الجمعة 6 أيار (مايو) 2011

شظايا الحلم العربي

الجمعة 6 أيار (مايو) 2011 par د. سمير التنير

قبل 100 عام وفي خريف عام 1911 قدم عقيد من الجيش العثماني إلى مدينة بنغاري. لقد أتى من اسطنبول للدفاع عن أرض الامبراطورية ولحماية حدودها من غزو الاستعمار الأوروبي. حكم العثمانيون ولمدة 400 عام شمالي افريقيا وسوريا وفلسطين وامتد سلطانهم من الخليج إلى البحر الأحمر وحتى الحدود السودانية. ولكن الفرنسيين كانوا قد احتلوا الجزائر وتونس. ووقعت مصر في أيدي البريطانيين عام 1882. اما في عام 1911 فقد قدم الإيطاليون لاحتلال ليبيا ولإنشاء مستعمرات أخرى في افريقيا على غرار ما فعلته فرنسا وبريطانيا. كان الأمر سهلاً في ذلك الزمان. فقد كانت أنظار المستعمرين وأيديهم جاهزة للقضاء على «الرجل المريض» الرابض على شواطئ البوسفور والاستيلاء على إرثه الكبير.

استطاع العقيد مصطفى كمال الصمود بجيشه الصغير المؤلف من 150 ضابطاً تركياً و8000 جندي عربي إبقاء 15000 جندي إيطالي على الساحل الليبي ومنع تقدمهم. ولكنه أدرك بعد قليل ان هذه الحرب لا يمكن كسبها، ليس في افريقيا فقط، بل في البلقان والقوقاز وفي انحاء أخرى من الامبراطورية المتهاوية. «لا فائدة من الأمر» هكذا كتب إلى رؤسائه قبيل مغادرته مدينة بنغاري.

كان مصطفى كمال يدرك ان خسارة الولاية العثمانية الأخيرة في أفريقيا ليست علامة على انهيار الامبراطورية فقط، بل على بداية عصر آخر جديد. ان تاريخاً يموت وآخر يولد. وان له دوراً في الولادة الجديدة.

أصبح الشرق الأوسط ساحة قتال كبرى سياسياً وإيدولوجياً وانخرط الجميع في ذلك الصراع الوحشي. أقيمت دول جديدة، وبدلت الخرائط ووضعت حدود جديدة مصطنعة في الوطن العربي. نشبت حروب وحروب أهلية. ووضع حكام جدد على رأس تلك الدول. وبينما كانت أوروبا تعالج جراحها وتبدأ في إرساء تنمية اقتصادية مؤثرة كانت الدول العربية تعاني من الاستبداد والفساد وانعدام التخطيط والنمو. إلى ان اكتشف النفط وآباره الأكبر في العالم. ولم يكن ذلك نعمة. بل أدى إلى بروز التناقضات وتحول المنطقة إلى هدف للطامعين والمستعمرين من أوروبيين وأميركيين.

في بداية عام 1915، عندما تبين ان الامبراطورية العثمانية سائرة إلى الزوال، راجت في لندن وباريس فكرة تقسيم ممتلكات الامبراطورية المنكسرة بين البلدين: بريطانيا وفرنسا. وتركزت الأطماع على البلدان العربية وبدأت الاتصالات بالزعماء السياسيين ورؤساء القبائل. وفي شهر حزيران من عام 1915 أرسل المندوب السامي البريطاني في مصر رسالة إلى الشريف حسين بن علي المقيم في مدينة مكة يتعهد فيها باعتراف بريطانيا باستقلال البلاد العربية ضمن الحدود التي أشار إليها الشريف حسين في رسالته السابقة. وفي شهر حزيران عام 1916 بدأت الثورة العربية الكبرى ضد الامبراطورية العثمانية. وبتأييد من توماس ادوارد لورنس عميل المخابرات البريطانية السري.

كتب لورانس ان الثورة العربية تخدم أهداف بريطانيا من حيث القضاء على الحلف الإسلامي الملتف حول العثمانيين. كما ان الدول العربية الجديدة لن تشكل أي خطر على المصالح البريطانية. وفي كل الأحوال فإن الشعوب العربية تتألف من موزاييك من الطوائف والأقليات ولا تستطيع اقامة أي وحدة عربية.

وفي نفس الوقت ومن دون إبلاغ العرب كان البريطانيون والفرنسيون يتفاوضون سراً حول مستقبل البلدان العربية. وقد وقع كل من مارك سايكس وفرنسوا جورج بيكو على اتفاق سري تأخذ بموجبه فرنسا لبنان وسوريا في مقابل اعطاء بريطانيا دول الخليج وفلسطين والعراق. وفي ورقة أخرى أعطى آرثر جيمس بلفور للحركة الصهيونية الوعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ولم تعلن تلك الاتفاقات الا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وقد بقيت تلك الاتفاقات في أعين القوميين العرب كرمز للخيانة وللحدود التي أقيمت كحدود مصطنعة لا قيمة قانونية لها. وهكذا أقام الاستعمار الغربي دولاً ضعيفة لا حول لها ولا قوة تنهشها الفروق الإثنية والقبلية والطائفية تحقق ما تنبأ به لورنس: دول صغيرة لا شأن لها، من الصعب حكمها وإدامة الاستقرار فيها، كما تمثل ذلك في لبنان والعراق.

لا يمكن لأحد ان يتصور حدوث زلزال ثورة الأمة العربية في بداية عام 2011.

من كان يتخيل ان يخرج سكان بلدة صحار الواقعة على شاطئ سلطنة عُمان مطالبين بزيادة الأجور وبمحاربة الفساد وبإطلاق الحريات؟ وقد حدث ذلك أيضاً في مدينة القطين السعودية الملأى بأشجار النخيل والحدائق، حيث اكتُشف قبل 60 عاماً أكبر حقل نفطي في العالم.

لقد غيرت ثورة العرب عام 2011 التاريخ والجغرافيا. وها هم الحكام المستبدون يسقطون الواحد تلو الآخر. من تونس إلى مصر.. والبقية آتية. من كان يتصور ان يؤدي إحراق محمد بو عزيزي لنفسه إلى انفجار الثورة الكبرى التي أطاحت بأعتى ديكتاتوريات العالم العربي (حاول كاتب صغير التطاول على بطولة البوعزيزي وشهادته فكتب مقالاً سخيفاً بعنوان: «بعد براءة فايدة حمدي ومراجعة البوعزيزية في تونس» محاولاً إعادة اسطوانة التيئيس الساقطة. جريدة الحياة 27 نيسان 2011).

منذ عقود والصراع على الشرق الأوسط يسيطر على السياسة الدولية، والذي لا يتفق مع مساحته الجغرافية وعدد سكانه. دزينة من الحروب العالمية والحروب الأهلية والانقلابات العسكرية وآلاف التفجيرات والاغتيالات السياسية وذلك منذ عام 1945. نكبة فلسطين في عام 1948 وهجرة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى دول الجوار. هزيمة عام 1967 واحتراق مئات الدبابات في رمال سيناء. دمعة جمال عبد الناصر وهو يعلن مسؤوليته عن الكارثة. العبور العظيم لقناة السويس عام 1973. توقيع السادات لمعاهدة كامب ديفيد مع بيغن وكارتر. لقد طبعت تلك الاحداث الجسام حياة أجيال بكاملها.

يستمر الصراع السياسي والعسكري في الشرق الأوسط من دون توقف. لماذا؟ ان الوطن العربي يختزن 60% من الاحتياطيات النفطية و40% من الغاز الطبيعي. يعتبر الغرب «اسرائيل» جزءاً منه وخطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه. وتطلق التهديدات بوجه إيران خوفاً من حرب نووية قادمة.

يحاول الغرب إغراق الثورات العربية بالدماء لتحولها إلى حروب أهلية في ليبيا وسوريا واليمن. وذلك لايقاف ذلك «التسونامي» الذي كاد يطيح بكل مصالحها في بلادنا.

يجب ان يرجع الكل إلى ضمائرهم، حكاماً ومحكومين وأن يروا الهاوية التي يريد الغرب دفعهم إليها. وعلى مصر ان تتولى قيادة الوطن العربي على الفور. فالثورة العربية بدأت بعد انتظار طويل والتاريخ لن يعود إلى الوراء.. لن يعود!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165962

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165962 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010