مرحلة الانهيار والتراجع ، ويبدو أن الحسن قد نسي أو تناسى بأنّ منظمة التحرير لم تصبح ممثلاًشرعياً ووحيداً لشعبنا إلا بعد أن دفعت آلاف الشهداء من أجل ذلك ، ونسي الحسن أنه كان في ذلك الزمن عضوا في المكتب السياسي
للجبهة الديمقراطية وعضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، فهل يريد منا الحسن أن يبقى شعبنا ممثلاً من قبل الأردن التي كانت تتبع لها الضفة الغربية ومصر التي كان يتبع لها قطاع غزة وسورية التي يتواجد على أرضها نحو نصف مليون لاجىء فلسطيني ولبنان الذي يتواجد على أرضه نحو نصف مليون لاجىء فلسطيني بحيث يتبع الفلسطيني في
قراره السياسي للدولة العربية التي هو لاجىء فيها .

بينما نرى في كراس المبادىء والأهداف للهيئة بأنّها وبخلاف الحسن الناطق الإعلامي باسمها تتحدث عن تهميش الشتات ومنظمة التحرير في عملية صنع القرار الفلسطيني ، فهل هذا يعني أنّ الهيئة وبعد مؤتمرها التأسيسي التي تدعو إلى عقده تريد أن تشارك في صنع القرار الفلسطيني والذي لا يريده الناطق باسمها أن يكون مستقلاً .

وإضافة إلى ذلك فإنّ الهيئة تؤكد أنها (جسم سياسي ثقافي شعبي في طور التأسيس يهدف إلى خلق إطار وعنوان لجميع الفلسطينيين في الداخل والخارج ممن يرفضون التنازل عن الحقوق الشرعية الثابتة لشعب فلسطين ، ...... ولكنه ليس جسماً بديلاً لمنظمة التحرير ) إذاً فإنّ الهيئة تريد إيجاد عنوان جديد للشعب الفلسطيني غير منظمة التحرير الفلسطينية ، أو أنّ الهيئة تريد أن تكون ممثلاً لجزء من الشعب الفلسطيني أن لم يكن كل الشعب الفلسطيني ، خاصة وأنّ الهيئة لا تقر في كراسها بأنّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الكيان السياسي والوطن المعنوي والممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، فكيف إذاً تريد الهيئة ( أن تتمسك بالثوابت ، ثوابت الأرض والوطن وحق العودة ، ومنظمة التحرير الفلسطينية ، والميثاق الوطني ) وهي تعمل على تعدد التمثيل للشعب العربي الفلسطيني من خلال كونها إطاراً وعنواناً آخر للشعبb nالفلسطيني ، وهنا نجد أنفسنا أمام انقسام سياسي جديد على الساحة الفلسطينية تسعى إليه الهيئة الوطنية سواءً كانت تدرك ذلك أم لم تكن تدرك حقيقة ما تسعى إليه .

تلكم هي الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الثابتة التي لم تقرر من هو عدوها ، هل هو المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني أو ما تسميه بـ ( إسرائيل ) كدولة احتلال ، وهي لم تقرر إلى أين تكون عودة اللاجئين الفلسطينيين ، كما أنها لا تقر بوحدة تمثيل الشعب الفلسطيني وتريد أن تشارك منظمة التحرير في التمثيل ، كما أنها تقر بوجود الصهاينة كشعب ممكن التعايش معه فوق أرض واحدة ، أي أنّ الهيئة تقر بأنّ فلسطين هي وطن لشعبين يعيشان عيشاً مشتركاً يتبادلان الاحترام والمساواة التامة في الحقوق ، أي أنّ فلسطين هي وطن الفلسطينيين والصهاينة معاً ، فكيف يمكن لهذه الهيئة أن تدافع عن الحقوق الثابتة للشعب العربي الفلسطيني ؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2181125

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2181125 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40