الخميس 5 أيار (مايو) 2011

عهر الأكاذيب الأميركية

الخميس 5 أيار (مايو) 2011 par نبيل أبو جعفر

في غياب التفاصيل وحلول التزييف والخداع محل الحقائق.. ومع اتساع دائرة الشكوك التي أثارتها التصريحات الأميركية حول الإستفراد بقتل بن لادن في منطقة أبوت آباد الباكستانية وكيفية «دفنه»، فوجئنا بعد أربعة وعشرين ساعة من ذلك بنشر صورة القاتل، المتمثّل بطاقم الإدارة الأميركية وهو يُشاهد مجريات عملية التنفيذ عبر الأقمار الصناعية، بدل نشر الصورة الحقيقية للقتيل نفسه، وهو الأمر الطبيعي في مثل هذه الحالات.

وكنا قبل ذلك بيوم كامل وفور تنفيذ هذه العملية قد ذُهلنا بمسارعة الأميركان ـ ووسائل الإعلام المسخّرة لخدمتهم ـ، إلى نشر صور ثلاث مفضوحة «الفبركة» لبن لادن على صفحة الإنترنت، الى درجة تكشف بوضوح شديد لمن يدقق النظر فيها حدود التزوير والتلاعب، ومدى بدائية المونتاج الذي أُجري بغباء منقطع النظير من قبل اختصاصيي مخابرات دولة الإرهاب الأكبر أو عملائها على اثنتين منها، وليس على واحدة فقط، كما اعترف مسؤول في التلفزيون الباكستاني بعد ساعات من نشره لها.

دعونا ندقّق معاً في هذه الصور التي تتجاوز عملية «طبخها» حدود ما ارتآه أيضاً رئيس تحرير قسم الصور في وكالة فرانس برس بقوله «ان لحية بن لادن غير واضحة، بل الواضح أنها مركبة».. وسيتبيّن لنا الآتي إلى جانب باقي الآراء والملاحظات التي أثيرت حول الموضوع :

الصورة الأولى من اليسار قديمة ومعروفة لبن لادن وهو بعمامته البيضاء، وقد نشرت مراراً وتكراراً قبل العام 2009 وليس أثناءه حسبما قال البعض، وهي تعود الى عشر سنوات خلت ـ على الأقل ـ، إذ يبدو فيها بلحيته التي لم يغزو الشيب معظمها بعد، وكذلك شاربيه. (هنا يرجى التدقيق بملامحه وعضلات وجهه وأسنانه وفتحة فمه، وحتى التفاصيل الدقيقة كالشعر الخفيف المتدلّي من خلف أذنه اليمنى).

الصورة الأولى من اليمين تبدو فيها آثار الضرب الهمجي على الوجه والعينين، بما يؤكد أن قتله لم يكن فقط برصاصة أو اثنتين أو أكثر في الرأس على حد زعم الأميركيين، بل بما مورس على جسده من غُلّ في التمثيل بجثته، سواء عن طريق الدعس بالأرجل أو الضرب بآلات حادة كأعقاب الرشاشات وما شابه. وهنا لا يمكن إيجاد أي تفسير آخر لهذه الحالة التي بدا عليها وجه بن لادن ـ سواء كانت صورة مقتله حقيقية أم مزيفة ـ غير اعتراف مجرمي دولة الإرهاب الأكبر بعملية التلاعب الغبية التي أجريت على صورته القديمة بهدف تغيير ملامحها. وهنا يجدر التدقيق في الكيفية البدائية والمتسرّعة التي عملت على إزالة معالم عمامته، وهو ما يتضح جلياً في هذه الصورة من خلال طمسها وما جاورها بمساحة واسعة نسبياً من الحبر الأبيض لامست حدود جبهته، تمهيداً لرسم شعر الرأس مكانها بعد ذلك.

أما الصورة التي تتوسط الاثنتين فيظهر فيها بن لادن بشعره الأسود القاتم، وكذلك لحيته وشاربيه، مع أننا نعرف أن الشيب قد غزا معظم شعره منذ فترة، حسبما شاهدناه في عدة أشرطة طوال السنوات الأخيرة !

إلى هنا نكون أمام افتضاح الجانب الفني من الجريمة فقط، والذي تمثّل باستعمال صورة قديمة لبن لادن وإدخال مونتاج في منتهى البدائية عليها، دون الإنتباه الى غباء هذا الإختيار الذي ازداد افتضاحاً في وضوح عملية الرتوش. وما على الذي يريد التأكد من ذلك إلا إمعان النظر في ملامح وجه بن لادن في الصور الثلاث، وفي أسنانه وفتحة فمه وتفاصيل لحيته، ليرى أنها طبق الأصل مئة بالمئة. ولمزيد من التأكد يمكن لأي منا استنساخ الصور الثلاث بحجم واحد، ووضعها فوق بعض ثم مطابقتها تحت ضوء مصباح كهربائي، كي يرى أنها نفس النسخة دون أدنى فارق ولو بشعرة واحدة!

أما النصف الآخر ـ غير الفني ـ من الجريمة وهو الأخطر، فيعكس حداً من الوقاحة والغباء الأميركيين، أكثر من وقاحة وغباء التزوير وعملية المونتاج، ويتمثل بالإعلان المتغطرس عن «دفنه في البحر تطبيقاً للشريعة الإسلامية»، والقول أنه قد صُلّي عليه بـ «كلمات دينية» من قبل أحد الضباط الأميركيين تُرجمت الى اللغة العربية!، وهنا لابدّ من التوقف أمام بعض النقاط الواجب طرحها على دولة الإرهاب الأكبر من قبل سائر العرب والمسلمين بدولهم وشعوبهم وتنظيماتهم ـ سواء اتفقوا مع بن لادن أم ناصبوه العداء ـ، ذلك لأن هذه القضية لم تعد فردية، ولا مجرد تصفية حسابات مع زعيم «إرهابي»، بل تعكس ازدراء الولايات المتحدة بكل العرب والمسلمين، والإستخفاف بهم وبثقلهم وحتى تعاليم دين الغالبية العظمى منهم، فضلاً عن اصرارها على التعامل معهم كمطيّة يسهل ركوبها في كل مكان وزمان!

أولاً : من قال منذ بدء البشرية الى يومنا هذا أن البحر هو المكان «الملائم» لدفن الإنسان لدى أي كان من الديانات الثلاث، فكيف إذا تم اختراع هذه البدعة في الدفن لأول مرة في التاريخ البشري انتقاماً من رجل وراءه من وراءه، وفي صلب قضية من أكثر القضايا إلتهاباً وإرهاباً؟، ناهيك عن القول : هل ضاقت الدنيا بمن عليها أمام دفن جسد إنسان واحد، كما روّجت ماكينة الإعلام الأميركي وخدّامها ذلك كذباً، أم أن هناك أراضي وجزراً وأماكن لم يتعرّف عليها الإنسان «المتحضر» بعد، يمكن أن يتم الدفن فيها «تطبيقاً لشريعة الدين الإسلامي» أو غيره من الشرائع، هذا إذا استسلمنا كما تستسلم أنظمتنا لجبروت الولايات المتحدة وعهرها وغطرستها في التصرّف حتى بأجساد القتلى والشهداء على هواها؟

ثانياً : لا أدري من المجرم الذي أشار على دولة الإرهاب الأميركي بأن تحلّ محلّ الإمام الأكبر للمسلمين، وتعطي لنفسها حق الإفتاء بأن الدفن قد تمّ وفقاً لتعاليم الدين، علماً بأن ما تمّ يتناقض بالكامل مع هذه التعاليم وفق ما أعلنه شيخ الأزهر، وإن سكت عنه شيخ قناة «الجزيرة» هذه المرة. ناهيك عن أن هذا الإفتاء بالذات سيفتح العيون والآذان على مجموعة من الممارسات الإجرامية، التي ستُحاسَب الولايات المتحدة عليها من قبل مجانين الإرهاب الحقيقي الذي قد يفوق هذه المرة، ما حدث في 11 سبتمبر، وسيطال حينها ـ مع كل الأسف ـ مدنيين لا ناقة لهم ولا بعير بممارسات الإدارات الأميركية المتعاقبة وإجرامها بحق الشعوب.

في ضوء هذه الحقائق والشكوك، لابدّ أن يعرف العالم كله، حرصاً على القيم الإنسانية التي تتغنى بها زعيمة الإرهاب الدولي : كيف تم اغتيال أسامه بن لادن فعلاً لا تأليفاً على طريقة أفلام الكاوبوي. هل قُتِل في سياق معركة معه أم تمت تصفيته وفق قرار مسبق قضى بقتله حتى لو كان أعزلاً، ومن هي الجهات التي شاركت ـ تعاوناً وتجسساً ـ في هذه العملية العابرة للقارات والمنتهكة لسيادة الأوطان، بعد أن ثبت أنها لم تكن عملية سهلة، بل مواجهة استمرت وقتاً أطول من خمس وأربعين دقيقة فقط كما روّجت ماكينة أضاليل السي آي إي، أُسقِطت خلالها طائرة مروحية وقُتل من فيها من الكوماندوز. ثم، كيف جرى التعامل مع جثة بن لادن خلال الساعات التي سبقت «دفنه» في البحر؟ هل تم تشريحها؟ وأين الصور الواضحة التي أُخذت له، ولماذا لم يجر توزيعها على غرار ما تمّ بالنسبة للعديد من أبرز الذين قاتلوا القوة الأكبر في هذا العالم.

أميركا الإرهابية بجنونها غير المتناهي اعتقدت أنها باغتيال بن لادن قد طوَت صفحة 11 سبتمبر إلى الأبد، ووضعت حداً «للإرهاب»، ولم تدر أنها فتحت بفعلتها هذه صفحات أكثر مأساوية من الماضي، وشرّعت بوابات جهنم عليها من جديد.

هذه ملاحظات أولية على ما سمعنا ورأينا حتى الآن، أما الأسرار الخفية لعملية الاغتيال ذاتها وتداعياتها المحتملة، حتى على الجواسيس الذين خدموا الأميركان وما زالوا، فأخطر من ذلك بكثير ـ رغم صمت القاعدة عن التعليق حتى الآن ـ. ولا يُقتصر الحديث هنا على حكام العراق المحتل وأفغانستان وباكستان، ولا صغار العملاء العرب، بل يتجاوزه الى خريطة واسعة تضم كل من له علاقة بهذا الموضوع من قريب أو بعيد، وصولاً إلى عدم إغفال وجود قناة «الجزيرة» على «خط البثّ المباشر» ـ لمجرد إكمال الصورة على الأقل ـ، فهي التي كانت تتعاطى وحدها مع بن لادن بكل حرية ورحابة صدر منذ أيام المجرم بوش وحتى الأمس. تستلم أشرطته وتذيعها على العالم بعد أن يجري فحصها من قبل «اختصاصيين»، لعلّ فيها شيفرة «إرهابية» لإحدى خلايا القاعدة هنا أو هناك.. وبالمناسبة، قناة «الجزيرة» لم تكن تنزل عليها أشرطة بن لادن من السماء، ولا مع مياه المطر، حيث لا مطر في إمارة قطر..!

وعلى أي حال، سيبقى الشك سيّد الموقف على الدوام، حتى لو تم نشر صورة كاملة لجثة بن لادن بعد كل هذا الصمت والتضليل و«استهبال» العالم بأسره.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165851

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165851 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010