الخميس 12 أيار (مايو) 2011

علاقات مصر و«إسرائيل» على صفيح ساخن

الخميس 12 أيار (مايو) 2011

تابعت الدوائر المختلفة في الكيان الصهيوني ثورة 25 يناير منذ اللحظات الأولى لانطلاقها باهتمام بالغ، وطغى القلق على ذلك الاهتمام بتطور أحداث الثورة حتى وصولها إلى إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك وإطاحة نظامه، وتصاعد ذلك القلق بمرور الوقت مع بروز خطاب معاد للكيان في المشهد المصري وصولاً إلى الإعلان عن توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية وإعلان نشطاء مصريين اعتزامهم تنظيم تسيير مظاهرات ضخمة إلى الحدود المصرية مع الكيان في ذكرى قيام عصابات الدولة العبرية باغتصاب فلسطين، حيث اعتبر النشطاء أنهم يطلقون إشارة البدء لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة من أجل تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني وإعلان الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

النشطاء المصريون كانوا قد بدأوا بالفعل سلسلة من المظاهرات التي استهدفت مقر السفارة الصهيونية بالقاهرة، حيث حملوا اللافتات ورددوا الشعارات التي تطالب بقطع العلاقات مع الكيان وإغلاق سفارته وإنزال علم دولته من سماء القاهرة ووقف تصدير الغاز ودعم المقاومة الفلسطينية بكل السبل، فيما تجددت الدعوات إلى استرداد «أم الرشراش» المصرية من أيدي الكيان، كما تشكلت من تيارات سياسية مختلفة ما أطلق عليه «اللجنة التحضيرية للانتفاضة الفلسطينية الثالثة .. مصر» والتي أعلنت عن تحولها من لجنة تحضيرية إلى لجنة دائمة في مواجهة الكيان الصهيوني تحت اسم «اللجنة الدائمة لتحرير فلسطين» ودعت إلى مظاهرة مليونية بميدان التحرير في 13 مايو/ أيار الحالي تحت شعار «جمعة نفير مصر .. وطن واحد، عدو واحد» وعقدت اللجنة اجتماعات مع مسؤولين بالجامعة العربية طالبوا خلالها بدعم المظاهرات المطالبة بإطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة، فيما ربطت اللجنة بين ما تشهده مصر حالياً من تسارع وتيرة النعرات الطائفية والإعلان عن تسيير مظاهرات داعمة للشعب الفلسطيني ولتحرير أرضه إلى الحدود المصرية مع الأرض المحتلة، معتبرة أن «إسرائيل» تسعى إلى إغراق مصر في مذبحة طويلة الأمد تخدم في المقام الأول أعداء الوطن.

ما ذهبت إليه اللجنة لم يكن بعيداً عن تحليلات سياسية رأت في ما يجري بمصر من صدامات طائفية أصابع صهيونية تسعي للرد على النجاح في تحقيق المصالحة الفلسطينية، واعتزام القاهرة فتح معبر رفح، خاصة أن مسؤولين بالكيان أعلنوا أنهم سيكون لهم ردهم الخاص على المواقف المصرية في هذا الشأن، كما أن تاريخ «إسرائيل» في زرع الفتن بمصر وكل الوطن العربي، يزيد من اليقين بوجود مساهمة لها بطريقة أو بأخرى في محاولات زرع الفتنة في البلاد وضرب وحدتها الوطنية وذلك بدءاً من فضيحة «لافون 1955» والتي قامت بها المخابرات «الإسرائيلية» عبر تفجير بعض المنشآت المصرية والمصالح الأجنبية، لتعطيل توقيع اتفاقية جلاء بريطانيا عن مصر، ووصولاً إلى تصريحات مدير جهاز الأمن الداخلي «الإسرائيلي» إيفي ديختر عام 2008، والتي قال فيها : «إن القاعدة الحاكمة لموقف الدولة العبرية هي أن مصر خرجت من ساحة مواجهة «إسرائيل» ويجب ألا تعود إليها مرة أخرى».

[**محاولات تدخل*]

وبالعودة إلى المواقف «الإسرائيلية» من الثورة المصرية منذ بدء انطلاقها يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها أنه لم يكن منطقياً أن تقف تل أبيب موقف المتفرج مما جرى في مصر من تطورات، خاصة أن جانباً كبيراً من هذه التطورات مس العلاقات بينها وبين مصر بشكل مباشر كما في موضوع المصالحة والمظاهرات المناهضة لها وتفجير خط الغاز الموصل إليها، أو بشكل غير مباشر عبر ما بدا من اتجاه للتقارب المصري مع إيران وسوريا ولبنان وهي دول معادية للكيان، ولا يكون من قبيل المبالغة القول إن دوائر مختلفة في الكيان الصهيوني توقعت ذلك مبكراً وسعت إلى التدخل في مسار الثورة المصرية والعمل على إجهاضها بهدف إنقاذ نظام كان يوصف بأنه «الكنز الاستراتيجي» للكيان، حيث كشفت تقارير أذاعتها وسائل إعلام صهيونية أن «إسرائيل» قامت وفي الأسبوع الأول لانطلاق الثورة المصرية بتمرير رسائل إلى حلفائها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا شددت فيها على أن مصالح الغرب هي في الحفاظ على استقرار نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وأن ذلك الأمر ضروري لاستقرار منطقة الشرق الأوسط بالكامل، بل إن رئيس وزراء الكيان أصدر توجيهات لوزرائه بعدم إطلاق تصريحات علنية بشأن الأوضاع في مصر، ووصف نتنياهو الثورة المصرية بأنها «زلزال يهز أنظمة الحكم ويهدد بنشوء شرق أوسط جديد».

وكان نتنياهو الزعيم الوحيد في العالم الذي أعلن على الملأ تأييده الرئيس المصري السابق حسني مبارك بعد اندلاع الثورة، وبعد سقوط مبارك طلب نتنياهو من رئيس الولايات المتحدة ومن زعماء دول أخرى في الغرب رهن تأييد السلطة الجديدة في مصر بشرط الاحترام الكامل لاتفاق السلام مع «إسرائيل»، وعدم المساس به مطلقاً، فيما اعتبر الوزير الصهيوني بنيامين بن إليعازر أن ««إسرائيل» خسرت واحداً من أهم حلفائها وأصدق أصدقائها»، وحذر الرئيس «الإسرائيلي» شيمون بيريز من تغير مجري العلاقات التاريخية التي تجمع الكيان بمصر عقب أحداث ثورة 25 يناير، معرباً عن أمله في استمرار «العلاقات التاريخية» التي تجمع بين البلدين. وبدوره قال رئيس هيئة الأركان العامة السابق اللواء جابي أشكنازي إن «جبهات المواجهة في الشرق الأوسط قد اتسعت في الآونة الأخيرة»، معتبراً أن «التغيرات التي تحدث في مصر ودول أخرى في المنطقة تتطلب من الجيش «الإسرائيلي» أن يكون على أهبة الاستعداد للحرب المقبلة التي ستكون شاملة في بضع جبهات».

[**استعدادات*]

ردود الفعل الصهيونية إزاء الثورة المصرية لم تتوقف عند حدود التصريحات الإعلامية والمواقف السياسية، لكنها امتدت إلى استعدادات على أرض الواقع لمواجهة تداعيات الثورة، حيث جرى الحديث في الكيان في مارس/ آذار الماضي عن زيادة في ميزانية الأمن والدفاع بنحو 700 مليون دولار وعن تطوير أنظمة صاروخية مضادة للصواريخ، وقال وزير الدفاع إيهود باراك إن تل أبيب ستطلب مساعدة أمريكية بـ 20 مليار دولار، مشيراً خلال مراسم تعيين رئيس أركان جديد للجيش الصهيوني إلى أنه يتمنى أن «يكون رئيس الأركان الجديد مدركاً كيفية دفع الجيش «الإسرائيلي» قدماً نحو مواجهة التحديات الجديدة، فالمحيط من حولنا يتغير بسرعة وهذه فترة ليست بسيطة سواء في ما يتعلق بالتحديات الخارجية أو بما مرّ علينا في الداخل».

وفيما ثارت التساؤلات على الساحة العربية بشأن إمكانية أن تعود مصر لقيادة دول الممانعة في المنطقة، عبرت تقارير إعلامية صهيونية عن المخاوف من أن تتحول مصر بعد ثورة يناير إلى «دولة مواجهة»، لافتة إلى أنه منذ اندلاع الثورة الشعبية «ازدادت برودة السلام البارد أصلاً بين مصر و(إسرائيل)»، وبدت مؤشرات ذلك في الحديث عن سعي مصر إلى وقف تصدير الغاز الطبيعي إلى الكيان وإعلان القاهرة أنها بصدد البدء في فتح دائم لمعبر رفح مع قطاع غزة، إضافة إلى أن نزعة العداء لـ «إسرائيل» طغت على واجهة المشهد المصري.

وسواء صح ما نُسب إلى أكبر قيادتين عسكريتين في مصر «المشير طنطاوي والفريق سامي عنان» من تصريحات نُشرت على موقع الفيسبوك نفتها مصادر رسمية في ما بعد حملت عبارات قوية ورافضة للتدخل الصهيوني في الشؤون المصرية أو لاستمرار العدوان على قطاع غزة، سواء صح ذلك أو لم يصح فقد كان هناك رد فعل «إسرائيلي» حمل مشاعر قلق بالغة إزاء مستقبل العلاقات مع مصر، وعبر عن ذلك ما نقلته القناة العاشرة بالتلفزيون «الإسرائيلي» من تصريحات لمسؤول قالت إنه رفيع بالحكومة «الإسرائيلية»، قال فيها إن مصر أصبحت خطراً كبيراً على أمن «إسرائيل» الاستراتيجي خاصة بعد التغيير الأخير في سياستها الخارجية وفتح معبر رفح طوال الساعة خلال أيام، مطالباً بتحجيم تلك السياسة الجديدة.

وأكد المسؤول «الإسرائيلي» أن فتح معبر رفح سيزيد من الخطر الكبير على أمن تل أبيب الاستراتيجي، وأن «سياسة مصر الخارجية الجديدة من الممكن أن تؤدي إلى تأزم العلاقات المصرية «الإسرائيلية» والوصول بها إلى حالة سيئة للغاية»، مضيفاً: «إن أمن «إسرائيل» القومي والاستراتيجي خط أحمر ولن تسمح تل أبيب لأي أحد بأن يمسه».

وتهتم المراكز البحثية الصهيونية بإفراد مساحات واسعة للحديث عن مستقبل العلاقات بين مصر الثورة والكيان، وكان من بين ذلك دراسة مهمة نشرها المركز الأورشليمي للدراسات السياسية والعامة للخبير الاستراتيجي تسيفي مزئيل السفير «الإسرائيلي» السابق لدى القاهرة حول «أبعاد السياسة الخارجية المصرية ما بعد الثورة ومستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب في ظل هذه السياسة» وأشار خلالها إلى تصريحات وزير خارجية مصر الدكتور نبيل العربي التي أكد فيها أن مصر الثورة «ستعيد تقييم كافة علاقاتها الخارجية»، وأشار الباحث الصهيوني إلى أن غزة كانت بداية الانطلاق للسياسة الخارجية المصرية الجديدة، حيث جرى الإعلان عن اعتزام مصر فتح معبر رفح بشكل دائم، إضافة إلى السماح لوفد «حماس» بالخروج من القطاع إلى مصر للسفر إلى دمشق للمرة الأولى بعد أن كان ذلك مستبعد الحدوث إبان حكم مبارك. وقيام رئيس المخابرات المصرية اللواء مراد موافي بزيارة سرية إلى دمشق، والتقائه كبار المسؤولين في حركة «حماس»، وبدا من خلال الورقة البحثية أن أكثر ما كان يقلق تل أبيب بعد ثورة يناير من العلاقات الخارجية لمصر هو التقارب مع إيران، والذي عبر عنه وزير الخارجية المصري في أكثر من مناسبة وتأكيده أن إيران ليست عدواً لمصر، كما لم يبد العربي في تصريحاته المختلفة موقفاً معادياً تجاه «حزب الله»، معتبراً أنه جزء من الدولة اللبنانية وتناوله يعد تدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية، مرحباً بتواصل مصر مع أي تيار سياسي في لبنان.

[**مصالحة فلسطينية وقلق «إسرائيلي»*]

وقد جاء نجاح مصر الثورة في إنجاز المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، ليلقي بظلاله أيضاً على العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، خاصة أن رئيس وزراء الكيان اعتبر أن اتفاق المصالحة يمثل خطراً على ما وصفه بمسيرة السلام، فيما زاد الإنجاز المصري من التفاؤل بعودة القاهرة إلى لعب دور محوري في مواجهة الممارسات «الإسرائيلية»، وبدا أن هناك ترحيباً واسعاً على الساحة المصرية بعودة هذا الدور، وفسر أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة أسباب إنجاز مصر للمصالحة بأن القاهرة لم تكتف بعد نجاح الثورة الشعبية باستئناف جهودها المكثفة للوساطة بين منظمتي «فتح» و«حماس»، ولكنها غيّرت من آلياتها ووقفت على مسافة واحدة من الطرفين المتصارعين، ما ساعد على تكليل جهودها بالنجاح بسرعة بالتوقيع على اتفاق ينهي حالة الانقسام الراهن على الساحة الفلسطينية، مشيراً إلى أن إعلان مصر عزمها فتح معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة قريباً، وبشكل دائم، يعني عملياً وضع حد لمشاركتها غير المبررة في الحصار الجماعي الذي تفرضه «إسرائيل» ظلماً على سكان قطاع غزة والذي استمر سنوات.

ويضيف نافعة أنه من الطبيعي أن تشعر «إسرائيل» بقلق عميق إزاء تلك التغيرات المتلاحقة في سياسة مصر الخارجية، لذا فإنها تحاول تصويرها مستعينة في ذلك بآلتها الإعلامية الضخمة وكأنها تعكس رغبة دفينة لدى مصر في التحلل من الالتزامات الواقعة على عاتقها بموجب معاهدة السلام الموقعة مع «إسرائيل»، مؤكداً أن هذا التغير في سياسة مصر الخارجية لا يشكل أي خرق لالتزامات مصر الدولية وإنما يشكل محاولة جادة لإعادة تصحيح خلل كان قد طرأ على سياسة مصر الخارجية، فمعاهدة السلام لا تعطي لـ «إسرائيل» الحق في أن تملي على مصر شكل علاقاتها وتحالفاتها الخارجية، وأن تحدد لها أصدقاءها وأعداءها، وأن تحصل منها على معاملة تفضيلية أو على مزايا استثنائية .. «كل ما في الأمر أن «إسرائيل» انتهزت حاجة رئيس مصر المخلوع إليها لتمرير مشروع توريث السلطة، ووجدت فيها فرصة ذهبية لابتزازه .. فرفض الرئيس المخلوع تبادل التمثيل الدبلوماسي مع إيران على مستوى السفراء، وقيامه بتوقيع اتفاقية الكويز، وتعاونه مع «إسرائيل» لفرض حصار ظالم على قطاع غزة، وتسهيله شن الحرب على «حماس» .. هي تنازلات قدمها الرئيس المخلوع طواعية من دون أي مبرر، وليس لها من تفسير عندي سوى حرصه على تمرير مشروع التوريث بأي ثمن».

ويرى نافعة أن سقوط مشروع التوريث عقب ثورة يناير سحب البساط من تحت أقدام «إسرائيل» وشل قدرتها على ابتزاز مصر، معتبراً أن رغبة الدبلوماسية المصرية في تطبيع علاقاتها مع إيران وسوريا و«حماس» و«حزب الله» بعد ثورة يناير، يمثل امتداداً أو تطوراً طبيعياً لسقوط مشروع التوريث، وينم عن حرص واضح على أن تكون لمصر علاقات طبيعية مع مختلف الدول والقوى المؤثرة في الساحة.

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2165945

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165945 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010