الخميس 20 أيار (مايو) 2010

«حماس» والاخطاء غير المبررة

الخميس 20 أيار (مايو) 2010 par عبدالباري عطوان

ندرك جيدا ان حركة المقاومة الاسلامية ’حماس’ تتعرض لضغوط اسرائيلية وعربية مكثفة لافشال حكومتها في قطاع غزة، تمهيدا للاطاحة بها بسبب تمسكها بخيار المقاومة، والثوابت الفلسطينية في عدم الاعتراف بالدولة العبرية واستعادة كل الاراضي المحتلة من البحر الى النهر، ورفعها راية العقيدة الاسلامية كمنهج للحكم.

مثلما ندرك ايضا ان السلطة الفلسطينية في رام الله تتواطأ مع مخططات الحصار المفروضة حاليا على قطاع غزة، وتشترك بشكل مباشر في الجهود العربية والامريكية الرامية الى ’تجريم’ حكم ’حماس’ واعتباره باطلا، وذهب مندوبها في الامم المتحدة بنيويورك الى الموافقة على قرار اسرائيلي مقدم الى مجلس الامن يعتبر الحركة خارجة على القانون.
مع اعترافنا وادراكـــنا بكل هـــذه الحــــقائق وغــــيرها، نرى ان حكــــومة ’حماس’ ترتكب اخطاء متواصلة، وكارثية في بعض الاحيان تقدم ذخيرة قوية لاعدائها لتشويهها وتحريض اهل القطاع ضدها وجعل ادارتها للاوضاع اكثر صعوبة.
نقول هذا الكلام بمناسبة ما يتوارد من انباء عن اقدام الحركة على تدمير اكثر من عشرين منزلا في منطقة تل السلطان في جنوب مدينة رفح، وتشريد اكثر من 150 مواطنا بحجة ان هذه المنازل اقيمت بطريقة غير شرعية، ودون اي اذن على اراض حكومية، وان قرارا صدر عن المحكمة العليا بازالتها.

نحن لا نعترض على تطبيق القانون، ولكننا نعترض على التوقيت، والطريقة التي جرى من خلالها تنفيذ الاحكام، حيث اقدمت البلدوزرات التابعة للحكومة بهدم المنازل دون اي رحمة او شفقة، ودون ايجاد المأوى للمتضررين.
هدم منازل لفقراء معدمين محاصرين مجوعين وفي مثل هذا الوقت الذي تمنع فيه السلطات المصرية والاسرائيلية ادخال كيس اسمنت واحد الى القطاع، وفي ظل وجود 65 الف مشرد يقيمون فوق انقاض منازلهم المدمرة بفعل القصف الاسرائيلي اثناء العدوان الاخير على القطاع، هذه الخطوة تكشف عن سوء تقدير من حكومة جاءت من اجل خدمة الشعب الذي انتخبها، وتمارس الحكم باسمه، وتعتبر الاقرب والاكثر تفهما لمعاناته.

لا نريد ان ننكأ الجراح، ولكن نجد لزاما علينا التذكير بخطأ آخر وفي مدينة رفح نفسها، عندما اقدمت قوات امن الحركة على هدم مسجد الامام ابن تيمية، وقتل حوالي عشرين شخصا احتموا فيه خلف إمامهم، وهو رجل يعترف الكثيرون بتقواه وصحة عقيدته، وكان من الممكن تجنب هذه المأساة من خلال حصار المسجد والتفاوض مع المجموعة المتمترسة فيه حتى يتعبوا ويستسلموا تماما مثلما يتم التعاطي مع خاطفي الطائرات.

ماذا يضير حركة ’حماس’ وشرطتها لو ارجأت عملية هدم هذه المنازل لبضعة اشهر ريثما تتحسن الاوضاع ويخف الحصار الخانق، ويرفع الحظر الظالم المجرم على وصول المواد الضرورية الى المحاصرين، بما في ذلك الاسمنت لاعادة بناء ما تهدم بفعل القصف الاسرائيلي، واصلاح البيوت المتضررة.

قطاع غزة ليس السويد او سويسرا، واهله لا يعيشون حالة من الترف، بحيث يتم تطبيق القوانين حرفيا، فالقانون هو في خدمة المواطن، وليس من اجل تشريده والقذف به في العراء.

سيدنا عمر بن الخطاب اوقف اقامة حد السرقة في عام الرمادة، وهو من حدود الشريعة الاساسية. ولا نعتقد ان رئيس سلطة الاراضي في حركة حماس، او رئيس قضاة المحكمة العليا الذي اصدر قرار الهدم هذا اكثر عدلا او فهما للقانون من سيدنا عمر رضي الله عنه.

السلطة السياسية فـــي قطاع غزة كان يجب ان تكون اكثر وعيا ودراية بهموم الناس وخطورة خطوة كهذه على مصداقيتها ونظرة الناس اليها، ولكنها للأسف لم تتصرف بطريقة مسؤولة واعية وتتدخل لارجاء عملية التنفيذ اذا لم تكن تريد الغاءها.

صحيح ان هذه الاراضي التي اقيمت عليها هذه المنازل بطريقة عشوائية وغير قانونية هي ملك للدولة ومسجلة باسمها، ولكن الصحيح ايضاً ان هؤلاء هم مواطنو هذه الدولة، واضطروا لخرق القانون في ظرف استثنائي، وكان يجب علاج هذه المسألة بطريقة استثنائية ايضاً، مثل تقسيط ثمن الارض بشكل مريح لفترة طويلة، او الانتظار ريثما تتصلح الاحوال.
في جميع مدن العالم هناك احياء عشوائية تقام على ارض الدولة، وتتحول الى امر واقع، فلا توجد عاصمة عربية غير مزنرة بمدن الصفيح، حتى باريس لا تسلم من هذه الظاهرة، فهل من الغريب ان تكون مدينة رفح هي المدينة الفاضلة والاستثناء في هذا العالم؟

الحكومة المصرية واجهت ازمة مماثلة قبل بضعة اعوام، عندما قررت المحكمة العليا ازالة 70 برجاً في منطقة الكيلو (اربعة ونصف) على طريق السويس، وفي منطقة صحراوية بنيت على أراضي الدولة، وعندما طرحت هذه القضية على مجلس الشعب ابطل قرار المحكمة، واوقف عملية الهدم لهذه الابراج.

مساحة قطاع غزة لا تزيــــد عن 150 ميلاً مربعاً، يعــــيش فوقــــها مليـــــون انســــان معظمهم من اللاجئين الفقراء، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا معادن ولا حتى اسماك، وجاء الحصار ليجعل من حياة هؤلاء جحيماً لا يطاق، وفوق هذا هناك ضرائب على كل شيء تفرضها حكومة تواجه مهمة مستحيلة في توفير الامن واطعام الجياع.

نرفض بشدة محاولة بعض رجال السلطة في رام الله الاصطياد في الماء العكر، وتشبيه تدمير شرطة ’حماس’ لهذه المنازل في رفح بخطوات اسرائيلية مماثلة في القرى المحتلة. لأن حركة ’حماس’ تطبق القانون وان كان في الوقت الخطأ وبالاسلوب الخطأ، ولكن السلطات الاسرائيلية تخرق القانون، وتمارس التطهير العرقي في حق اهل الارض الممتدة جذورهم فيها لآلاف الاعوام، فمن ينسق امنياً مع العدو، ويمارس عمليات التعذيب في حق الشرفاء الرافضين للاحتلال، ويتواطأ مع الحصار بطريقة مباشرة او غير مباشرة، هو آخر من يحق له انتقاد اخطاء الآخرين التي تتواضع كثيراً جداً امام تنازلاته وخطاياه.

نتمنى على الحكومة في قطاع غزة ان توقف مثل هذه الاجراءات المسيئة التي تؤلب الناس، او قطاعاً منهم، ضــــد حكمها، وتعطي اعداءها، وما اكثرهم هذه الأيام، الذرائع لتصويب سهامهم المسمومة اليها، فهناك الكثير من القضايا الاكثر اهمية التي يجب ان تحتل سلم اولوياتها، ولا نعتقد ان من بينها هدم بيوت الفقراء والمعدمين، ومن قبل حكومة تحكم بالشريعة الاسلامية. فالمواطن هو الاولى بالرعاية والعطف.

حركة ’حماس’ حققت انجازات كبيرة ابرزها صمودها في وجه العدوان، وهو صمود ما كان له ان يتأتى دون التفاف الشعب حولها، ومقاومة الاحتلال جنباً الى جنب مع مقاتليها، وتقديم مئات الشهداء صهرت اجسادهم الطاهرة قنابل الفوسفور الابيض، ولم نسمع واحداً من هؤلاء او اهلهم يتذمر، بل سمعناهم يؤكدون استعدادهم لتقديم المزيد من التضحيات من اجل المقاومة وعقيدتها. هذا الشعب المقاوم الصابر المجوع والمحروم من ابسط اسباب البقاء والعيش الكريم يستحق معاملة افضل من حكومة حماس ورجال شرطتها ومحاكمها العليا والصغرى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165956

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165956 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010