الخميس 20 أيار (مايو) 2010

القضية الفلسطينية .. إذ تعود «إسرائيلية»

الخميس 20 أيار (مايو) 2010 par توجان فيصل

قبل بضع سنوات فقط كان باراك وشارون ونتنياهو هم أبرز رموز التطرف الإسرائيلي الذين يتولون مواقع قيادية.
ومؤخرا يراد تسويق باراك ونتنياهو باعتبارهما معتدلين، وذلك عبر الإتيان بشخص مثل ليبرمان لوزارة الخارجية المفترض أنها معنية “بالدبلوماسية”، كما ان نوابا من مثل “الداد” باتوا يشجعون على التقدم بمقترحاتهم ويقال إن البحث فيها يؤجل .. في إخراج من الأدراج لشرطيين أسوأ بكثير من نتنياهو ليقال إن الأخير معتدل وطيب ويجدر بالعرب والعالم التمسك به كي لا يأتي من هو أسوأ منه. والأدهى أن ما يقال عن “رفض” إسرائيليين آخرين لطروحات أمثال ليبرمان والداد ليس رفضا بأي شكل من الأشكال، بل هو مجرد تأجيل بحث أو حتى تطبيق هذه الطروحات .

وكله يجدول على مراحل حسب ما تكرسه إسرائيل من مكتسبات على حساب العرب، لتسعى لما بعده وهي في طور تكريس ما سبق. والتسلسل الذي تتبعه سبق لنا كمعارضة أن بيناه وحذرنا منه العرب الذين يسمون انفسهم بدول الاعتدال، فحسبنا على دول الممانعة، إن لم نخوّن بزعم أننا نقدم القضية الفلسطينية وقضايا أقطار وشعوب عربية أخرى على القضايا الوطنية . والأخيرهو الأشيع ضمن طروحات “القطر أولا” التي لم تزد على ان اسقطت تلك الأقطار منفردة وتباعا في دائرة المطامع الإسرائيلية .

فأول دول “الاعتدال” التي قررت فك ارتباطها بالقضية الفلسطينية باعتبارها “مكلفة”، هي مصر السادات . ومصر هذه هي من يريد ليبرمان تفجير السد العالي لإغراقها وتدمير بناها التحتية .

وسابقا لاختيار من يقدم طرحا كهذا ليحمل حقيبة السياسة الخارجية الإسرائيلية (بما يعني ان المقترح يمكن النظر فيه )، كان يجري إفراغ السد العالي من مياهه عبر التغلغل الإسرائيلي في دول منابع النيل التي أهملتها مصر باعتبار أن “مصر أولا” تستثني أفريقيا حتما ما دامت استثنت العالم العربي .

والآن لا تملك الشقيقة الكبرى سوى أن تفكر في بدائل تحتال فيها على جلوسها مع ليبرمان في اجتماعات “الاتحاد من اجل المتوسط” القادم في برشلونة. ومن وسائل ذلك طلبها الذي ووفق عليه باستبدال اجتماع وزراء الخارجية باجتماع ممثلين شخصيين لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء .

ولكن المشكلة في أن نتنياهو يصر على حضور ليبرمان ضمن الوفد المرافق، وقد يختار ليبرمان ليكون ممثله الشخصي في الاجتماع المذكور. لهذا فمصر تبحث في حلول منها “إهمال ليبرمان” تماما .

وغني عن القول ان هذا الإهمال لن يكون ملزما لبقية دول الاتحاد، بل والأرجح ان لا يلتزم به بعض العرب كما اعتدنا .. أي أن كل ما ستفعله الشقيقة الكبرى تجاه تهديد وإهانات ليبرمان، هو أن تجلس “مطنشة” تدعي أنها لا تسمع ما يقال لها وعنها، على طريقة عبد المنعم مدبولي في مسرحية “ريا وسكينة” .

وثاني دول “الاعتدال” التي تدفع ثمن توقيعها اتفاقية سلام وتطبيعها مع إسرائيل مزيدا من التهديد والتطاول الأردن الذي طلب الداد أكثر من مرة مؤخرا، طرح اقتراحه تحويله لوطن بديل للبحث في الكنيست .. فجرى تأجيل الطرح باعتباره “لا يشكل أولوية” الآن.

ولكن اتخذ في تشرين ثاني من العام الماضي قرار بترحيل سبعين ألف فلسطيني من الضفة الغربية جلهم سيرحلون إلى الأردن، وجرى سكوت حينها عن هكذا قرار مجدول لبدء تطبيقه الان، ما أثار مؤخرا موجة مخاوف أردنية. ومجمل الحرج والمخاوف الرسمية كانت قد أدت لفتور العلاقات مع إسرائيل لدرجة لم تبلغها منذ مؤتمر مدريد، وليس فقط منذ توقيع اتفاقية وادي عربة .

ولكن في الأيام القليلة الماضية زاد عليها الضغط الشعبي إذ صُعّدت وتيرة المعارضة للسياسات الرسمية واتسعت قاعدتها بشكل غير مسبوق، ما أدى لرفع كثير من المعوقات الرسمية لجهود مكافحة التطبيع الشعبية .. ولحينه لا مؤشر أكيدا على أن هذا يشكل تغييرا في السياسة الرسمية، ولكن الحصافة تؤشر الى وجوب إجراء تغييرات أكثر جذرية مما هو باد الآن.

فالأردن ما زال يتبنى “المبادرة العربية” للآن .. قد يكون خفف إيقاعه ولكنه حتما لم يتوقف عن محاولة الترويج لتلك المبادرة التي رفضتها إسرائيل لحظة إعلانها ودونما حتى انتظار وصول المندوبين العربيين المكلفين بإبلاغها لإسرائيل : مصر والأردن .

وهو ما لم يمنع المندوبين المرفوضين من الذهاب لإسرائيل، وهذا بعض ما يدفعان ثمنه الآن . وقد كتبنا حينها نقول إن إسرائيل لا تريد استقبال المطبّيعن، بل تريد اثنين آخرين لم يطبعا بعد : السعودية، وسوريا لولا أنها تعلم ان الأخيرة خارج العرض. وقد تحقق ظننا، فثالث دول “الاعتدال” التي تدفع ثمن اعتدالها هذا، هي السعودية .

والتحرش بالسعودية يقوده ليبرمان بما يثبت تحذيراتنا المتكررة من ان مطامع إسرائيل تمتد عبرنا لما بعدنا، وهو العراق والخليج النفطي وفي مقدمته السعودية . والطريف أن في مقدمة ما سبق وأعده ليبرمان للسعوديين كوزير خارجية ( حسب صحيفة معاريف) ولكنه أبقي طي الكتمان لحينه، يتمثل في شن حملة دولية ضد السعودية وصولا لرفع قضايا في محاكم دولية عليها بتهمة “شن حملة دولية لنزع الشرعية عن إسرائيل” !!

توظيف الشرطي الطيب والشرطي الشرس، يبدو في رد الإسرائيليين “الطيبين” الذين يقولون انهم لا يؤيدون خطوة ليبرمان .. ولكن الجدولة للتغلغل تبدو واضحة في تبريرهم لعدم التأييد الآن فقط، وهي انه لا حاجة لهذه “الخطوة المبالغ فيها” التي ستكون بمثابة “فتح جبهة جديدة” لن تضيف لإسرائيل “في هذه المرحلة” أي فائدة .

لحظة تبرأ العرب من القضية باعتبارها فلسطينية صرفة، تبين انها عربية بامتياز . ولحظة نأوا بأنفسهم عن الصراع باعتباره صراع حدود يحله التنازل فيه عن كامل فلسطين وأغلب سيناء وبعض الجولان ومستوطنتي الباقورة والغمر من الأرض الأردنية، تبين أنه صراع وجود مع كامل الأمة العربية بأنظمتها السابقة والحالية والآتية ومع كامل شعوبها التي يزيد في دواعي معاداة الصهاينة لها أنها تتكاثر بنسب عالية .

والمطلوب حقيقة هو كامل الأرض العربية، بكل مقوماتها وخيراتها، ولكن دون أهلها .. هي نظرية “الأرض بدون شعب” التي قامت عليها إسرائيل، وهي القناعة اليهودية بخصوص “الأغيار” التي تفرض، ولا تجيز فقط، قتلهم بالكم الذي يفيض عن دواعي استعبادهم وتسخيرهم .

تجاه هذا الكشف الذي توالى، تكون “القضية” المرحّلة والمتبرأ منها قد حطت ثانية في كافة العواصم العربية مجتمعة ومتفرقة، ولكن ليس كقضية فلسطينية ( بالمعنى الإيجابي الوطني والقومي والإسلامي والإنساني)، بل كقضية إسرائيلية، بالمعنى السلبي كما يقال قضية تهريب مخدرات أو قضية تلوث بيئي .. ومثلهما هي قضية عابرة للحدود القطرية .

في مواجهة هذا يتوجب على العرب فعل اشياء كثيرة لحماية الذات، وإن كانت الذات القطرية أوحتى الذات الحاكمة .. ولكن أقل ما يفترض منطقيا فعله، هو توقف العرب عما يفعلونه الآن والذي حولهم لأهداف سهلة مكشوفة، بدءا بالتوقف عن محاولة ترويج المبادرة العربية أو مجرد قبول التحدث عنها .

وهو ليس “فعلا” حتى لأن الفعل جرى بعرضها وأسقط بفعل رفض إسرائيل لها .. هو توقف عن جرجرة جثة مشوهة ممثل بها فاحت رائحتها .. فهل يقدرون ؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 86 / 2165424

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165424 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010