الخميس 5 أيار (مايو) 2011

أوهام المراهنة على رؤية النخب «الإسرائيلية»

الخميس 5 أيار (مايو) 2011 par علي بدوان

لم تأت الحراكات المستجدة داخل الدولة الصهيونية لجهة قيام بعض الشخصيات المحسوبة على «اليسار الصهيوني» بالتظاهر والدعوة لقيام دولة فلسطين من فراغ. فالتحولات الإقليمية المتسارعة في المنطقة، وحدوث انتقالات سياسية ذات مغزى في بعض البلدان العربية، خصوصاً منها ما حصل في مصر، جعل من العديد من القيادات السياسية والأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» السابقة تتحسس ما هو قادم بطريقة مغايرة لما اعتدنا عليه في الذهنية «الإسرائيلية» الصهيونية، التي كانت ترى الأمور على الدوام بعقلية المنتصر الأبدي، الذي يواجه عدواً أصم واخرس وأعمى وغير قادر على قراءة الواقع.

وبالطبع فإن التحولات والحراكات «الإسرائيلية» الداخلية كانت قد بدأت قبل التغير الأخير الذي وقع في مصر، لكنها انتقلت بعد الحدث المصري إلى مستوى آخر من العمق والتدقيق، بل وإلى مستوى آخر من القلق والهلع جراء إمكانية انتقال مصر إلى دورها الطبيعي والمنطقي في المنطقة، وتجاوزها لسنوات وعقود التقييد الثلاثة التي تم تكبيلها بها على يد النظامين السابقين، نظام أنور السادات ونظام حسني مبارك، وهو أمر سيعيد بكل تأكيد رسم مسار الأحداث بطريقة مغايرة لما كان سائداً طوال العقود الثلاث الماضية.

وعليه، إن الخطوات التي تمت والتظاهرات التي وقعت من قبل أنصار «اليسار الإسرائيلي» في تل أبيب يوم الحادي والعشرين من ابريل الجاري، تندرج في إطار القراءة المتأنية من بعض النخب «الإسرائيلية» الفكرية والسياسية والأمنية والعسكرية السابقة لمسار الأحداث، واستشعارًا منها لما هو قادم في ظل الاهتزازات المتتالية التي بدأت منذ بداية العام الحالي وهي تضرب المنطقة العربية من أقصاها إلى أقصاها.

إن مطالب نخب ما يسمى «اليسار الصهيوني» والمنادية بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967، والتي وقع عليها المشاركون، وبينهم شخصيات ثقافية على عريضة رمزية بهذا المطلب، خطوة هامة بالرغم من كونها خطوة متواضعة ومحدودة، حيث تعود أهميتها من معرفة مستويات المشاركين فيها، وهم نحو ثلاثمائة من أنصار «اليسار الإسرائيلي» من النخب الفكرية والسياسية والعسكرية والأمنية السابقة، ومن بينهم (21) فائزاً بجائزة «إسرائيل» (الجائزة الأعلى بمجال الفنون والعلوم والآداب) أمام قاعة «الاستقلال» في تل أبيب التي أعلن منها ديفيد بن جوريون قيام «إسرائيل» في الخامس عشر من مايو عام 1948.

كما أن الخطوة إياها، جاءت بعد أن تقدمت نخبة من كبار الضباط والسياسيين في «إسرائيل» إلى حكومة نتنياهو قبل شهر مضى بـ «مبادرة السلام الإسرائيلية»، وهي تستند إلى «مبادرة السلام العربية» في معظم جوانبها، وطالبت في حيثياتها «الحكومة الإسرائيلية» بالبدء بمحادثات سلام («إسرائيلية»/عربية).

من هنا، إن تلك المبادرة والحراكات التي ينشط بها ما يسمى تيار «اليسار الإسرائيلي» وعلى محدوديتها وتأثيرها داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية، إلا أنها تمثل إشارة مهمة جداً إلى استنفاد الحكومة «الإسرائيلية» قدرتها على تزييف الوقائع وتزييف الوعي «الإسرائيلي» باستحالة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ومع ذلك، فإن الخطوة إياها، لا تعبر عن الاتجاه العام أو على اتجاه مؤثر داخل «إسرائيل»، فالأغلبية الساحقة من الناس في المجتمع الصهيوني ما زالت تجنح باتجاه سياسات اليمين واليمين المتطرف العقائدي والتوراتي، ولا ترى من أفق لتسوية حقيقية مع الفلسطينيين على أساس الشرعية الدولية التي قبل بها الفلسطينيون بالرغم من الإجحاف الكبير الذي تضمنته بصدد الحقوق الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني.

فالاتجاهات اليمينية «الإسرائيلية» نددت بدعوات المتظاهرين من أنصار ما يسمى بـ «اليسار الإسرائيلي» لإقامة دولة فلسطين فوق الأرض المحتلة عام 1967، وقد تجمع ناشطون مؤيدون لليمين الصهيوني لاعتراض المتظاهرين الذين وصفوهم بالخونة والنازيين اليهود، وقاطع المحتجون اليمينيون عدة مرات الممثلة «الإسرائيلية» هانا مارون المحسوبة على تظاهرة اليساريين بينما كانت تحاول إلقاء خطاب باسم المتظاهرين اليساريين، وحدا بوزير الخارجية الفاشي المتطرف واليهودي الروسي أفيجدور ليبرمان لوصف خطوة تظاهرة «اليسار الإسرائيلي» بمثابة «انتحار سياسي لـ «إسرائيل»» ودعوة مجنونة «لبدء الخطوة الأولى في إبادة الدولة العبرية». فيما أطلق داني أيالون نائب وزير الخارجية «الإسرائيلي» تصريحات دنيئة تكشف حقيقة الموقف «الإسرائيلي» حين قال «إن الحراكات المماثلة تمنح الفلسطينيين ما وصفه أملاً خاطئًا بقدرتهم على إنشاء دولة من جهة واحدة بدون مفاوضات مع «إسرائيل»»، مضيفًا بأنه يقترح على المتظاهرين «إقناع القادة الفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات».

وبالنتيجة، إن ملاحظة ورؤية هذه التطورات السياسية والفكرية، ورؤية التناقضات والتعارضات في بنية المجتمع ««الإسرائيلي» اليهودي» على أرض فلسطين أمر هام جدًا، وعامل ضروري ومؤثر في رسم وتخطيط الأداء الفلسطيني والعربي في السياسة اليومية والاستراتيجية، ولإعمال العقل حول ما يجري داخل كيان دولة «إسرائيل» وفي سياق مواجهة السياسة التوسعية «الإسرائيلية» الصهيونية وأيديولوجية «إسرائيل» العنصرية الصهيونية التي تسعى الآن لتهويد القدس المحتلة ونيل الاعتراف الدولي والعربي بما يسمى «يهودية إسرائيل».

إن فحص الأحداث المتعلقة بالحراكات الداخلية في المجتمع «الإسرائيلي»، تؤكد أن التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين ليس كتلة ستاتيكية ساكنة هامدة كما كان يعتقد البعض، بل يخضع بالضرورة لعوامل التغيير، وعوامل الحياة اليومية كما تخضع المادة المعدنية لعوامل التأكسد بدرجات متفاوتة طبقًا للشروط القائمة ومعطياتها. فدولة الكيان «الإسرائيلي» ليست بعيدة عن التأثر بالعوامل الداخلية أولاً والمحيطة ثانيًا، والإقليمية والدولية ثالثًا، فبعيدًا عن استفحال نزعات التطرف في «إسرائيل»، باتت كتلة نسبية يهودية تطرح الأسئلة المتعلقة بالمصير النهائي لدولة «إسرائيل» وسط منطقة تعج بدولها وشعوبها التي توحدها عوامل كثيرة، بدءًا من المصير المشترك انتهاءً بالأهداف العليا الواحدة.

إن التحولات الجارية في المنطقة والعالم، والرمال السياسية التي تهب من حين لآخر تصل «إسرائيل» بتأثيراتها الكبرى في نهاية المطاف، وتتوالد عنها تفاعلات وحراكات سياسات ذات شأن، لكنها لا تعني بأن المجتمع «الإسرائيلي» سائر نحو التفكك الفوري والآني، فالعملية تاريخية وتحتاج لمداياتها الزمنية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2177586

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2177586 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40